Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الخميس، 30 يناير 2020

سانحة : الحكم ملقى على قارعة الطريق ، ولا من يريد التقاطه ؟؟؟

سانحة

يكتبها عبد اللطيف الفراتي
الفراغ القاتل
في بلد غير محكوم ؟؟؟؟
تونس / الصواب/ 30/01/2020
يسارع الناس إلى بيوتهم قبل أن ينسدل الظلام على المدن  والأرياف ، خوفا من الهجومات المسلحة المتكاثرة  ( braquage)إلى حد بث الرعب في البلاد ، وهي هجومات للحقيقة لم تقتصر على الليل ولا على الشوارع الخلفية ،  بل باتت تتجرأ على الشوارع الرئيسية والطرقات العامة بين القرى والمدن ، وأصبح الناس في خوف لا على تليفوناتهم أو ساعاتهم أو على القليل من المال الذي يقدر لهم أن يحملوه معهم لكل طارئ ، هذا إذا أفلتت سلامتهم الجسدية من كل سوء  ، بل إن الأمر تطور إلى حد دخول المهاجمين المسلحين إلى محلات الحلاقة ، فضلا عن صعود وسائل النقل وترويع ركابها ،  وسلبهم ما خف حمله وما غلا ثمنه ، والأخطر هو الاختلاء ببعض السيدات المحصنات ، أو الفتيات الأبكار ، واغتصابهن في أماكن الخلاء التي تتم قيادتهن إليها ، دون أن يتجرأن بالتصريح عن ذلك خوفا من " الفضيحة".
ويتساءل الناس : لماذا أصبحنا نعيش هذا الكابوس ، وكيف تحولت عاصمتنا الجميلة ومدننا الصغيرة والكبيرة إلى بؤر إجرام مبيت وبسابق إضمار.
إن على علماء السوسيولوجيا ، أن ينكبوا على هذه الظواهر ، التي اعتقدنا أنها طارئة ، وأصبحنا لتكرارها اليومي هنا وهناك ، نشعر بأنها باتت جزء من حياتنا اليومية ،  " ولا حد خير من حد "  ، فكلنا معرضون لمثل هذه الجرائم ، ومن أفلت اليوم لا يمكن أن يطمئن إلى أنه سيفلت غدا أو بعد غد ، ويقول لي تاجر إليكترونيك : إن الطلب تكاثر بصورة كبيرة ، على التليفونات من صنف 50 دينارا ، التي لا يطمع فيها المسلحون ، وكفت كثيرات من السيدات على حمل حقائب يدوية ، أو أي شيء من الحلي ، حتى المزيفة ، بل وأكثر من ذلك نزعن الاقراط من آذانهن ، ولم يعدن يلبسن ما غلى أو حتى قل ثمنه من الحلي ، الذي كلفهن في بعض الأحيان ثروات طائلة ، أو الفراء وحت في الأعراس .
على أن لكل أن يدلي بدلوه لتفسير هذه الظاهرة ، التي تعاظمت في الأشهر الأخيرة بعد أن كانت محدودة .
ولنا تفسير قد يراه البعض صائبا ، ويراه البعض خاطئا ، إننا نعيش في بلد غير محكوم ، وليس الحكم ، مظهرا لشرطة أو حرس بل اطمئنان في القلوب ، وهو أمر لم يعد متوفرا في بلادنا وأسباب ذلك متعددة :
1/ مظاهر الفقر المدقع السائد والذي لا تؤكده الإحصائيات والبيانات الرسمية وغير الرسمية فقط  ، بل مظاهر معاينة واضحة ، تتمثل في هؤلاء الذين ينبشون في المزابل ، والذين لم يعودوا يجدون ما يسترهم حتى في "الفريب" ، الذي غلا ثمنه ككل شيء في البلاد ، فاللحم لم يعد مادة في المتناول حتى لمن كانوا يصفون أنفسهم بأنهم من الطبقة الوسطى ، بعد أن تضاعف ثمنه مرتين في أقل من عشر سنوات.
2/ غياب الوزاع الاخلاقي ، وحتى الديني رغم امتلاء الجوامع والمساجد بالمصلين ، ناهيك وأن سرقة الأحذية باتت رياضة وطنية شديدة الانتشار.
3/ الإحساس بغياب العقاب الرادع ، بل والتراخي في محاسبة المذنبين ، إذا حصل وسقطوا في الفخ.
كل ذلك ينبئ بأمر خطير هو غياب الدولة ، لا فقط بأجهزتها ، ولكن أيضا بسطوتها وما تفرضه من احترام ، ناهيك وأننا نعيش منذ شهر جويلية ، في فراغ مؤسساتي خطير ، فالحكم هو حكم تصريف أعمال ، بحكومة نصفها بوزراء نواب ، لا يعرفون متى سيقع صرفهم فلا هم في العير ولا في النفير .
وحتى الانتخابات لم تفرز أحدا يقدم على استلام الحكم ، فكل حزب يقذف بجمرة الحكم للآخرين مهما كان موقعه في المجلس ، وكل حزب بما لديهم فرحون ، بما أنهم أن لا أحد منهم استلم " جمرة " السلطة بكل تحدياتها ، بعد مرور تسع سنوات من العبث ، شاركت فيها طبقة سياسية ، أقل همها هو مصلحة الوطن .
والحكم هو ثقة الناس في مستقبلهم  ، ومستقبل أبنائهم ، وهو الذي يصنع الاستقرار، في وقت لو وجد فيه نصف التونسيين سبيلا لمغادرة البلاد ،  نهائيا أقبلوا على ذلك بطيب خاطر بل بحماس تاركين أهل البلاء للبلاء .
وإزاء وضع هذه الحال ، فالسلطة ملقاة على قارعة الطريق ولا أحد يريد أن يلتقطها كما قال لي بالأمس ، الأستاذ الكبير الطاهر بوسمة ، الذي خبر السلطة بمختلف أوجهها ، وخبر المجتمع المدني ، وحتى الوزير الأول المعين ، لم يشعر بالتفاف من حوله ، بل المناورات ، والشعور السائد اليوم بأنه ، لو قدر له   أ ن مر أمام البرلمان  ، ونال الثقة ،  واستلم " ال من  شهور معدودة ، بعد أن أدخل نفسه عن وعي أو غير وعي  ، من اليوم الأول في فخ يعتقد أنه أطبق عليه.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق