مشرقيات ومغاربيات
|
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
تجزئة المجزأ في الوطن العربي
تونس/ الصواب / 28/12/2016
قبل مائة عام عرف المشرق العربي
التجزئة الأهم في تاريخه ، فأنشئت دول ، وزرعت دول غريبة عن الجسم ، وسقطت دولة الخلافة التي يسعى أردوغان رئيس
تركيا إحياءها (وهل تعود العظام للحياة وهي رميم،).
وكان المغرب العربي قد انتهى أمره وقتها ، فنالت فرنسا تونس والجزائر واستكملت
الأمر بالمغرب الذي وقع تحت الحماية 1912 ، أي 4 سنوات قبل سيكس بيكو الذي أعطى (سوريا الكبرى للفرنسيين ) والعراق للإنجليز
والأردن وفلسطين لبريطانيا ، ومصر رزحت آنذاك منذ سنوات قليلة تحت اليد الثقيلة
للانجليز أما ليبيا فكانت من نصيب الايطاليين.
بعد قرن سنة بسنة ما هي الخريطة التي
يراد رسمها وتحت أي ظروف ، و الوطن العربي لا هو في العير ولا في النفير ، قواه خائرة
كما كانت قبل قرن ، عندما خرج من الاستعمار التركي خائر القوى وأجزاء كبيرة منه
مولى عليها ، وهو اليوم بل حول ولا قوة .
مصر التي قدمت أكبر التضحيات نيابة عن
العرب ، وقدمت أفواجا وأجيالا من الشهداء والمعاقين في حروب متوالية خاضتها عن
العرب ولم تنل جزاءها فتحولت من أغنى دولة في المنطقة العربية إلى دولة فقيرة ،
بينما جيرانها يرفلون في نعيم البترول ، لم تعد تلك القوة التي وقفت في وجه
نابليون ولا في وجه الانجليز وكانت أول دولة في العالم العربي وإفريقيا تنال
استقلالها منذ 1923 ، وتخطو خطوات عملاقة على طريق الحضارة والقوة المعززة ، مصر باتت شبحا لنفسها.
القوى الثلاث الكبرى اليوم في المنطقة ليس بينها
دولة ولا مجموعة دول عربية.
وإذا تركنا إسرائيل التي ما زالت تحلم
بالدولة الكبرى الممتدة من النيل حتى يثرب ، فإن المنافسة تقوم اليوم بين تركيا
وإيران ، تركيا الحالمة بعودة الخلافة إليها وبامتداد يصل إلى شمال إفريقيا
انطلاقا من العراق ، وإيران التي يراودها حلم العودة الساسانية قبل الإسلام و
الصفوية الشيعية منذ ثلاثة أو أربعة قرون ، وهما القوتان الأعظم خلال القرون
الأخيرة ، فيما استكان العرب وقتها ، لولا
النهضة الحقيقية التي انطلقت على يدي محمد علي من مصر في بدايات القرن التاسع عشر
، وأحمد باي من تونس بعد ذلك بنصف قرن ،
وبين هذا وذاك النخب غالبا من المسيحيين
التي برزت من الشام وخاصة لبنان.
مصر حيدت نفسها على قوتها لا فقط
الديمغرافية بل حتى العسكرية والاقتصادية ، رغم فقرها المالي ، بعد أن أصابها
اليأس من العرب ، الذين قدمت لهم خيرة شبابها دفاعا عن شرف الأمة ، فلم تجد منهم إلا الجحود ، سوريا الحصن الحصين
أصابها الأعراب في صميمها وشجعتهم القوى
الدولية المتآمرة ، فيما تآكلت حصونها بسبب الديكتاتورية ، أما العراق القوة الأخرى
المفترضة ولكن الحقيقية وحارسة البوابة الشرقية للعالم العربي فإنه لم يعد إلا
شبحا لنفسه بعد مغامرات صدام حسين .
واليوم فإن العالم العربي شرقا وغربا
تتنازعه انقسامات داخلية ، وتتربص به قوى خارجية عاتية ، وإذا كانت مصر تستمرئ اليوم
عزلتها مع إحساس شديد بالمرارة ، بأنها لم تلق جزاء ما بذلته من تضحيات ، فإن
الأخطار محدقة بكل من ليبيا وتونس والجزائر التي تتهددها جحافل القادمين إليها
بفكر ظلامي ينتسب للوهابية ، انتعش بمدد
أمريكي – غربي، ويسعى اليوم بعد هزيمة مشرقية في سوريا والعراق أن يتمدد إلى
الشمال الإفريقي ، فيما يمكن القول إن العراق قد استكمل خضوعه لإيران الشيعية
الصفوية ، إلا مناطق في الشمال ينازعها الأتراك وتدعي تركيا أن الموصل تركية
تاريخيا ، ومناطق أخرى أفلتت للواقع من يد الدولة المركزية العراقية ، وباتت تحت
استقلال كردي فعلي وإن لم يكن معترفا به دوليا
سياديا ، وإن بلغ التعامل معه حدود الاعتراف الدولي الذي لا لبس فيه.
ما يعني أن العراق بات مقسما مجزأ ،
وأن أطراف منه باتت خارجة أو ستكون خارجة عن سلطة الدولة المركزية الخاضعة بدورها
لطهران.
أما سوريا فالوضع أكثر تعقيدا بفعل
سنوات الحرب الخمس التي أتت على الأخضر واليابس ، فحولت بلدا مزدهرا اقتصاديا وإن
كان محكوما بالحديد والنار، إلى ركام
يقتضي إعادة اعماره حقبات طوال وأموال
طائلة لا يدري أحد ما سيكون مصدرها.
هذا فضلا عن أخطار التقسيم ، وإذا كان
العراق قد استقر تحت نير الحكم الفارسي باستقلال ظاهري ، فإن سوريا تبدو آيلة لحكم
تركي أخذ يغمز شمالها ومناطق السنة والمسيحيين فيها ، فيما ستئول المناطق الغربية
المطلة على البحر للشيعة العلويين المستندين لحزب الله الشيعي الاثني عشري بحيث يكون الأمر فيها في يد
إيران وأنصارها من الشيعة العلوية التي منها بشار الأسد .
لكن تجزئة المجزأ لن تقف عند هذه
الحدود فماذا سيكون مصير منطقة الخليج كلها والبحرين بالذات ، وأيضا إلى أين سترسي
حرب اليمن التي لا ينبغي أن يغفل المرء على أنها حرب سنية شيعية ، قطب الرحى فيها :
من سيسيطر على الأماكن المقدسة مكة والمدينة ، وكانتا دوما في يد السنة ، فيما
يعتقد الشيعة أنها ينبغي أن تكون بيد " أهل البيت : فهم أحق بها لأنهم من نسل النبي ، والشيعة
يعتبرون أنفسهم من أهل البيت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق