الموقف السياسي
|
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
هل هي ثورة أخرى؟
تونس / الصواب /14/10/2019
مبروك الرئيس الجديد لتونس قيس سعيد ،
وبهذه الصفة فإنه جدير بالاحترام والتقدير اللائقين بالخطة ، فهو رئيسنا ابتداء من
اليوم ، وإن كانت التقاليد تقتضي أن يستلم الخطة الرئاسية ، ومتعلقاتها بعد مدة
تتطلبها الاجراءات المرعية ، وصولا إلى المناسبة المتمثلة في الحفل الخاص بأداء
القسم.
بعدها يستلم قيس سعيد مهامه الرئاسية
كما ضبطها له دستور 2014 ، باعتباره هو الضامن لذلك الدستور "وهو رمز وحدة
البلاد والضامن في استقلالها واسمراريتها والساهر على احترام الدستور" سواء
كان موافقا لمقتضياته أو داعيا لتحويرها.
وكسابقيه من انتخب منهما عن طريق
المجلس التأسيسي ( منصف المرزوقي) بعد توافق بين النهضة وحزب التكتل وحزب المؤتمر
، أو من انتخب بالاقتراع العام ( الباجي قائد السبسي)
نتيجة توافقات لاحقة بينه شخصيا وبين حزبه والأستاذ راشد الغنوشي شخصيا
ونيابة عن حزبه حركة النهضة ، وغيرهما ، وما تبع ذلك من تشكيل حكومات متعددة
الانتماءات ، تعتبر بحكم ما تنص عليه مبادئ العلوم السياسية ، مسؤولة بالتضامن
أمام البرلمان ، والشعب ، صاحب الأمر والنهي ، متمثلا في كلمة الصندوق ، الذي أنهى
أو كاد الحزب الاول المنبثق عن انتخابات 2014
نداء تونس ، وقصب أجنحة الحزب الثاني في انتخابات 2014 أيضا النهضة (88 و66 مقعدا في البرلمان المتخلي ) .
واليوم فإننا نجد أنفسنا أمام رئيس
غير مدعوم ولو نظريا بكتلة أو كتلتين أو أكثر في البرلمان، يبدو وكأنه حائز على
ثقة الكتلة الأولى في البرلمان الجديد ، التي رغم تدحرجها من 66 مقعدا إلى 52 مقعد
، والمدعوة بحكم مقتضيات الدستور لتشكيل الحكومة ، مستحيل منفردة ، وإنما احتمالا
بمشاركة من عدة كتل في البرلمان الجديد ، ليس معروفا اليوم من هي التي سجلت قبولا
للدخول في توافق مع النهضة ، لتوفير أغلبية 109 من الأصوات لاستطاعة تمرير الحكومة
، ونيل ثقة مجلس الشعب.
غير أن للسياسة أحكامها ، وإن بدت هذه
المرة ضبابية ، اعتبارا لطبيعة نظام الاقتراع ، والذي كان وما يزال يشرذم كتل مجلس
نواب الشعب ، ويزرع الشك بشأن احتمالات تشكيل سهل لحكومة ما في ظل وجود 17 نائبا
منفردين لا ينتمون إلى أحزاب أو قائمات
مستقلة ، ليست واضحة انتماءاتهم ، و180 نائبا ينقسمون إلى عائلتين تشق كل منهما
اختلافات عميقة .
بصعوبة البدايات بالنسبة لرئيس جديد للجمهورية ،
ليس لأحد غيره يمكن أن يحل معادلة تربيع
الدائرة كما يقول المثل الفرنسي.
وليكن الله في عونه ، وحركة النهضة
الأولى في الانتخابات ، والتي يعود لها دستوريا أمر تشكيل الحكومة ، بقاعدة لا
تتجاوز 52 مقعدا في المجلس وتحتاج إلى مدد إضافي 57 آخرين من النواب، ليس واضحا حاليا من أين ستأتي بهم ، إلا في
حالة قيام أغلبية رئاسية تتجاوز الانقسام الحزبي، وتلتف حول رئيس الدولة الجديد ،
لتعطيه فرصة ، إبراز مواهبه في تشبيك الخيوط أو تفكيكها من بعضها البعض ، وهو أمر
لن يكون سهلا ، إلا إذا قررت الأحزاب أن تكون قي عون رئيس جديد ، تنقصه التجربة ،
ولكنه أظهر أنه يتمتع بمواهب أخرى لعل أهمها الاصرار.
الرئيس قيس سعيد ، الذي لم يتوقعه أحد
رئيسا للدولة ، وكان يقال عنه كما عن منافسه نبيل القروي، إنهما لا يعدوان أن
يكونا بالونتين قابلتان للانفجار في أي وقت ، ظهر في قائمات الترشيح للرئاسية في
مؤسسات استطلاع الرأي منذ سنة الثورة أي
منذ 2011 ، ولقد قفز إلى الصفوف الأمامية منذ 2014 ، وما زال يزحف حتى ظهر كمنافس
جدي منذ جانفي 2019 دون أن توليه الطبقة السياسية أهمية تذكر ، غير أنه تميز
بالمثابرة والمواظبة والاصرار والصلابة في الموقف ، وقد خدمته كما خدمت نبيل
القروي للوصول إلى الدورة الثانية عوامل داخلية وخارجية وإن اختلفت فقد جمع بينها
استفادة كليهما ، من غباء العائلتين السياسيتين الرئيسيتين في تونس أو هكذا كان
يظن ، فقد أفلت عبد الفتاح مورو من التحصل على دخول الدور الثاني ليس بقارق كبير ،
لولا ترشح مجموعة من بعض المرشحين المحسوبين على العائلة الاسلامية في مقدمتهم سيف
الدين مخلوف وبعض الآخرين ، ويبدو أن المرايحي هو الآخر "قضم" من خزان
مورو ، أما الزبيدي فكان بإمكانه أن يأتي أولا بعدد أصوات حتى أكثر من سعيد في
الدور الأول ، لولا ترشح يوسف الشاهد ،
وعدد آخر ممن يصفون أنفسهم بالوسطيين.
وفي هذه الحالة كان يمكن أن يكون
السباق بين عبد الكريم الزبيدي وعبد الفتاح مورو ، وكان يمكن أن يكون رئيس الجمهورية
اليوم أحدهما ، ولكن السياقات الانتخابية ، ليست خيالا سياسيا بل واقعا تفرضه
مساقات لا يمكن التحكم فيها مسبقا أو التأسف عليها لاحقا ، وإن كانت تدل في بعض الأحيان عن السقوط في
حالة غباء سياسي يؤدي إلى كوارث.
المهم أن تونس اليوم تجد نفسها ، أمام
واقع جديد يتميز ، بصعود ، رجل قانون ، لا بد له أن يحيط نفسه بمجموعة من الخبراء
في شتى الميادين التي لا يسيطر عليها ، ولا بد للذين سينجحون في تشكيل الحكومة
سواء من الوهلة الأولى أو الوهلة الثانية ، أن يعتمدوا عليه في اختيار كفاءات ربما
يكون على دراية بمكامنها ، بوصفه جامعي توفرت له فرصة كبيرة لمعرفة الناس
والكفاءات.
والأمل معقود على أن لا تصل البلاد بالرئيس الجديد ، إلى مغامرة عدم القدرة
على تشكيل حكومة ، فيضطر بحكم الدستور ، للدعوة لانتخابات تشريعية جديدة ، لا
يتنبأ أحد اليوم كيف تكون تركيبة المجلس المنبثق عنها ، في ظل طريقة اقتراع غير مطمئنة.
البعض يقول ، إن الثورة التي طفا
بريقها بعد 2011 ، بكل من حكموا البلاد ، ستستعيد كل إشعها بانتخابات 13 أكتوبر
2019 ؟ هل صحيح هذا.؟؟؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق