سانحة
|
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
الصباح : الست والستون
تونس / الصواب /01/02/2017
في 1 فيفري
1951 ، كانت البلاد على قاب قوسين أو أدنى من أحداث كبيرة ستقودها إلى الاستقلال ،
فقد كانت رسالة وزير خارجية فرنسا ، قد أغلقت أبواب سبق أن فتحها في وجه تطورات
كان المعتقد أن تكون إيجابية ، تحت ضغط طغمة من المعمرين الفرنسيين مستقرين في
تونس ظلما وعدوانا ، يتحكمون في رقاب دولة من أعظم دول العالم آنذاك هي فرنسا، ولم
يكن لا هؤلاء ولا حكومة باريس على دراية بأن عجلة التاريخ قد استدارت دورة كاملة ،
وأنه لم يعد هناك مجال لاستعمار ولا لدول مولى عليها.
في باريس وأمام
رئيس حكومة الباي محمد شنيق ، فتح بورقيبة متحديا رسالة هي في واقع الأمر موجهة من الخارجية
الفرنسية لملك تونس ، وقرأ نص الرسالة
الفرنسية التي ترد سلبا على رسالة الحكومة
التونسية بتاريخ 15 ديسمبر 1950 ، والمطالبة بالاستقلال ، في الغد استقبل بورقيبة
أحد أكبر الصحفيين الفرنسيين وهو في هيجان
شديد ، ليقول له ، "يريدون المواجهة فليكن".
نقل محمد
المصمودي ( الوزير لاحقا ) مراسل الصباح
ذلك، لينشر على أعمدة الجريدة.
وكانت
المواجهة التي قادت إلى الاستقلال ، بعد 75 سنة من الاحتلال.
في تلك
الظروف كان أول صدور للصباح لتكون ، وهي الصحيفة المستقلة الخاصة ، صوت الحركة
الوطنية ، ولتدخل معركة التحرير من بابها الواسع ، وتكون الصوت المؤرخ للثورة
التونسية ، التي اصطلح على اعتبار انطلاقتها في 18 جانفي 1952 ، يوم تم إلقاء
القبض على الرئيس الحبيب بورقيبة ، فيما
فر كل من صالح بن يوسف ومحمد بدرة ، الذين كانا
يدافعان عن استقلال تونس في مقر الأمم المتحدة المؤقت في قصر شايو في باريس
فرا عبر بلجيكا إلى جنيف ، ثم منها إلى القاهرة
ليبقى صوت تونس مسموعا في العالم ، ولتبقى جذوة
الشعلة التونسية مضيئة لا داخل البلاد فقط عبر المقاومة الشعبية مدنية
ومسلحة ، بل كذلك في المحافل الدولية عبر دول حملت قضية تحرير تونس عبر كبار
المسؤولين فيها أيامها في مصر( محمد صلاح
الدين ) والعراق( فاضل الجمالي ) وباكستان
( ظفر الله خان ) خصوصا.
أيام لن
تنمحي من الذاكرة ستبقى تحملها الأجيال عندما كانت الصباح تحمل الرسالة المقدسة
وما زالت ، عبر الكلمة الحرة في عنت تحت إجراءات رقابة السفارة الفرنسية والمقيم العام ديهوتكلوك الذي جاء إلى تونس على ظهر بارجة حربية إمعانا في التخويف
، وأيضا وهذا ما لا تعرفه الأجيال عبر تلك العربة الصغيرة التي يدفعها
" فطح " وهي تحمل رزم الصحف الصادرة لتوزيعها ، وتحتها القنابل المحلية الصنع لقض مضاجع المستعمرين
الفرنسيين.
تلك أيام
عرفت ملحمة جديرة بأن تبقى في الذاكرة ، من المؤسف أن الذين عاشوها ، بشجاعة لا
تخلو من خوف ، قد انسحبوا وطواهم الموت غالبا ، ولم يبق منهم ممن التحق بهم في تلك
الأيام العصيبة والمليئة بالتحدي ، سوى الصادق بسباس وقبله مصطفى الفيلالي
والشاذلي القليبي والحبيب الشيخ ( وزير
البريد لاحقا ) أطال الله أعمارهم وربما غيرهم ممن لا أعرف أو لا أذكر.
أين الحبيب
شيخ روحه ، أين الحبيب الشطي ، أين الهادي العبيدي ، أين فرحات حشاد ، أين الباهي الأدغم ، أين محمد المصمودي وآخرهم ،
أين عبد الجليل دمق ، أين صلاح العامري ، أين محمد قلبي أين محمد التمتام ، أين الصادق الزواوي الذي التحق بالرفيق الأعلى ،
تقريبا يوما بيوم بعد 19 عاما من وفاة المؤسس وحامل المشعل في الصف الأول الحبيب شيخ روحه وعشيره لأطول
فترة ، وهم الذين وغيرهم انبعثت على أيديهم الصباح ، أو واكبوا
مسيرتها ،فجعلوا منها أداة كفاح من أجل الكلمة الحرة والأخلاق الصحفية العالية ،
والانتصار للحق ، ومساندة الشعوب المولى عليها.
الصباح ليست
فقط صحيفة ، وليست فقط مؤسسة ، بل فكرة ازدهرت ، وفعلا أسهم وما زال يسهم بجد
ونشاط رغم كل شيء في رفعة تونس ، ورفعة العروبة ورفعة الانسان ، عبر أجيال صنعت
مجدها ، وصنعت من جهتها بمكانتها أمجادهم.
فهي بأقلامها ولأقلامها تعيش وستعيش ، فالصحيفة ليست حقا تجاريا ، كما يتخيل البعض ، بل أقلام وأسماء بهم تعيش
وترتقي. وأخلاق صحفية عالية ، اعتمدت لها
الصباح منذ سنوات طوال مدونة شرف.
ستعمر
الصباح، وستبقى هي وأخواتها من منشورات الدار ، تلك المنارة المضيئة كما كانت دوما ، وكما أرادت
لها الارادة الوطنية عندما أنشئت قبل 66 سنة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق