بكل هدوء
|
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
صراحة مؤلمة
تونس / الصواب / 04/01/2017
ترددت كثيرا ، وأجلت الأمر طويلا ،
قبل أن يقر مني العزم ، على أن أغامر بالسباحة في المياه العميقة ، وأنا أتقن فن العوم عادة ، ولا أتهيب البحر، فأنا
ابن شواطئ عندما كانت في مدينتي صفاقس شواطئ ممتعة بلونها اللازوردي الأزرق ، قبل
أن يهجم عليها تصنيع وحشي أحال تلك الشواطئ إلى مصبات قمامة الفسفاط .
تذكرت كلمة كان يرددها على مسامعنا
نحن أبناء الهادي العبيدي ، الذي نسيه الناس ونسوا جرأته وشجاعته ، وكتاباته
المزلزلة ، كان الرجل يردد : الصحفي والمفكر يسيران في مقدمة الركب ويقودانه ، ولا
ينبغي أن يتبعوا أهواء الناس ، وكان يذكر بيتا من الشعر في هذا المعنى غاب عني.
ما أود أن أقوله وأكتبه اليوم في
بداية هذا العام الجديد ، أننا أصبحنا في هذه البلاد بقياداتنا ، بصحفيينا ،
بمفكرينا نسعى وراء الجماهير بدل أن نقودها ، وسيطرت علينا شعبوية قاتلة ، غابت
الصراحة لإرضاء كل من هب ودب، وباتت قيادات التنظيمات الاجتماعية والقيادات
السياسية حكما ومعارضة تسير وراء ما يرضي
الناس ، ورضاء الناس غاية لا تدرك ، وبات الصحفيون ،ـ والتعميم غير جائز ـ وأنا منهم
يجرون لا وراء البحث عن "الحقيقة " ، بل وراء إطراء العواطف مهما
تعارضت مع المصلحة العامة ، وسأتوقف عند ملاحظات معينة:
** قضية حادثة القطار ، تم تناولها من
الجانب الخطأ في رأيي ، وأنا لا أعرف
الرئيسة المديرة العامة ولم أسمع باسمها قبل أن تتقرر إقالتها ، قد تكون غير كفئة
، ولكن في هذه القضية بالذات ، لأسوق أمرا غاب عن كل " المحللين " وهو
أن القطار في سكته يتمتع بأولوية مطلقة ، وأن على الذين يقطعون عليه الطريق أن
يكونوا على انتباه كامل ، وبالتالي لماذا لم يتساءل الناس وفي المقدمة أصحاب
الحملة على الرئيسة المديرة العامة ، والذين طالبوا بإقالة الوزير وزير النقل ،
وهو الآخر لا أعرف ولا أذكر اسمه إلا يوم عين في منصبه هذا ، ألم يكن الأجدر بهم
أن يسائلوا مدير شركة النقل الذي غامر سائقه بحافلة يحمل أوزار ركابها وهو من
رمى بهم في فم وحش هو القطار.
، ووزير النقل في الحالتين يكون مسؤولا لو لم يكن هذا الخطأ بشري ، ومهما تعللنا وتعلل
المسؤولون بنقص في تجهيزات التقاطعات ، ولم يدافعوا عن أمر مؤكد وهو أولوية القطار
على سكته ، وحتى ممثل الوزارة تحاشى أن يصارح الناس ، ويحمل المسؤولية لمن وجب أن
يتحملها مسايرة للرأي السائد ، لا لحقيقة القانون ، وأود أن أذكر هنا أنني في أحد
أيام القيظ في صائفة 2008 ، وكنت في سيارتي في شارع يوغورطا ، عند وصولي للإشارة
الضوئية كانت حمراء ، وتوقفت ، ولكن 7 أو 8 سيارات اخترقت الضوء الأحمر ، وعندما
وقفت بجانبي سيارة تحترم الإشارة الحمراء ، تساءلت بيني وبين نفسي :" من هو
هذا الساذج مثلي ، الذي لا يخرق الضوء الأحمر " استدرت فمن وجدت ؟
محمد الغنوشي وكان آنذاك وزيرا أول يقف
احتراما لإشارة المرور ، التي خرقها عدة أشخاص قبله ، بحيث نحن في هذه البلاد لا نحترم القوانين بما
فيها قانون المرور ، واليوم وبعد أن فرض وضع حزام الأمان داخل المدن ، أراهن على
أن الشرطة لن تجد سهولة في فرض احترام ذلك
الإجراء .
غير أن المؤلم في الأمر أكثر هو أن
الصحافة مكتوبة ورقية أو إليكترونية وخاصة
تلفزيونية وإذاعية ، وفي مسايرة لا أريد
أن أصفها دخلت في حملة ظالمة ، دون بحث أو تدقيق .
** لا يمر يوم أو أسبوع دون أن يتم
" اعتصام " على طريق يقطع السير ، ويعطل المصالح ، ويصيب انسياب الحركة
بالتوقف ، هذا من أجل البرتقال ، وهذا من أجل الحظائر ، وهذا من أجل التعطل ،
والأدهى والأمر ما حصل من تعطيل تسيير الفوسفاط ، إلى مواقع تصنيعه أو تصديره ،
اتحاد الشغل ومن أجل عدم مواجهة أعداد من المتضررين ، لا يبدو أنه يدافع عن مصالح
شعب بكامله ، وحكومات متعاقبة عاجزة عن أن تفرض سلطة القانون ، مستشفى بعينه لا
يسيره من ينبغي أن يسيره أي أساتذة جامعيين
، بل من لهم مطالبات اجتماعية قد تنتهي
وقد لا تنتهي هم من باتوا يتدخلون في
التسيير والتصرف ، ووزراء يقالون أو لا يجدد لهم تحت ضغط نقابات دورها لا فقط
الدفاع عن المصالح المعنوية والمادية لمنظوريهم ، وربما غيرهم في الطريق تحت ضغط
شديد ، وتعليمنا واقع تحت وقع إضرابات
متواصلة ، اليوم أو غدا إضراب آخر في التعليم.
والأولياء في حيرة ، التعليم الخاص
أخذ يمتليء ، ويتحسن مستواه ، والذين يتمتعون بإمكانيات حتى قليلة " يتشعبطون
" بين تعليم خاص بثمن ، ومن الذين يتمتعون بمداخيل مرتفعة لا تجد إلا قلة من
يبقون أبناءهم في المدرسة التونسية ، بينما غصت المدرسة الفرنسية والانقليزية
والأمريكية وحتى الألمانية والكندية بالتلاميذ التونسيين ، الذين هربهم
آباؤهم من التعليم العمومي ، الذي على تدني مستواه بات يعيش إضرابات وراء إضرابات
، تحت أنظار وأسماع مركزية نقابية ، للمرء أن يتساءل إن ما زال يهمها أو لا مستقبل
تونس وأبناؤها ، ووداعا وحدة التعليم ،
وتكوين أجيال متأصلة في مجتمعها ومناخها الاجتماعي التونسي ، وسؤال مطروح على
الجميع ، هل تبقى المدرسة التونسية المكسب الذي بنته أجيال من المعلمين بالمفهوم
الشامل للمعلمين ، فقط لمن ليس لهم حظ ومال ، وينصرف الآخرون عنها ، لا فقط
لانحدار مستواها واسألوا برنامج بيزا العالمي
،بل وأيضا لما اعتراها من قلة انضباط وتذبذب وغياب استمرارية ، وما ربحته
المدرسة التونسية من أيام تواصل في الدراسة خسرته في عدد أيام الاضرابات مهما كانت شرعيتها فإنها تبقى ضارة بالتحصيل
العلمي لأبناء المستقبل.
** ولأن المفكر والصحفي يسير في مقدمة
الركب ، ولا يلهث وراءه ، ولأن المصارحة تجاه وضع يشكو من صمت القبور ، فإني أواجه
العاصفة عن وعي ودراية ، عل السواكن تتحرك
، وتنزع الجمود والقبول بالدون حتى ينتفيا
، كان هذا موقفي سنة 1990 عندما رفضت أن أساير التيار ، فاتهمت وقتها ظلما بالبيع والشراء ، فإني على الخط الذي اتبعت دوما
من أجل الحقيقة ، ومن أجل مصلحة البلاد ، غضب من غضب
، ورضي من رضي ، شتم من شتم ، وشكر من شكر
، أحب من أحب وكره من كره. تلك هي شمتي دوما وأبدا.
وليس لي من
خوف إلا من ضميري ومن الله.
fouratiab@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق