Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الأحد، 26 يناير 2014

بكل هدوء: معروض على جمعة حكومة لاتخاذ قرارات صعبة بدون أي ضمانات للاستمرار

بكل هدوء                                     
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
على شاكلة البلدان الديمقراطية
أزمة تشكيل الحكومة التونسية
تونس/ الصواب /26/01/2014
عرفت تونس ما بعد 14 جانفي، أول أزمة سياسية من ذلك النوع الذي تعرفه الدول الديمقراطية ، مع الفارق، فقد فشل رئيس الحكومة المكلف مهدي جمعة في تقديم قائمة حكومته إلى رئيس الجمهورية ، قبل أن تصل لمرحلة طلب ثقة المجلس التأسيسي.
وراء هذا الفشل وانطلاق عملية إعادة الترشيح لنفس الشخص، بعد المشاورات التي سيجريها رئيس الجمهورية وفقا للدستور الصغير، أو لشخص آخر يبدو أنه يتمتع بحرية اختياره، عاملان وفق ما تسرب من معطيات قد تصح وقد لا تكون صحيحة:
·       المعطى الأول هو المتمثل في الخلاف حول تثبيت من عدم تثبيت وزير الداخلية لطفي بن جدو. إذ يبدو أن رئيس الحكومة المكلف كان مصمما على الاحتفاظ بوزير الداخلية، فيما جهات عديدة من المعارضة ترفض ذلك، وسواء صح ما يقال من أن النهضة وقفت وراء هذا الإصرار، حتى تحفظ أسرارا  يبدو أنها تسعى لعدم إشاعتها، أو لم تقف فإن إرادة تثبيت بن جدو في موقعه لا تبدو مفهومة أو مبررة.

·       المعطى الثاني هو المتمثل في فشل المجلس التأسيسي في توفير أغلبية لمسألة متوافق عليها في خارطة الطريق، متمثلة في انتخاب الحكومة بالأغلبية البسيطة (50 في المائة مع واحد) وإسقاطها بالثلثين ثم التنازل إلى الثلاثة أخماس.

وإذ يفترض توازي الأشكال، أي أن من ينتخب بطريقة يسقط بالطريقة نفسها، فإن هناك تجارب دستورية دولية، لم تقم على هذا المبدأ، ففي فرنسا وخلال كل فترة الجمهورية الرابعة( 1946/1958) ، كان منح الثقة للحكومة قائما بالنصف من الأعضاء مع واحد، وسحب الثقة بالثلثين، غير أن رئيس الحكومة الاشتراكي غي موللي استقال في سنة 1957 رغم أنه نال الأغلبية المتركبة من الأغلبية البسيطة، ولم ينل الثلثين من أصوات البرلمانيين.

 وبذلك فتح الباب أمام قلة استقرار حكومي انتهى إلى سقوط الجمهورية الرابعة وقيام الجمهورية الخامسة على يدي الجنرال ديغول.

ويبدو أن مهدي جمعة وجد نفسه بين اثنين من الكراسي، لا استقرار له في الفضاء بينهما، فلا هو استطاع أن يشكل حكومة كما يريد، وقد يكون ارتأى تقديم تنازل للنهضة من جهة، وللمنظومة الأمنية من جهة أخرى، المطالبين بالإبقاء على بن جدو كوزير للداخلية، غير أنه اصطدم بكل الآخرين الذين لا يمثلون ولا حتى أغلبية بسيطة، ولكنه لا يستطيع الحكم بدون التوافق معهم ، باعتبار أن قدومه جاء نتيجة توافقات لا يمكنه أن يتنكر لها.

غير أن ذلك لم يكن الأمر الحاسم في قراره عدم تقديم قائمة وزرائه لرئيس الدولة، مساء السبت 25 جانفي 2014، فقد جاء تصويت المجلس التأسيسي ضد الصيغة التوافقية لسحب الثقة ليس من الحكومة بأكملها بل من الوزراء  مخيبا لآماله.

فالنص الذي صادق عليه النواب وإن يتطلب أغلبية الثلاثة أخماس (60 في المائة من النواب بدل 66 كما نصت عليه خارطة الطريق) لإسقاط الحكومة، فإنه يكتفي بخمسين في المائة مع واحد لإسقاط الوزراء، وهو سابقة تاريخية في الفصل بين مصير رئيس الحكومة والحكومة ككل، والوزراء كل على حدة أو حتى مجموعين.

ما المعنى من هذا ، ولماذا نكث نواب حتى من أحزاب موقعة على خارطة الطريق المفروض أنها ملتزمة بها  لماذا نكثوا العهد، وهل من معنى لذلك أو  هل هي رسالة التقطها مهدي جمعة، وفهم مقاصدها، وظهرت له أهدافها.

إن مهدي جمعة كرئيس حكومة من جهة، وفريقه المفروض أنه متضامن، من المفترض أنهم سيسيرون سياسات معينة قائمة، على أساس من مضمون خارطة الطريق، هذا على الأقل هو المتوقع.

وإذا كان هو حكومته لا يمكن إسقاطهما أو سحب الثقة منهما، إلا بثلاثة أخماس النواب، أي بمائة وثلاثين نائبا، وهو أمر غير مستحيل ولكنه عسير  باعتبار نواب النهضة ونواب المؤتمر ونواب وفاء ونواب المحبة، ومن هنا وهناك من النواب من لا يمكن وضعهم في خانة معينة، فإنه لا يستبعد أن يتم في أي وقت من الأوقات إسقاط أو سحب الثقة من وزير معين أو حتى وزراء، بحيث يتم شل عمل الحكومة، فتعجز عن تحقيق ما وعدت به، بالخصوص لتوفير المناخ الملائم لإجراء انتخابات نزيهة وشفافة.

فهل يستطيع مثلا وزير الداخلية أن يدخل قرارات تخص التعيينات الحاصلة، دون أن يتعرض للإسقاط، وهو في الحقيقة ليس صاحب القرار، لأن الأمر الخاص بذلك يصدر عن رئيس الحكومة، وهل يستطيع الوزير الذي في عهدته القيام بالإجراءات القانونية لحل روابط الثورة أن يتولى تلك المهمة، دون أن يتعرض لاحتمال سحب الثقة منه بمجرد 109 أصوات، النهضة والمؤتمر ووفاء كفيلون بأن يوفروها وحدهم بكل سهولة.

لا بد أن مهدي جمعة قد يكون فكر في كل ذلك وفكر في احتمال ، أن يرى أشخاصا في القمة العلمية ويتمتعون بمراكز عليا أحيانا في الخارج يغامرون بأنفسهم وبمساراتهم العلمية والمهنية، بالدخول في حكومة لا تضمن لهم تنفيذ برامجهم، أو برامج الحكومة التي تعتبر دوما وتحت كل سماء متضامنة في قراراتها وفي مواجهاتها.

وهو إن دعي إلى مغامرة أخرى لتشكيل الحكومة، فإنه ولا شك سيكون أمام نفس المعضلة، أما إن دعي غيره، فهل بتوافق وطني مثله ، أم تحت مظلة أخرى غير متوفرة إلا تحت راية النهضة، ما معناه أنه وداعا لانتخابات نزيهة، في ظل ولاة ومعتمدين وحتى عمد يحملون ولاءات معينة، وتحت تهديد روابط لحماية الثورة، اعتبرت دوما أذناب ميليشية لحركة النهضة أنشأتها وترعاها، باعتبار ما أعلن عن أنها تعتبر ضمير الثورة.

وبعد قد لا ينفع دستور ، اعتبر رغم النقائص مقبولا، وهو قابل في أي وقت وتحت أغلبية نهضاوية قادمة "للتطوير" في اتجاه إلغاء صبغته المدنية، ما دامت الانتخابات لن تكون نزيهة ولا شفافة، بدون مناخ سليم.

ألا إن النهضة وأذنابها يلعبون بالنار؟

وهل سيقبل المعارضون وأحزابهم، والمجتمع المدني بهذه اللعبة؟

وإلى أين ستؤول صفقة باريس/ الجزائر / والحمامات بين الشيخين؟

fouratiab@gmail.com

 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق