سانحة
|
يكتبها عبد
اللطيف الفراتي
لماذا أصوت
للباجي قائد السبسي ؟
حرصت خلال
المقالات التي خصصتها للانتخابات على مدى أكثر من ثلاثة أشهر، على الالتزام بأكبر
قدر ممكن من الموضوعية ، لا أدعي أني نجحت في ذلك تماما ، ولكني فصلت تماما بين ما
أكتبه في مقالات صحفية ، وفي ملاحظاتي على الفايس بوك.
ولقد التزمت
الطريقة التي أعتقد أن الصحفي لا بد أن يلتزم بها ، وهي الطرح والطرح المعاكس
والاستنتاج ، وحاولت و أعتقد أني نجحت في ذلك أن لا أصل إلى الاستنتاج قبل أن أقوم بتحليل المعطيات المتحة كما ينبغي لصحفي محترف يؤمن يقدسية أخلاق
المهنة ، قد يكون طرحي خاطئا ، وقد يكون طرحي المضاد غير دقيق ، وقد يكون استنتاجي
مجانبا لما يريده الكثيرون ، ولكن ذلك هو المنتهى الطبيعي استنتاجا واستقراء للنص
الموضوع.
أقول هذا
لأني اليوم سأخرج عن تلك الموضوعية التي التزمتها ، ظاهر ذلك في عشرات إن لم يكن
مئات ردود الفعل التي وصلتني والتي اعتبرت عموما أن ما أكتبه يتسم بالكثير من
الموضوعية.
فقد قررت
وانتهيت إلى أني سأصوت للباجي قائد السبسي.
وأسارع للقول
إني سأصوت كما قلت دون اقتناع مني بتصويتي ، ذلك أني سأصوت لا بارتياح ولا بأريحية
، سأصوت من وجهة نظري لأخف الضررين ، لا
للشخص الواجب أن أصوت له ، وأني أعتقد أن المقاطعة من وجهة نظري هي هروب من
المواطنة ، والتصويت الأبيض هروب من المسؤولية ، ولذلك فإني سأضع في الصندوق ورقة
عليها علامة أمام اسم الباجي قائد السبسي.
أسارع للقول أيضا أني بعكس الملايين عرفت الرجلين الباجي
قائد السبسي ، وعرفتهما عن كثب .
عرفت الأول أي السبسي منذ بداية الستينيات في
ديوان السياحة وفي الادارة الجهوية في الداخلية المشرفة على البلديات ، ثم عرفته وزيرا وخاصة في الثمانينيات ، وعرفته
عندما كان مشاكسا مع المستيري وحسيب بن عمار ومجموعة ممن كانوا يسمون المتحررين أو
الأحرار ، وعرفته وهو يطرد من حزب الدستور، وعرفته خطيبا في ندوات توليت تنشيطها ،
ثم لعله من غريب الصدف أني زرته في مكتبه للمحاماة في نهج ألان سافاري أياما قليلة
قبل اندلاع ثورة 17 ديسمبر.
ومنذ ذلك الوقت لم ألتقه فأنا لست غاويا لقيا
الوزراء ورؤساء الحكومات ولا زعماء الأحزاب ، ولقد لاقيت منهم الكثيرين سواء في
مكاتبهم أو مكتبي عندما كنت أرأس تحرير جريدة الصباح ، ويعلم الله أنني كنت أكثر
ما ألتقي المسؤولين بطلب منهم لا مني.
هذا الباجي
قائد السبسي ، أما منصف المرزوقي فقد كان أول ما التقيته في مكتبي بدار الصباح
عندما كان يأتيني بمقالات محبرة ، مكتوبة كتابة جيدة ، جريئة دون عدوانية أو تهجم
، فأنشرها ، وكنت أنا الذي نشرت له مقاله الذي أصبح شهيرا والذي دعا فيه لانتخاب
بن علي ، وحتى اليوم فإني لا ألومه مثل ما يفعل البعض على ذلك المقال ، فقد كان
ذلك ليس فقط الموقف السائد ، بل الموقف المنطلق من أعماق الكثيرين بإمان وبدون أي تملق.
ولقد وجدت في
مكتبتي مؤخرا عددا من كتبه مهداة باسمي بكلمات لطيفة رقيقة ومعبرة وفيها إشادة
كبيرة، ما زلت أحتفظ بها ، بل وما زلت أعتز بها كذكرى لفترة صداقة خالصة.
ثم إننا تغذينا معا كثير المرات على مائدة
إسماعيل بولحية في بيته في ليسي كارنو الذي كانت تديره زوجة سي إسماعيل ، وكان
كثيرا ما يقضي ليلته ضيفا عليه باعتبار أنه بلا بيت في العاصمة.
غير أني
عرفته أكثر عندما كنا معا في الهيئة المديرة للرابطة التونسية لحقوق الانسان.
كان مجرد عضو
في الهيئة التي دخلناها في ربيع 1989 ، ثم بعد استقالة المرحوم محمد الشرفي بعد
تعيينه وزيرا ، كنا مجموعة تحالفنا من أجل أن ندفع به إلى الرئاسة ، وكان خميس
الشماري والميداني بن صالح ، هما الأكثر نشاطا في هذه العملية على حساب توفيق
بودربالة ، المرشح الآخر والذي بدا لي لاحقا الأكثر عقلانية.
وسريعا ما
ندمت المجموعة التي دفعت المرزوقي إلى الرئاسة ، على فعلها ، فبمجرد أن أصبح رئيسا
حاول أن ينهي عملية الوفاق الذي كانت تتخذ به القرارات ولو بعد نقاش طويل وتنازلات
متبادلة وذلك منذ قيام المؤسسة ، حاول أن
يفرض موقفه بوصفه الرئيس أي الناطق باسم المنظمة ، وانتهينا إلى أزمات متلاحقة ،
غالبا بينه وبين أعضاء من غالب التوجهات ، وخلال تلك الفترة وخاصة خلال السنوات الثلاث الأولى حاولت شخصيا
أن أقرب المواقف ، فعقدت مع هذا الجانب أو ذاك عديد الاجتماعات في بيتي تخفيفا
لحدة الخلافات كان يحضرها منصف المرزوقي
ونتمكن من حل خلافات كانت غالبا مزاجية ومرتبطة بقلة إحساسه أو سلوكه الديمقراطي
الضعيف إن لم أقل المنعدم ومباداته
الفردية غير الجماعية ، غير أنه لم ينفع شيء فساءت الحال وتعاظمت الخلافات خصوصا في تلك الفترات الصعبة للخلافات القائمة
مع الحكومة حول مضمون بلاغاتنا المنددة بالتعذيب ، أو حول قانون التصنيف الذي كان
يستهدف وجود الرابطة ذاته ، ولم تمكن السيطرة على تجاوزات الدكتور المرزوقي ، الذي
كان يتخذ مبادرات ، دون العودة لا للهيئة
المديرة ، (25 عضوا) ولا للمجلس الوطني ، من ذلك أنه ويوم المؤتمر في شتاء 1994 ،
وكان التقرير الأدبي جاهزا وقد تشكلت لجنة تولت صياغته ، وتمت الموافقة عليه بصورة
جماعية في الهيئة المديرة وبحضور الرئيس ، وكان مفروضا أن يلقيه الكاتب
العام توفيق بودربالة وبالفعل كان هو من
ألقاه، ولكن في غياب الرئيس .
حيث وقف منصف المرزوقي وقبل تلاوة التقرير الأدبي وألقى خطابا ناريا ، دون استشارة أحد وغادر المكان مباشرة ، دون أن يجلس مع بقية أعضاء الهيئة
المديرة ، باعتبار أننا وككل هيئة لا بد
أن نخضع لمحاسبة المؤتمر عبر مناقشة التقرير الأدبي والتقرير المالي ، والمصادقة
عليهما ، لتنتهي المهمة التي أوكلها لنا وأناط عهدتنا بها المؤتمر السابق.
ولقد بدا
يومها أن السيد منصف المرزوقي ليس قادرا على احترام الهياكل ، بل لا يعرف كيفية
تسيير الجمعيا ت وضوابط ذلك.
غادر الجلسة
وغادر مكان المؤتمر لئلا يعود، ولا يخضع لمحاسبة فرضها القانون على أعضاء الهيئات
بصفة متضامنة .(1)
ثلاثة أمور
لا ينبغي للمرء أن يغفل عنها :
أولا أنه
قاطع كل أعضاء تلك الهيئة التي كان يرأسها
إلا من رحم ربك أي عضوين أو ثلاثة من 25
ثانيهما أن
حزبه أي حزب المؤتمر انشطر ثم انشطر حتى لم يبق منه شيء والكل يتحدث عن انفراده
بالقرار وعدم الاعتراف بالهياكل
وثالثا : إن غالب المستشارين الذين انتدبهم بعد ما تولى
رئاسة الجمهورية (14) ، قد غادروا هربا من تسلطه ، ومزاجيته ، ونرجسيته ،
والانفراد بالقرار غير المدروس.
من يعرف
المرزوقي من قريب أو بعيد ، لا يمكن أن يثق فيه ، فهو لم يوفق في تسيير جمعية ،
ولا حزب فكيف يدير دولة.
لهذه الأسباب
ولو لم أكن مقتنعا بالباجي قائد السبسي كرئيس للبلاد، بسبب كل المآخذ عليه ، فإنه ليس لي من منفذ إلا
أن أصوت له، كارها غير متحمس ، ولكن ما باليد حيلة والمرزوقي على ما وصفت.وأنا شخصيا لا يمكن أن أئتمنه على بلادي.
---------------
(1)
من بين الذين كانوا ضمن الهيئة أيامها وممن
ضجوا من سلوكه رئيسا : مصطفى بن جعفر وحمودة بن سلامة وعبد الوهاب الباهي ( غادروا
الهيئة بعد اتفاق على أن قيادات الأحزاب لا حق لها في الجمع مع عضوية الهيئة المديرة) وخميس الشماري وصلاح
الجورشي والطاهر شقروش وعبد الكريم العلاقي وأحمد شطورو وبن عيسى الدمني وفرج فنيش
والصادق العبيدي وغيرهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق