الموقف السياسي
|
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
تونس بحكومة قائمة قبل مرور شهر
تونس / الصواب/ 21/01/2020
لنترك جانبا الجدل المحتدم حول اختيار
إلياس الفخفاخ ، كرئيس حكومة مكلف ، وما إن كان اختياره من طرف رئيس الدولة قيس
سعيد ، أمرا احترم مقتضيات الدستور ، أم لا ، وهل هو الأقدر فعلا ، وما إن كان
وراء هذا التعيين يوسف الشاهد أم غيره ، وما إذا كان رئيس حكومة تصريف الأعمال
يتمتع بحظوة كبيرة عند رئيس الجمهورية أو لا.
المهم أننا أمام رجل مكلف ، يستجيب من
ناحية الكفاءة العلمية والكاريزما ، والقدرة على التسيير على المواصفات التي ينبغي
أن يتمتع بها رئيس حكومة ، بقدر النظر عن مدى
الصحة في مقاييس الاختيار ، ومدى موضوعيتها.
السؤال الآن كيف ستكون حكومته وما هي
تركيبتها وما هو حجمها ، وخصوصا ما هو برنامجها وما هي قدرتها على مواجهة التحديات
الكبرى أمام تونس ، والتصادم مع رأي عام عصي على الاصلاح .
من وجهة نظرنا فإن الحكومة التي سيسعى
لتركيبها ستكون حكومة حرب ، على كل التقاليد الفاسدة المتوارثة عن التسع سنوات
الماضية ، وعلى الجمود الملاحظ تصورا وإنجازا خلال كل الفترة الماضية، وبالتالي ،
فلا بد أن تكون مصغرة بحوالي 15 وزيرا إلى عشرين على الأقصى، وبدون كتاب دولة ،
وتكون مهام رئاسة الحكومة ومهام كل وزير محددة مضبوطة ، حتى لا يكون أي من أعضائها فقط مسؤولا عن وزارته ، بل وأيضا
محاسبا دوريا على نتائج تصرفه ، ومدى النجاح في تحقيق الأهداف المبرمجة ، ضمن
البرنامج العام للحكومة .
هذا أولا وثانيا فإنه وجب باعتبار
الوضع الحالي المتأزم جدا للبلاد ، ومن كل النواحي ، وخاصة المالية العمومية ،
وارتفاع منسوب المديونية غير المنتجة ،
وانخرام الميزان التجاري وميزان الدفوعات ، وتقهقر نسبة النمو ، واستشراء البطالة
، وتدني الاستثمار الداخلي والخارجي وغيرها من المؤشرات ، وضع الأصبع على مكامن الداء،
والبحث الجاد عن حلول لها في أقصر وقت ، والشروع في اجتثاث أسباب المعوقات المسجلة
خلال السنوات الأخيرة منذ الثورة ، وفي بعض البرامج المطروحة من عدد من الأحزاب ، ما يشفي الغليل.
ولعل رئيس الحكومة المعين على قدرة من
وجهة نظرنا على الإحاطة بكل أسباب انهيار بلادنا على كل الأصعدة ، وهو مسيطر على
الأدوات النظرية للتشخيص أولا ولاتخاذ القرارات المعلومة بما ينبغي أن يكون عليه
من الشجاعة، والقرارات هذه تتطلب شجاعة أو وهو ما يدعو لخطورة الوضع إلى تهور قد يضطر
بالاصطدام برأي عام غير واع بانهيار وضع لدرجة كبيرة، ، لمواجهة المجتمع بما فيه منظماته الجماهيرية وبالمرارة
في حلوقنا جميعا كدواء لا بد من ابتلاعه لضمان الشفاء ، قبل أن تضطر بلادنا إلى
عيش ما عرفه اليونان وبلدان أخرى وجدت وراء ظهرها سندا متمثلا في عضويتها في
الاتحاد الأوروبي ، وهو ما ليس متاحا لبلادنا لتجاوز أزمتها ، وحتى يكون الأمر
واضحا فإن تونس تشكو اليوم من أنها تعيش فوق إمكانيتها ، ولو كف صندوق النقد
الدولي عن إسنادها فإن مرتبات الموظفين ، وجرايات المتقاعدين ، ومستحقات المزودين
ستصبح في مهب الريح ، وتتوقف مشروعات مثلما يروج عن 4 أو 5 محولات كبرى في واحدة
من أكبر المدن التونسية متوقفة الأشغال فيها بسبب عدم صرف الفواتير الشهرية
للمقاولين منذ عدة أشهر ، ولعل البلاد ستعيش فترة ندرة في السيولة ، فيصبح صرف ما
يبقى من المرتبات خاضعا لتقسيط حاد .
إنها ليست حلة من الخيال ، بل إنه وضع
مرشحة تونس لعيشه.
ومن هنا فلعله وجب القول أن هذه
الحكومة المصغرة المرتقبة ، لا بد أن تعتمد وزراء من أعلى طراز قدرة على التصور
والبلورة والانجاز ، وإنه لمن الواجب أن ترى البلاد عددا من أعلى الذين كانوا
مرشحين لرئاسة الحكومة في هذه التشكيلة ، ماسكين بالوزارات ذات الأثر الكبير على
حياة الناس ، لشخص تولى رئاسة الحكومة أو سيتولاها على الأصح معروف عنه ليبيراليته
لكن المقيدة بإحساس اجتماعي كبير.
كل هذا مع القول بأن هذه التشكيلة وباتفاق
يكاد يكون إجماعيا على أنها ستتجاوز عقبة الـ109 أصوات في البرلمان ، ولكن هل هذا
كافيا للقيام بالاصلاحات الكبرى المنتظرة والتي تتطلب تضحيات من الجميع دون
استثناء.
وفي هذه المهمة الانتحارية لحكومة
كفاءات ، لا ينبغي انتظار مكافآت انتخابية في آخر السنوات الخمس المقبلة بمناسبة
الانتخابات ، بل على العكس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق