Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الثلاثاء، 31 يناير 2017

سانحة : الصباح المدرسة الصحفية الدائمة

سانحة
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
الصباح : الست والستون
تونس / الصواب /01/02/2017
في 1 فيفري 1951 ، كانت البلاد على قاب قوسين أو أدنى من أحداث كبيرة ستقودها إلى الاستقلال ، فقد كانت رسالة وزير خارجية فرنسا ، قد أغلقت أبواب سبق أن فتحها في وجه تطورات كان المعتقد أن تكون إيجابية ، تحت ضغط طغمة من المعمرين الفرنسيين مستقرين في تونس ظلما وعدوانا ، يتحكمون في رقاب دولة من أعظم دول العالم آنذاك هي فرنسا، ولم يكن لا هؤلاء ولا حكومة باريس على دراية بأن عجلة التاريخ قد استدارت دورة كاملة ، وأنه لم يعد هناك مجال لاستعمار ولا لدول مولى عليها.
في باريس وأمام رئيس حكومة الباي محمد شنيق ، فتح بورقيبة متحديا  رسالة هي في واقع الأمر موجهة من الخارجية الفرنسية لملك تونس ، وقرأ  نص الرسالة الفرنسية التي ترد  سلبا على رسالة الحكومة التونسية بتاريخ 15 ديسمبر 1950 ، والمطالبة بالاستقلال ، في الغد استقبل بورقيبة أحد أكبر الصحفيين  الفرنسيين وهو في هيجان شديد ، ليقول له ، "يريدون المواجهة فليكن".
نقل محمد المصمودي  ( الوزير لاحقا ) مراسل الصباح ذلك، لينشر على أعمدة الجريدة.
وكانت المواجهة التي قادت إلى الاستقلال ، بعد 75 سنة من الاحتلال.
في تلك الظروف كان أول صدور للصباح لتكون ، وهي الصحيفة المستقلة الخاصة ، صوت الحركة الوطنية ، ولتدخل معركة التحرير من بابها الواسع ، وتكون الصوت المؤرخ للثورة التونسية ، التي اصطلح على اعتبار انطلاقتها في 18 جانفي 1952 ، يوم تم إلقاء القبض على الرئيس الحبيب بورقيبة  ، فيما فر كل من صالح بن يوسف ومحمد بدرة ، الذين كانا  يدافعان عن استقلال تونس في مقر الأمم المتحدة المؤقت في قصر شايو في باريس فرا عبر بلجيكا إلى جنيف ، ثم  منها إلى القاهرة ليبقى صوت تونس مسموعا في العالم ، ولتبقى جذوة  الشعلة التونسية مضيئة لا داخل البلاد فقط عبر المقاومة الشعبية مدنية ومسلحة ، بل كذلك في المحافل الدولية عبر دول حملت قضية تحرير تونس عبر كبار المسؤولين  فيها أيامها في مصر( محمد صلاح الدين )  والعراق( فاضل الجمالي ) وباكستان ( ظفر الله خان ) خصوصا.
أيام لن تنمحي من الذاكرة ستبقى تحملها الأجيال عندما كانت الصباح تحمل الرسالة المقدسة وما زالت  ، عبر الكلمة الحرة  في عنت تحت إجراءات رقابة السفارة الفرنسية  والمقيم العام ديهوتكلوك الذي جاء  إلى تونس على ظهر بارجة حربية إمعانا في التخويف ، وأيضا وهذا ما لا تعرفه الأجيال عبر تلك العربة الصغيرة التي  يدفعها  " فطح " وهي تحمل رزم  الصحف الصادرة لتوزيعها ، وتحتها   القنابل المحلية الصنع لقض مضاجع المستعمرين الفرنسيين.
تلك أيام عرفت ملحمة جديرة بأن تبقى في الذاكرة ، من المؤسف أن الذين عاشوها ، بشجاعة لا تخلو من خوف ، قد انسحبوا وطواهم الموت غالبا ، ولم يبق منهم ممن التحق بهم في تلك الأيام العصيبة والمليئة بالتحدي ، سوى الصادق بسباس وقبله مصطفى الفيلالي والشاذلي القليبي  والحبيب الشيخ ( وزير البريد لاحقا ) أطال الله أعمارهم وربما غيرهم ممن لا أعرف  أو لا أذكر.
أين الحبيب شيخ روحه ، أين الحبيب الشطي ، أين الهادي العبيدي  ، أين فرحات حشاد ،  أين الباهي الأدغم ، أين محمد المصمودي وآخرهم ، أين عبد الجليل دمق ، أين صلاح العامري ، أين محمد قلبي  أين محمد التمتام ، أين  الصادق الزواوي الذي التحق بالرفيق الأعلى ، تقريبا يوما بيوم بعد 19 عاما من وفاة المؤسس وحامل المشعل  في الصف الأول الحبيب شيخ روحه وعشيره لأطول فترة  ، وهم الذين  وغيرهم انبعثت على أيديهم الصباح ، أو واكبوا مسيرتها ،فجعلوا منها أداة كفاح من أجل الكلمة الحرة والأخلاق الصحفية العالية ، والانتصار للحق ، ومساندة الشعوب المولى عليها.
الصباح ليست فقط صحيفة ، وليست فقط مؤسسة ، بل فكرة ازدهرت ، وفعلا أسهم وما زال يسهم بجد ونشاط رغم كل شيء في رفعة تونس ، ورفعة العروبة ورفعة الانسان ، عبر أجيال صنعت مجدها ، وصنعت من جهتها   بمكانتها  أمجادهم.
 فهي بأقلامها ولأقلامها تعيش  وستعيش ، فالصحيفة ليست حقا تجاريا ،  كما يتخيل البعض ، بل أقلام وأسماء بهم تعيش وترتقي. وأخلاق صحفية  عالية ، اعتمدت لها الصباح منذ سنوات طوال مدونة شرف.
ستعمر الصباح، وستبقى هي وأخواتها من منشورات الدار ،  تلك المنارة المضيئة كما كانت دوما ، وكما أرادت لها الارادة الوطنية عندما أنشئت قبل 66 سنة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق