اقتصاديات
|
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
معركة الأطباء و المحامين
الجريمة والعقاب
تونس / الصواب /11/04/2016
من روائع الأدب العالمي رواية الروسي ديستوفسكي الجريمة والعقاب ، وفي هذه
الرواية وهي أبعد من أن تكون بوليسية ، مجرم وضحية.
غير أننا نشهد هذه الأيام مشهدا غريبا ، فالمجرم هو الضحية ، المجرم هو
المواطن التونسي والضحية كذلك ، فهو أي ذلك المواطن ( الأجير بالذات ) هو
الذي يسلط عليه سيف الضريبة ، وهو الذي يبقى في النهاية متهم حتى لا تثبت
عليه التهمة و لكن يتحمل عبء العقوبة.
في قانون المالية لسنة 1972 وكان وزير المالية آنذاك منصور معلى ، تم تثبيت ما
يجري سجال بشأنه حاليا ، فقد طلب من الأطباء والمحامين ،وغيرهم من أصحاب المهن
الحرة أن يسهموا في تمويل ميزانية الدولة ، بدفع القسط المفروض أن يرجع لهم مساهمة
في تمويل ميزانية الدولة التي يستفيدون منها كبقية المواطنين ، كما نص ذلك القانون
على إخضاع مظاهر الثراء لأداء خاص على غرار برك السباحة الخاصة في المنازل ، وقامت
الدنيا ، دنيا الإطباء والمحامين ولم تقعد ، فما كان من رئيس الحكومة آنذاك أو
لعله الوزير الأول الهادي نويرة إلا أن تراجع بدون نظام ، وبقيت النصوص ولكن تم
النكوص عن تطبيقها.
بعد 45 سنة وإزاء وضع موازنات مالية سيئة في البلاد يحاول وزير المالية الحالي
أن يعود لتشريع وتنفيذ تلك النصوص مجددا ، ولكن تقف أمامه معارضة شديدة من قبل
فئتين ، الأطباء والمحامون ، تماما كما حصل في 1972/1973.
لنقف عند مجموعة من الأرقام :
**الأجراء يساهمون بـ 80 من المائة من مداخيل الضريبة على الدخل في
البلاد
** ومن جملة دخل الدولة فإن الأجراء يمثلون 18 في المائة فيما المهن الحرة
وغيرها لا تمثل إلا 4 في المائة ( كانت 5 في المائة سنة 1990)
كل هذا يعني أن الفئة الأقل حظا وإن كانت الأكثر عدديا تخضع لعبء ضريبي لا
يتناسب لا مع حجمها ولا خاصة لحجم مداخيلها.
والسؤال هو هل أن الحكومة ستخضع لأوامر فئة معينة ، اشتهرت بعدم
المساهمة أو عدم المساهمة بالصورة الكافية في تمويل مقابيض الدولة ، مثلما خضعت
قبل 45 سنة ، أم إنها ستكون حريصة على إقرار عدالة جبائية ، تكفل في نفس الوقت
نوعا من المساواة ، وتوفر للدولة مزيد المداخيل ، علما وأن عجز الميزانية يبلغ ما
بين 5 و6 مليار دينار أي حوالي 17 أو 18 في المائة من ميزانية الدولة تجري تغطيتها
بالاقتراض داخليا وخارجيا ، حتى العجز خلال سنة أو سنتين من السداد الفعلي ،
فضلا عن أن البلاد في حالة من العجز عن توفير الاستثمار الحكومي اللازم لدفع حركة
الاقتصاد.
استنتاج واحد ومهم ، وهو أن الدولة ولا نقول الحكومة هي في حالة ارتهان فعلي
منذ عشرات السنين لفئة معينة أو لعلها فئات معينة ، تستمرئ وضع كل العبء على الفئة
الأقل دخلا ، وتتهرب لنقلها بصراحة من أداء قسطها من المجهود الوطني في تمويل
ميزانية الدولة ، بل وتهدد بعدم تنفيذ الفصل 22 من قانون المالية ، ما يعني الدخول
في عصيان مدني ، تعتقد أن الحكومة عاجزة عن مواجهته بالحزم اللازم ، كما كانت
عاجزة أمام الاعتصامات وتعطيل حركة الإنتاج .
إننا نزعم والأرقام هنا واضحة جلية ، أنه لو أدخلت النصوص التي صادق عليها
البرلمان ، ولو تم إخضاع مظاهر الثراء لطائلة أداءات غير ثقيلة ، ولو
تم تحصيل الضريبة المستوجبة على كل المحلات المكرية وعددها بمئات الآلاف ، لما كانت
البلاد تعيش في ظل موازنات منخرمة ، ولما اضطرت لهذا الحجم من التداين وخاصة
الخارجي الذي يرهن مستقبل أبنائنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق