Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الاثنين، 23 يناير 2017

بكل هدوء : محمود بن رمضان ،، حديث الصراحة وإطلاق صفارة الانذار

بكل هدوء
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
صيحة فزع
في القاعة الكبرى في بيت الحكمة ، كان الموعد لسماع محاضرة للأستاذ الجامعي المتميز محمود بن رمضان ، صباحا على غير العادة ، وفي المجال الاقتصادي الذي يقل  عنه الحديث في هذه الدار ، التي تعتبر مفخرة لتونس ، والتي تحيل إلى بيت الحكمة في بغداد ، أيام عز الحضارة العربية ، التي كانت رائدة في عالم يقتبس منا ولا نلهث وراءه، والتي يرأسها ويديرها بكل اقتدار الدكتور عبد المجيد الشرفي.
كان الموضوع مغريا :" تونس في مواجهة الأزمات الاقتصادية الكبرى : طرق النفاد " ، وكان المحاضر جدير بالمتابعة لغزارة علمه من جهة ولتمكنه البيداغوجي من جهة أخرى ولتجربته الطويلة من جهة ثالثة وآنية الموضوع وحرقته من جهة رابعة.
كان الموضوع مغريا بحيث استقطب ما ملأ القاعة برؤساء حكومات ووزراء سابقين عدا الأساتذة الجامعيين والموظفين الدوليين والمتصرفين من المدراء الكبار ممن كان لهم أثر في بناء اقتصاد البلاد.
ما يمكن أن يخرج به المرء من المحاضرة ذاتها التي لم تتواصل مدتها  الساعة ، ومن التدخلات  في القاعة ، ومن ردود المحاضر، هو أن صفارة الإنذار المدوية قد أطلقت ، وأن صيحة الفزع العالية قد ترددت أصداؤها .
للحقيقة فإن ما أورده المحاضر محمود بن رمضان ، ليس جديدا ، فالأزمة الخانقة كانت معلومة منذ الأشهر الأولى بعد الثورة ، وأنها تعمقت بدون حلول عندما كانت الحلول طوع اليد خلال حكم الترويكا وبالذات النهضة، ولعل الوزير حسين الديماسي هو أول من أطلق صفارة الانذار منذ جوان 2012 ، مما اضطره للاستقالة ومغادرة حكومة بدا واضحا ، أنها لا تريد أن تأخذ الثور من قرنيه لترويضه ، وأن همها هو ربح الوقت،  انتظارا لانتخابات كانت تعتقد أنها ستمكنها من أغلبية مريحة بلا شريك ، لا منصف المرزوقي ولا مصطفى بن جعفر.
منذ ذلك الحين اتضحت معالم الصورة فقد كانت البلاد تسير نحو إفلاس محقق ، ويذكر المحاضر هنا "أن البلاد كانت مفلسة فعليا منذ منتصف سنة 2013، وأنها وصلت حاليا لا للقاع ، ولكن أبعد من القاع ، فكل المؤشرات في الأحمر ، أي في وضع متأزم " المالية العمومية بعيدة عن كل توازن ممكن ، الشركات الوطنية كلها تقريبا تشكو من عجز كبير وبعضها تعتبر مفلسة ، ولو تم تطبيق القانون عليها لوجب غلقها ، قطاعي الفسفاط والسياحة اثنان من القطاعات الدافعة تشكو ، النمو في أدنى أحواله ، والاستثمار معطل والتجرة الخارجية وميزان الدفوعات في انخرام كامل ، والوضع السياسي يزيد الحالة سوء ،ورغم قيام الديمقراطية كوسيلة متقدمة للحكم ، فإن البلاد لم تعرف حتى الآن إنشاء المؤسسات الدستورية ، التي بدونها لا وجود لديمقراطية حقيقية رغم الانتخابات النزيهة والشفافة ، ورغم إطلاق الحريات العامة والفردية ،  وإذ تدل تجارب  الثورات المعاصرة يقول محمود بن رمضان :" على أن اقتصادها يسترجع عافيته بعد 4 سنوات ، على قيام الثورة ، فإننا في تونس وبعد ست سنوات على 14 جانفي فإن اقتصادنا ما زال لم يسترجع ديناميكيته السابقة ، وهو يتميز بانخفاض مستوى النمو ولا حديث عن تنمية ولا عن تشغيل ".
ويعقد المحاضر مقارنة طريفة بين أزمة الاقتصاد في الثمانينات والأزمة الحالية ، لينتهي إلا أن القرارات التي اتخذت آنذاك  في 1986 سريعا ما أتت أكلها ، فيما إن تونس اليوم لم توفق وبالتالي فإن الأزمة متواصلة ، وهي تهدد بأن تتحول إلى أزمة شبيهة بما حصل في اليونان ، وإذا كانت الحكومة قد استطاعت توفير المال اللازم لدفع مرتبات موظفيها حتى الآن  ، وضخ ما يكفي لدفع الصناديق الاجتماعية المفلسة جرايات المتقاعدين ومستحقات المرضى  عبر الكنام التي فقدت توازناتها ، فلا شيء يؤكد أن ذلك ممكن أو في حيز الإمكان الشهر المقبل أو الأشهر المقبلة ، أي أن يستمر صرف مرتبات الموظفين وجرايات المتقاعدين ، وسداد مستحقات المنتسبين لمؤسسة تعويض نفقات العلاج؟ .
وعلى هذه النغمة المتشائمة نسج المتدخلون ، مؤكدين ما ذهب إليه المحاضر  من تشاؤم ، لا مبالغة فيه ، مقدمين إضافات مهمة في نفس الاتجاه ،  ولقد سبق لنا أن نبهنا لهذا ، منذ أكثر من سنتين  أو أكثر على أعمدة هذه المدونة ، وهو ما يشهد به ما نشر منها وما يمكن الرجوع إليه في كل وقت.
غير أن المحاضر ينتهي إلى أن هناك احتمال للخروج من هذا الوضع وإنقاذ البلاد والدولة ، باعتماد توافق مجتمعي قائم على قبول جماعي بالتضحية الإرادية لا المفروضة.
ولكن يبقى سؤالنا نحن هل هذا ممكن ، قبل أن تغرق السفينة ونرى البلاد في وضع أشبه بذلك الذي عرفته قبل 1881 ، في بلد عصي على الإصلاح ؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق