الموقف السياسي
|
كتبه عبد
اللطيف الفراتي
النهضة الحزب
الأول
مع تأجيــــــــل
التنفيذ
برأس
واحــــد ووحيد *
تونس /
الصواب /25/05/2016
مع الفارق
فإن الخلاف الذي حصل في الساعات الأخيرة والليلية في المؤتمر العاشر لحركة النهضة
، بشأن طريقة تعيين المكتب التنفيذي ، وهل تكون بالانتخاب من قبل مجلس الشورى ، أو
بالتعيين من قبل رئيس الحركة ، يذكر كالتوأم مع حدث مماثل في سبتمبر 1971 خلال
مؤتمر الحزب الاشتراكي الدستوري ، عندما أصر المعارضون الداخليون ( اللبراليون
وقتها بزعامة أحمد المستيري ) على أن تتولى اللجنة المركزية آنذاك انتخاب الديوان
السياسي ، فيما أصر الرئيس الأسبق الراحل الحبيب بورقيبة ، على أن الفريق الذي
سيشتغل معه حزبيا لا بد أن يكون منسجما معه ، وبالتالي فإنه وحده المخول باختياره.
وكما انتهى
بورقيبة إلى فرض رأيه بقوة الدولة ، فإن الغنوشي قد فرض رأيه بقوة حجة الابتزاز ،
عندما هدد بالانسحاب من المؤتمر ، وبالتالي حصل "ديمقراطيا " على أغلبية
لموقفه لم تتعد 58 في المائة.
ولعل السؤال
المطروح وبإلحاح ، هو ما إذا كان " الشيخ " سينسحب ويترك الحركة ، لو أن
التصويت لم يكن لفائدته وفائدة وجهة نظره ، أم كان سيخضع للواقع ولو كان مرا ، ويتأقلم
معه بحجة الخضوع لمقتضيات الممارسة الديمقراطية ، فيسحب تهديده بالانسحاب.
ومن ناحية
تشكيلة القيادة فإن رئيس الحركة قد فرض لونه ، ونجح في الامساك بتلابيب حركته التي
كان أسسها في إطار الجماعة الاسلامية منذ الستينيات صحبة الاستاذ عبد الفتاح مورو
، الذي فضل الانسحاب ، فلم يترشح لا لعضوية مجلس الشورى ، وأصر على سحب الترشيح
الذي قدمه عنه عدد من أنصاره لرئاسة الحركة ، ليكون منافسا حقيقة للأستاذ راشد
الغنوشي.
غير أن
المقارنة مع مؤتمر الحزب الاشتراكي الدستوري تتوقف هنا ، فالغنوشي يمكن أن يفخر
بأنه انتخب من قبل المؤتمر جميعه ، وبأغلبية 66 في المائة من المؤتمرين ، فيما نال
منافسه الأول على الخطة ومن أقرب أنصاره
أقل من ربع الأصوات ، وكان الباقي فتاتا.
والفارق مع
بورقيبة في مؤتمرات حزبه يقوم على أن الرئيس الأسبق كــــــــــان "ينتخب
" بالتصفيق وبدون معرفة حقيقية للوزن الصحيح بالتصويت السري ، وإن كان
العالمون بدواخل الأمور في النهضة يقولون بأن الأمر كان مرتبا ترتيبا محكما ، على
اعتبار الانضباط السائد في الحركة ، وأن الترشيح لمنافسة الأستاذ الغنوشي كان
مخططا كما التصويت.
ويعتبر رجال
القانون أن الانتخاب المباشر من المؤتمر للرئيس ، يعطي شرعية تساوي شرعية الأجهزة
الأخرى والمقصود هنا مجلس الشورى ، وأن كلمة رئيس الحركة تساوي منفردة ، قوة كلمة
الهيئة المنتخبة مقسمة على عدد أفرادها.
وفي
الديمقراطيات الفعلية ، والمستقرة ، فإن المؤتمر في الأحزاب أو النقابات وحتى
الجمعيات ، ينتخب الهيئة المركزية ، التي تنتخب بدورها مكتبا تنفيذيا ، ينبثق منه
وبالانتخاب أيضا رئيس ، يستمد نفوذه من الأجهزة التي انتخبته وبالتالي يكون خاضعا
لها ، لا سلطة له أعلى من سلطة الهيئة المركزية ، أو المكتب التنفيذي ، كما يكون
الحال عندما يجري انتخاب الرئيس من المؤتمر.
وفي حالة
حركة النهضة بعد مؤتمرها العاشر ، فإن رئيس الحركة يتمتع زيادة على القوة التي
يكسبها له الانتخاب المباشر من المؤتمر ، قوة أخرى تتمثل في اختياره هو شخصيا
لأعضاده في المكتب التنفيذي ، أي للمباشرين للسلطة الفعلية على مستوى الحزب ،
مبدئيا من المسايرين لخطه اليوم وغدا ، وإن كان متوقعا أن يتم تطعيم ذلك المكتب
بعدد من الوجوه المناوئة ، بعدد قليل لا يؤثر في اتخاذ القرار.
ومما يزيد في
نفوذ رئيس الحركة أنه وإلى جانب المائة من أعضاء مجلس الشورى المنتخبين ، والذين
يعلنون في غالبهم الأعظم ولاءهم له ، فإنه سيكون مكلفا بإضافة 50 اسما لتمثيل
الجهات الضعيفة التمثيل في المجلس المنتخب ، والشباب والمرأة ، وعرضهم على تزكية
لجنة مركزية (العفو ) مجلس شورى هو في غالبه الأعظم من الأنصار المعروفين لرئيس
الحركة ، بحيث ستتأكد صلابة اليد التي تمسك المجلس من رقبته.
كل ذلك يعني
أن المؤتمر العاشر ، قد أكد الصبغة الرئاسوية ( الأقوى من الرئاسية) لرئيس الحركة الأستاذ راشد الغنوشي ، ما يتعارض
مع الطبيعة التي اختارتها النهضة لنظام الحكم للبلاد ، حيث إن النظام السائد حسب دستور
2014 هو نظام برلماني معدل ، دور رئيس الدولة
فيه متقلص بحيث لا يمكن اعتباره حتى نظاما رئاسيا.
وإذا كان الأستاذ
الغنوشي ممسكا برقبة النهضة بيد لا شك
فيها ، فهو اليوم ممسك بها بيد من حديد ، إذ يعود فيها القرار له ، وله وحده ، في
بلد يمكن بمناسبة انتخابات مقبلة أن ينتقل فيه مركز الثقل إلى حركة النهضة ، بحيث
تعود للمركز الأول ، فتتولى الحكم ، ولكن بأي نمط مجتمعي ؟
ذلك ما لم
يحسم فيه المؤتمر العاشر من وجهة نظرنا ، عندما لم يقرر الفصل لواضح بين الدين والسياسة كما كان متوقعا ، على غرار الأحزاب المسيحية الديمقراطية
في الغرب ، وترك الباب مفتوحا لكل الاحتمالات واكتفى بالإعلان المبدئي عن الفصل
بين السياسي والدعوي.
النهضة اليوم
هي الحزب الأول بعد أن هوى صرح نداء تونس ، ولكن مع تأجيل التنفيذ في انتظار ما
ستسفر عنه انتخابات بلدية في 2017 ، وما ستسفر عنه انتخابات رئاسية وتشريعية سنة
2019 ، ربما نرى معها الأستاذ راشد الغنوشي رئيسا للدولة وأحد زعماء الحزب رئيس
للحكومة.
ومع التسطيح
الواقع ، فإن قيادة النهضة لها رأس واحد ووحيد
، بدون رؤوس بارزة أو زعامات ثانية ، وتلك علامة دالة في البلدان النامية حتى لا
نقول المتخلفة.
أين الشيخ
مورو ، وأين حمادي الجبالي ، وأين علي العريض؟
*النشر في وقت متزامن مع ليدرز العربية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق