Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

السبت، 25 أبريل 2015

سانحة : شمعتان انطفأتا وبقي نور هما مضيئا

سانحة
 يكتبها عبد للطيف الفراتي
 نغمة وفاء
الصواب / تونس /23/04/2015
خلال يومين أو ثلاثة فقدنا علمين كبيرين، كان لكل واحد منهما أثر في نفسي وتقدير ومحبة..
وضعت يدي في يد واحد منهما مصافحا،، وتمرست في معرفة الآخر حبا وتقديرا عن بعد ، وإجلال لوفائه اللامتناهي ، وأنا أحب حد العشق الأوفياء.
سبق أحمد اللغماني بيوم أو يومين ، وإذ تعرفت على  ابنه الأستاذ الجامعي سليم اللغماني ، الذي أقدر فيه لا علمه فقط ، وإنما بالخصوص عمق تفكيره ، فإني لم أضع قط يدي في يد والده المبدع ، الذي عرفته عن طريق إبداعه ، ولقد عدت إلى ديوان لشعره وحيد أحتفظ به ، فإني بقيت على عطش كبير لقصائد ثلاثة ، تركت في نفسي أثرا ، سواء لصدق لهجتها ، لتعبيرات وفائها ، وإذ ليس غريبا أن تكون قصائد أحمد اللغماني على ذلك القدر الكبير من متانة المبنى ، ومن عذوبة الموسيقى الشعرية ، ومن جمال الكلمة ، ومن طرافة المعنى ، فإنني أحتفظ باعتزاز في مكتبتي بثلاث قصائد ، أعتبر أنها قمة القمم ، لا فقط في البناء الشعري ، بل أيضا في شفافية المعنى ، وخاصة في لمسة الوفاء ، التي تنساب منها كما ينساب الماء الزلال في الجدول الرقراق.
ثلاثة قصائد لا أفتأ أبحث عنها منذ أيام ، الأولى كتبها أحمد اللغماني بدون خوف ولا وجل ، وبشجاعة المثقفين الراسخين ، مباشرة بعد أن ترجل الفارس الحبيب بورقيبة من على ظهر فرسه عنوة في ديسمبر 1987 أي أيام بعد انقلاب 7 نوفمبر ، والثانية غاب عني الآن مضمونها ، والثالثة بعد وفاة الزعيم :"سيد" ،
مات أحمد اللغماني ، ولكنه سيبقى دوما شمعة لا تنطفئ تنير بضوئها الدرب.
كلمة أخيرة : ولسوف أقنع منكِ - يا زاراتُ - إنْ أطبقتُ أجفاني بشبر تراب
وفي اعتقادي أن الزارات ستبقى النبع ، ولكن كل تونس ، وكل مكان فيه نطق للحرف العربي سيكون ذلك الشبر.
**
في نفس الوقت تقريبا أو بعد يوم فارق عبد الرحمان الأبنودي.
قبل أن أضع يدي في يده مصافحا ، كان فتح عيني على الشعر العامي ، عبر روز اليوسف حيث كان ينشر ، بحرية واندفاع قل وجوده في مصر في تلك الحقبة
في شهر أفريل 1977 كنت رفقة الصديق عبد الكريم قابوس في زيارة لبغداد بمناسبة الذكرى الثلاثين لتأسيس البعث، لم نكن لا أنا ولا عبد الكريم بعثيين ، ولكننا كنا نحن الاثنين في مهمة صحفية عن دار الصباح.
عند العودة والمرور من القاهرة، بدا لنا أن نقضي يومين أو ثلاثة في العاصمة المعزية.
غيرنا مواعيد السفر ، وانطلقنا، كان عبد الكريم قابوس قد أعد لي مفاجأة.
عند النزول من الطائرة في مطار القاهرة ، وجدنا سيارة في انتظارنا ، ودعوة كريمة من المخرج يوسف شاهين الذي كنت أعرفه كأيها الناس ، وما كان يعرفني ، ولكنه كان مرتبطا بصداقة متينة مع زميلي عبد الكريم قابوس، أخذتنا السيارة إلى فندق في قلب القاهرة، ولم يكن المخرج الكبير في العاصمة المصرية..
بقيت ثلاثة أيام في ضيافة يوسف شاهين دون أن أراه، ثم إني اضطررت إلى العودة لتونس لالتزامات سابقة، لا يعرف الفنان مثل عبد الكريم قابوس لها معنى.
ورغم إلحاح الصديق لمزيد البقاء للقاء المخرج الكبير وهي فرصة لا تتسنى لأي كان، فإني كنت مضطرا للعودة.
خلال الأيام الثلاثة شاهدنا معا بمرافقة سيدة سينمائية ناقدة كبيرة  نبيهة .... في قاعة صغيرة جدا ، من الأفلام ما لم أشاهد عددا مثله في حياتي  منها الكثير مما لا يعرض في القاعات لجرأته إما السياسية أو غير السياسية ، وكان عبد الكريم ناقدا سينمائيا جيدا وأستاذا جامعيا، وفي الليل كان عبد الكريم يطوف بي بين شخصيات  ثقافية لم أكن أحلم بأن أراها أو أتحدث إليها، وحط بنا الركاب عشية في بيت عبد الرحمان الأبنودي ، وبدا لي وأنا قارئ الأبنودي عبر المجلات أن عبد الكريم قابوس عبارة عن موسوعة لا فقط في شعر الرجل ولكن أيضا في مواقفه السياسية ، وفي معرفة تاريخ الهلاليين.
ما لبثت أن حلت سيدة لم أكن أعرفها ، في البيت وهات يا عناق وترحيب هي وعبد الكريم قابوس ، قدمني إليها ، كانت عطيات الأبنودي سينمائية جريئة ، كنت أعرفها بالاسم ولكن لم أر من إنتاجها الشهير شيئا.
دعتنا لليوم الموالي لقاعة صغيرة لمشاهدة إبداعاتها، ولكني كنت في الغد على متن الطائرة في اتجاه تونس ، وما زالت ترن في أذني القصائد الثورية بالعامية المصرية لعبد الرحمان الأبنودي ، و الحديث المتحمس لعطيات الأبنودي عن السينما الحقيقية الملتزمة.
رأيت عبد الرحمان الأبنودي عديد المرات بعد ذلك في تونس وسمعت مرافعاته المتحمسة عن الهلاليين وكيف كان لهم الفضل في تعريب تونس ، وكان في حديثه تناقض مع بورقيبة ، الذي لم يكن يرى في الهلاليين سوى مدمرين.
وهو الشاعر الذي كان معارضا لعبد الناصر وعرف سجونه القائل :
" يعيش جمال عبد الناصر حتى في موته "
**
علمان غابا، عن الأنظار ولكنهما كلاهما سيبقى شمعة مضيئة تنير الطريق.
fouratiab@yahoo.fr



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق