Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الاثنين، 4 مايو 2020

سانحة : أمريكا المهددة

سانحة

يكتبها عبد اللطيف الفراتي
للمرة الثانية في 20 عامـــــا
أمريكا دولة  ليست في مأمن
تونس / الصواب / 04/05/2020
اعتبر الأمريكان منذ وقت طويل ، أنهم داخل بلادهم  ، المنيعة ، بعيدا عن أي عدو مهما كان نوعه ، سواء من الجيران المباشرين ، في الأمريكيتين الشمالية والجنوبية، على اعتبار أن لا أحد له قدرة على اختراق الدفاعات الكبيرة التي تزداد فاعليتها يوما بعد يوم ، أو على مدى الأسلحة المدمرة التي يمكن أن تصل بلادهم،عبر الصواريخ التي جرى تطويرها بأمل الوصول بعبوات مدمرة إلى الداخل الأمريكي، والتي يبدو اليوم أنها غير قادرة لا بحريا ولا جويا فضلا عن أرضيا ،على الوصول إلى الداخل الأمريكي.
وقد انكسر الاتحاد السوفياتي ، وانفرط عقده ، على صخرة التسابق في حرب النجوم في آخر الثمانينبيت ، بسبب ارتفاع كلفة لم تقدر عليها موسكو، فانحدر اقتصادها وتدهور فضلا عن هزائمها  العسكرية في أفغانستان ، في حرب مدمرة مولتها في من مول المملكة العربية السعودية ، في التسعينيات إذن اطمأنت أمريكا أكثر من أي وقت مضى ، إلى أنها قلعة منيعة لا قدرة لأحد عليها، كما اطمأن الفرد الأمريكي أنه يعيش في مأمن كامل ، لا يساوره فيه شك ، وحتى تهديدات صدام حسين بالقدرة على استهداف نيويورك ، فضلا عن أوروبا الغربية ، بفضل صواريخ عابرة للقارات ، كانت المخابرات الأمريكية على دراية كاملة بأنها لا أكثر من عملية اتصالية ، ليس وراءها شيء ، وعمد صدام حسين فقط إلى توجيه صواريخ حاملة لعبوات تقليدية ، نحو إسرئيل وقطر والسعودية والامارات ، وبقدر طول المسافة والاضطرار إلى خفض وزن العبوات لزيادة حجم الطاقة الدافعة ، مما كان له  أثر بسيكولوجي ، وهلع أكثر من أي أثر تدميري .
ولأول مرة شعر فيها الأمريكان بأنهم بالمناعة التي يعتقدون ، كانت في 11 سبتمبر 2011 ، يوم فجرت طائرات خطوط أمريكية ، برجي التجارة العالمية ، فخر " القوة الأمريكية التي لاتقهر" ، بواسطة مجموعات عربية ، قوامها سعوديون ، تشكك الفرد الأمريكي في ما يعتقده من قوة أمنه الداخلي ، وأنه لا يمكن أن يستهدف داخل حدود بلاده ، ما زاد من الانعزالية الأمريكية التاريخية ، وزاد أيضا من الاحساس الأمريكي العام ، من أن الولايات المتحدة ، يمكن أن تضرب في أي مكان ، دون أن تكون عرضة داخل بلادها لأي خطر، وزادت الدعاية الرسمية الأمريكية من ذلك الاعتقاد الراسخ ، بأن لأمريكا حق لعب دور الجندرمي الدولي ، دون استطاعة أحد أن ينال منها ، وقامت الدعاية الاتصالية الأمريكية ، على عنصرين اثنين وقتها :
أولهما أن استهداف البرجين للتجارة العالمية ، ومحاولة استهداف البيت الأبيض ووزارة الدفاع البنتاغون ، هي أعمال انطلقت من الداخل الأمريكي ، نتيجة أخطاء استخباراتية  فيدرالية ، وليس نتيجة عمل انطلق من الخارج.
وثانيهما أن أمريكا المستهدفة من داخلها قادرة على رفع التحدي ، وحمل المعركة إلى الخارج ، مهما بدا بعيدا جغرافيا ، وضرب أصل رأس الأفعى في جحره ، ومن هنا جاءت حرب أفغانستان ، التي لم تقض على القاعدة ، التي تأسست بمبادرة أمريكية سعودية ، ضد الاتحاد السوفياتي المنهار، ولم يتخيل الساسة الأمريكان أنهم سيفشلون في هذه الحرب كما فشلوا في حرب الفيتنام ، وأن آخر حرب انتصروا فيها ، هي الحرب العالمية الثانية ، لأسباب  تعود لعوامل موضوعية ، لم تتوفر في حرب أخرى خارجية دخلتها ، رغم قوتها العسكرية الخارقة، ومع استثناء حرب الشرق الأوسط لعامي 1991 و2003 ، التي لن تحقق فيها أمريكا نجاحا ، سوى تنحية صدام حسين ، وإدخال بلد مثل العراق ، في دوامة لم تخرج منها الولايات المتحدة فائزة ، وفي حساب الربح والخسارة ، لم يفز فيها  بشيء من الظفر سوى نظام الملالي  في طهران ، الذي سجل توسعا مشهودا  في العراق و  لبنان وسوريا واليمن ، وغير توازنات منطقة الشرق الأوسط للأسوء ، حتى بالمنظار الأمريكي .
على أن المناعة الأمريكية ، تزعزعت بحق بمناسبة ، جائحة الكورونا ، هي طبعا ليست حربا تقليدية ، ولكنها فرضت  (بضم الفاء)  على أمريكا ومن الخارج ، وبدت الولايات المتحدة ، أضعف من أن تقف منفردة ، أمام هذه الجائحة ، التي بسبب رئيسها غير الطبيعي " ترامب " ، لم تستعد لها وفاجأتها ، فتجاوز عدد المصابين بكورونا المليون وقارب عدد القتلى السبعين ألفا ، وإذ يعتبر موت أي فرد هوكثير، فإن موت 70 ألفا بالقياس إلى الحجم السكاني الأمريكي273 مليون ساكن يبدو متواضعا ففرنسا وبريطانيا وإسبانيا وإيطاليا التي تجمع عددا مماثلا تقريبا لعدد سكان الولايات المتحدة  أو أقل بقليل 245 مليون ، فقدت قرابة 110 آلاف جراء الجائحة، غير أن المقارنات الأمريكية تستند عادة للشأن الداخلي ، ويذكر الأمريكان هنا أن خسائر الحرب التي خسرتها واشنطن في15 سنة من حرب الفيتنام ، لم تبلغ سوى 60 ألفا من الشباب الأمريكان ، وأثارت ضجة كبيرة ضد إرسال "البويز " الشبان للحرب ، ومن هنا أصبح الجيش الأمريكي جيشا محترفا ، لا مكان فيه للشباب الذي يذهب للحرب رغم انفه، ولا وجه للمقارنة هنا مع الخسائر الأمريكية في الحرب العالمية الثانية ، ففي ثلاث سنوات خسرت الولايات المتحدة192 ألفا.
من هنا فإن هذه الحرب غير المعلنة ، قد تكون أكثر أثرا من حرب الفيتنام ، ولما كان الأمريكان يبحثون دائما عن عدو يمسحون فيه فشلهم ، فقد وجدوه هذه المرة في الصين ، التي انطلق منها الفيروس.
ويبقى السؤال مطروحا هل الولايات المتحدة ما زالت منيعة رغم كل شيء؟؟؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق