بكل هدوء |
بقلم عبد اللطيف الفراتي
الايجابي والسلبي
بعد 10 سنوات ثورة
تونس/الصواب/17/12/2020
صباح بوم الجمعة 17 ديسمبر 2010 حدث ما حدث مما سيكون له شأن على التاريخ
المعاصر والحديث للبلاد،و المنطقة العربية عموما ، فقد حصلت مشادة بين موظفة بلدية
من موظفي سيدي بوزيد ، والبائع المتجول طارق البوعزيزي الذي سيشتهر لاحقا باسم
(محمد البوعزيزي) ، وسيقال إن قناة الجزيرة هي التي أطلقت عليه هذه التسمية ،
باعتبار أن اسم محمد هو أشد وقعا من اسم طارق في المخيال الشعبي .
كان طارق البوعزيزي ( ودعنا نسميه باسمه الحقيقي ) لا كما أزهر في شوارع
مختلف المدن التونسية ، كان سادس تونسي يشعل النار في نفسه تك السنة 2010
، ولن يذكر التاريخ سواه ، فلم يلفت أحد منهم الأنظار صدفة أو لأمر ما ، حتى
جاءت اللحظة المناسبة ؟
كانت حصلت مشادة بين الموظفة البلدية
المكلفة بمطاردة الباعة المتجولين بعرباتهم الصغيرة '( البرويطة ) ، لشكوى تقدم بها التجار من المنافسة غير المتكافئة التي أضرت بهم ، احتجزت الموظفة أحجار الميزان ( الصروف) التي
يستعملها لوزن مبيعاته ،وهي أداته
الرئيسية للعمل ، فما كان منه إلا أن لمس مكانا حساسا من بدنها ، قائلا لها أزن
بهذا ، فصفعته على خده لما اعتبرته مسا من حيائها أمام الناس ، لم يقبل أن تصفعه
امرأة أمام الرجال في مجتمع ذكوري ، واعتبر ذلك من الكبائر خاصة في مجتمع ريفي ،
وستفترق الشهادات ولكن الأكيد هو أنه سكب البنزين على بدنه ، و أشعل نفسه ، هل يكون تلقى مساعدة أم لا .... تختلف الأقوال
؟
خرجت مظاهرة عفوية أمام مركز الولاية ، تم إيقاف
الموظفة ، قبل أن يطلق سراحها ، ويتم نقل البوعزيزي إلى مستشفى الحروق البليغة في حالة ميؤوس منها ،
ويزوره الرئيس زين العابدين بن علي ،
ليتوفى البوعزبزي لاحقا ، فيلتهب أوار
ثورة مدمرة زاد من التهابها ، الفايس بوك من جهة وقناة الجزيرة من جهة أخرى.
وسيتضح لاحقا أن ما حصل في تونس وكانت
رائدة في هذا المجال ، لم يكن يخلو من إيحاء خارجي في أدنى الأحوال ، وسيبرز ذلك
في جلاء بالنسبة لمصر، عبر المذكرات الأخيرة للرئيس أوباما " أرض الميعاد "، وإذ نبقى في الداخل
التونسي ، فما جرى كان كافيا لا لثورة
واحدة ، بل لألف ثورة ، فقد كان الكابوس خانقا ، والأنفاس معدودة على أصحابها ،
والآفاق مسدودة ، وما بدا من ازدهار ترجمته نسبة نمو عالية نسبيا ، لم يكن ليخفي
سوء في توزيع الثروة بين الافراد والجهات، و استشراء فساد جم كانت تأتيه عائلة ، تستزيد
من الاستيلاء على كل ما يمكن أن تمتد له أيديها ، لا يردعها رادع ، كل ذلك في ظل كبت للحريات جميعها ،
وشعور عميق بالضيم والقهر من طبقة وسطى ونخبة
، لم تجذ لنفسها من مكان للإسهام في بناء البلاد بفكرها وطموحها للفعل في
إطار من الديمقراطية وحرية التعبير والفكر، وهي المؤهلة لان تكون طليعة المجتمع ، بالتالي
اجتمع ما لا يجتمع عادة ، إلا في حالة ما قبل ثورية ، توفرت الكيمياء الخاصة بها في تونس ، خلال
السنوات ما قبل الاتفجار، وإني لأذكر أني
كنت في أوائل خريف 2010 متجها صحبة
الاستاذ محمود بن رمضان إلى موعد معين ، وهو من هو علما وبصيرة ، وبعد نظر، عندما سألته بلادنا إلى أين ؟ أجابني قي لهجة
الواثق : لن يدوم الأمر طويلا ، ثم ..كل الدلائل تشير أن الانفجار قادم ، متى بعد
شهر شهرين ثلاثة ولكن الأمر لن يطول...
عندما زلزلت الأرض زلزالها تحت أقدام الحاكمين
في أواخر 2010 ، استغربت النخبة رد فعل السلطة ولم تفهم أنها قضية وجود ، ولذلك لم
تدرك مبررات عنف رد الفعل ، ولم يدر
بخلدها أنها بصدد مسألة حياة أو موت بالنسبة لنظام كامل ليس مبررا ولكنه منطقيا مفهوم.
الثورة بمنطق قانون إحصاء "
الشهداء "، الذي أوكله القانون بصفة منفردة للجنة شهداء الثورة و مصابيها دون
غيرها ، والتي كان آخر رئيس لها هو توفيق بودربالة انتهت بعد طول دراسة وتمحيص على
مدى سنوات إلى أن العدد الفعلي للشهداء هو
129 وللجرحى هو 634، وإذ احتج الكثيرون فإن عددا كبيرا منهم
وعندما عرفوا بتفاصيل الحدود التي حددها القانون زمنا وتوصيفا لطبيعة الشهيد أو
الجريح اقتنعوا.
**
ما حصل ما
بين 17 ديسمبر 2010 و14 جانفي 2011 هل يمكن اعتباره ثورة ؟ هذا هو السؤال الذي طرح
نفسه منذ ذلك الحين ، نعم ولا.
نعم على
اعتبارأن الشعب خرج
للشارع ، وأسقط نظام حكم قائم ، كان يعتقد نفسه راسخا.
ولا لأنه لم يقم على تنظير ولا قيادة
على شاكلة الثورات الفرنسية في 1789 أو البلشفية في روسيا سنة 1917 أو الإسلامية
في إيران في سنة 1978/1979، وفي لقاء في كلية العلوم القانونية في المنزه ، جمعني
بالأستاذ الأزهر القروي الشابي، عميد المحامين الأسبق ووزير العدل الأسبق ، ورئيس جمعية النهوض بالدراسات القانونية ، والدكتورة
نائلة بن شعبان عميدة الكلية ،والأستاذ قيس سعيد رئيس الجمهورية الحالي ، تطرق الحديث إلى طبيعة الأحداث في تونس
أيامها ، وكانت نظرية قيس سعيد وهو أستاذ
للقانون الدستوري، أنه لا شك في أن ما حدث في تونس هو ثورة ، ولكنها ثورة تخرج عن المألوف والأنماط العادية للثورات atypique ، باعتبار طبيعة المرحلة ، والثورة الاتصالية السائدة عبر
الأقمار الصناعية ،و القنوات المفتوحة والفايس بوك ، والتقارب زمنا ومسافات الذي
فرضه واقع جديد.
كانت شرارة
انطلقت منها تحركات غالبا اجتماعية ، وجدت صداها في مختلف أنحاء البلاد ، وبلغت
الأوج في صفاقس يوم 12 جانفي وفي العاصمة يوم 14 جانفي ، ولكن السؤال يبقى ملحا
بعد 10 سنوات : هل كان ذلك كافيا لو لم يهرب بن علي من البلاد ، عن طيب خاطر أو
مدفوعا من علي السرياطي خوفا عليه أو طمعا
في الحكم ،
لا يهم.
لم أقرأ
لليوم ولو كان التقصير مني ، أي تشريح لطبيعة الذين خرجوا للشارع في تلك التحركات
، ولو كان واضحا ، من طبيعة الشعارات المرفوعة ، أنهم من أتباع اتحاد الشغل ، سواء
منخرطين أو مجرد أنصار ، ولعل من المحاولات القليلة التي اطلعت عليها ، نفي لأن تكون الأحزاب موالاة أو معارضة ، قد
شاركت أو قادت تلك التحركات ، وحتى حزب حركة النهضة الذي سيدعي لاحقا أنه كان من
بين قيادات الحراك ، قد انكمش أيامها خوفا من أن تسقط على رأسه مطارق النظام.
لعل اليسار
وحزب العمال هما الأقرب لأن يكونا قادا التحركات تحت راية الاتحاد العام التونسي
للشغل ، الذي وقفت قيادته أيامها في موقف لا يمكن أن يوصف بأنه مؤيد للحراك حتى لا
نقول للثورة .
وخلال القصبة
1 والقصبة 2 حيث تجمع الألوف إن لم يكن أكثر قادمين من كل حدب وصوب ، لاحظنا خلو
وفاض أعداد كبيرة من أي مطلبية سياسية ،
وخاصة انتخاب مجلس تأسيسي وسن دستور جديد، وهذا ما يفسر فشل القصبة 3 ، باعتبار أن
مطالب تلك الجماهير كانت اجتماعية لا سياسية.
وكانت
الحصيلة :
1/ سقوط بن
علي وبقاء نظامه
2/ تحويل
وجهة الثورة بامتصاص زخمها وتحويله عن مقاصده الأصلية ، وتحقيق استفادة كبيرة
للنهضة التي لم تشارك في الثورة ولكنها
ركبتها ، وإن كانت شاركت بقسط كبير في زعزعة النظام بتضحياتها ، هي والمعارضات
الراديكالية العلمانية.
3/ الابقاء
على أركان الدولة العميقة مع محاولات
النهضة فرض ملامح سياسات التمكين ، ، عبر هنات دستور جديد يحمل
في طياته تناقضات كبيرة ، ويمنع قيام استقرار يدفع بالبلاد إلى الأمام ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق