إقتصاديات
|
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
إلى الكارثة ،، وبخطوات سريعة جدا
الصواب / تونس/ 12/04/2015
شهران مرا على تشكيل الحكومة، و6 أشهر
مرت على الانتخابات التشريعية، وأربعة أشهر مرت على الانتخابات الرئاسية، والبلاد
سائرة إلى كارثة مدوية وبخطوات سريعة جدا. لا يريد أحد أن يصدع بها.
يبدو أن لا أحد واع بحقيقة الأوضاع ،
الذين يطلبون شغلا ويعتصمون أسبوعا وراء
أسبوع ويعطلون حركة الإنتاج ويمنعون حرية الشغل ، التي ترقى إلى نفس درجة
حرية الاضراب،، والذين يطلبون زيادات في الأجور بل ويهددون بالنيل من أمن البلاد ،
والحكومة وعوض أن تصارح الناس بحقيقة الأمور ، تبدو في حالة تسيب وكأنها لن تواجه
العاصفة الهوجاء عندما تحل آجالها ، واتحاد الشغل بعيدا عن كل روح للمسؤولية ،
يساير المطالبين ويتبع خطاهم بدل أن يكون بروح عالية من المسؤولية قائدا لهم ينبه
إلى الأخطار المحدقة بالبلاد.
لا يبدو أن أحدا مكترث للآتي، وغائب
عن الذهن تماما أن توزيع الثروة يسبقه إنتاجها ، ونحن لا ننتج ثروة ولا هم يحزنون
، وحتى نسب النمو المعلنة ، إضافة إلى
تدنيها فهي بالأرقام الحقيقية تتقهقر بنا لما كان عليه الناتج سنة 2010، ما يعني
أننا بصدد التفقير لا خلق الثروة.
وإذا اكتفى الموظفون بالقدر من
الزيادات في الرواتب المقترح من الحكومة أي 40 دينارا، فإن ذلك يعني إنفاقا إضافيا
يحمل على ميزانية الدولة وبمفعول رجعي من سنة 2014 بمقدار 360 مليون دينارا على الأقل في السنة، تضاف إلى حجم للأجور في
الوظيفة العمومية ، يفوق 8 مليار دينار في سنة كاملة ( فوق كل المقاييس العالمية
المعقولة بأشواط)، هذا إضافة للزيادات الاستثنائية للأساتذة وغيرهم من الفئات التي
تطلب رفعا في الأجور بصورة دورية.
وفي بلد فيه مخزون من العاطلين يبلغ
في أدنى الأحوال 650 ألف بطال ، من بينهم 250 ألفا يحملون شهادات عليا في غالبها
لا تستجيب لحاجيات سوق الشغل، فيما للمؤسسات طلبات غير مستجابة تحول بينها و تطور
كم الإنتاج وجودته ، ويشهد إعتصامات دورية
وبعضها دائم ، يبدو وكأننا إزاء متاهة كافكاوية ، لا مخرج منها.
فالإدارة لم تعد قادرة على الانتداب ،
وقد فاضت عن حاجتها بالكثير الكثير ، وللمقارنة مع القابل للمقارنة ، فإن عدد
الموظفين في المغرب يبلغ 800 ألف وهذا الرقم يقل عن ذلك بقليل في تونس ، فيما عدد
سكان المغرب يبلغ 3 مرات عدد سكان تونس ، أما ألمانيا وبسكانها الـ تسعين
مليونا فإنها لا تستخدم في وظيفتها
العمومية إلا عدد 800 ألف موظف، ومن هنا يبدو الإهدار التونسي ضخما ، ويوحي بأن
إدارتنا العمومية لم تعد قادرة على الاستيعاب ، ولن يمكن قبول موظفين جدد إلا
تعويضا للمغادرين بالتقاعد ، الذي سيتأخر بعامين حرصا على توازن مالية الصناديق،
أو المغادرين سواء بسبب الاستقالة أو الوفاة، غير أن الإدارة لن تكون قادرة إلا على
الانتداب في التعليم والصحة والأمن والجيش.
أما القطاع الخاص سواء في الصناعة أو
الخدمات فإنه بات نقطة الضعف الكبرى لقصوره عن الاستخدام ، بسبب تراجع الاستثمار ،
وكذلك بسبب تراجع الادخار والتوفير، بعد أن تهلهلت أوضاع المؤسسات وتراجع مردودها،
ولم يتوفر المناخ الملائم لا سياسيا وخاصة لا اجتماعيا في ظل المطالبات المجحفة ،
فيما المناخ الاجتماعي يزداد تدهورا.
وإذ كانت الصناديق الاجتماعية
والمؤسسات العمومية توفر قاعدة لاستثمار فإنها كفت عن ذلك،
وفي البلدان المتقدمة فإن هناك
مقياسين للمطالبة النقابية العمالية، هما الوضع العام نتيجة نظرة شمولية للاقتصاد
الكلي MACRO ECONOMIQUE أو باعتبار النسبة المخصصة للأجور ضمن الناتج
الداخلي الخام ، وكل الدلائل تشير إلى أنه في ظل تراجع الناتج ونسبة النمو وانهيار
الاستثمار ، فإن نسبة الأجور إلى الناتج قد ارتفعت بسرعة كبرى ليس لها مبرر، وباتت مهددة للتوازنات
العامة، ولعل أكبر دليل على ذلك هو هذا الانفلات غير المنضبط ، والوعي النقابي
الغائب للمصلحة الوطنية ، والمطالبات التي رغم مشروعية بعضها ، فإن وقتها غير
مناسب البتة، وإن لم تحصل هبة نوعية في الوعي ، وإن لم يستفق الإتحاد العام
التونسي للشغل ، وإن لم تعد للعمل قيمته ، باعتباره ليس فقط أجرا ، ولكن بالخصوص
كلفة ، فإننا نسير نحو كارثة محققة وبسرعة كبرى، وإذا وجدت اليونان من يقف إلى
جانبها ، فإننا من جهتنا سوف نغرق .. نغرق ،، نغرق.
واليونان رغم
الدعم الأوروبي الكاسح اضطرت إلى تحجيم الأجور والمرتبات ، وتقليص جرايات التقاعد
إلي حد التفقير ، فكيف سيكون حالنا نحن، وليس لنا من منقذ، وخفض الأجور وجرايات
التقاعد ليس أمرا مستبعدا إذا دام هذا الحال. وهو ليس فصرا على غيرنا بل يمكن أن
يصل إلينا.
سؤال لا بد
أن يطرحه كل واحد منا على نفسه؟
في وقت يتسم
فيه الإعلام بغياب المسؤولية ، جريا وراء أرقام المبيعات أو اقتناصا لعدد
المشاهدين والمستمعين ، بعيدا عن النظر للمصلحة العامة لا فقط لغد البلاد بل
لحاضرها الآني ، فالكف عن مجاراة توجهات ليست فقط خاطئة ولكن تقود للكارثة ، أصبح
مطلبا أخلاقيا ، وأنا من الذين يعتقدون أن مهنة الصحافة هي مهنة شرف ، والشرف في
أن تقول الصحافة الحقيقة للناس وما
ينتظرهم ، بدل أن تجاري ميولهم ،وتسايرهم.
فالصحافة من
النخبة والنخبة مكانها القيادة ، لا اللهاث وراء الأوهام ، أو المسايرة قصيرة
النظر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق