خارجيات
|
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
زلزال في المنطقة
تونس / الصواب /25/08/2013
منطقة الشرق الأوسط باتت كقارب تتقاذقه الأمواج، فبعد إعصار الثورات التي
إن جاز أن نسميها كذلك، جاء وقت دفع الفاتورة.
قامت موجات ثورية، بدون مقدمات ، وإن كانت إرهاصاتها واهتزازاتها قد خلخلت
أنظمة ، كانت تبدو مستقرة مسيطرة على الأوضاع في بلدانها، امتدت موجاتها من تونس،
فالتهبت نيرانها بعد الانطلاق من تونس، نحو مصر فليبيا فاليمن فالبحرين فسوريا،
وكادت تعصف بأنظمة مستقرة متجذرة في
الجزائر وفي المغرب.
استطاعت الموجة أن تقلب أنظمة تونس، ومصر وليبيا بالذات، وأتت بحكم ديني،
بمباركة أمريكية، فيما بقيت سوريا مستعصية متأرجحة بين اللائكية والمتأسلمة، وحتى
المتطرفة.
غير أنه سريعا ما بدا للشعوب التي قادتها صناديق الاقتراع إلى ذلك الحكم
المتأسلم ، أنه أي الحكم، ليس هو ذلك الذي تبحث عنه، باعتبار أنه حاول أن يقوض نمط
المجتمع ، كما إنه بنقص فادح في الخبرة، قد قاد إلى كوارث عقدت الحياة وجعلتها
جحيما لا يطاق، فضلا عن ما بدا عن حق أو باطل، تكالبا منها على المواقع للسيطرة على مقدرات الدول
والاستيلاء على مفاصلها، والتعامل معها بمنطق
الغنيمة، فانحسر ما كان من تنمية ونمو، وتعاظمت البطالة، وتراجعت مقومات الحياة
العامة، وهو ما يفسر ذلك التمرد ـ دعنا نسميه كذلك بكل نبل الكلمة التي أتت بها
توطئة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ـ في
الدولتين الأكثر حضارية في المنطقة ، على الأقل التي عرفت تلك الهبة الثورية.
نجح "التمرد" في مصر، التي كانت تقوم فيها حصون عالية، ضد
التطرف، فقد خرج الملايين يوم 30 حزيران يونيو، للمطالبة برحيل الحكم، لنقل إنهم كانوا بين 15 مليونا على طول البلاد
وعرضها، و33 مليون حسب التقديرات، وكانت الحركة من الاتساع ، بحيث تحركت الآلة
العسكرية المصرية ذات التقاليد العريقة، منذ زمن الفراعنة مرورا إلى كل فترة الحكم
العربي الإسلامي، ووصولا إلى التاريخ المعاصر، انطلاقا من الملك محمد علي وخاصة
ابنه إبراهيم باشا، وصولا إلى عرابي ، ثم محمد نجيب وجمال عبد الناصر، انتصر الجيش
المصري لإرادة الشعب، وقام بالمساعدة ، على صرف عنوان الفشل، أي الإخوان المسلمين،
وأقام حكما لا هو مدني تماما ولا هو عسكري تماما، ستبرز الأيام ما إذا كانت تتوفر
له القدرة ، وتتوفر له الإرادة، للمرور بسلاسة وفي زمن وجيز نسبيا إلى نظام
ديمقراطي.
أما في تونس التي كانت تشهد استعار نار تحت الرماد، فقد جاءت حادثة
الاغتيال السياسي الثالثة، للزعيم محمد البراهمي ، لتؤجج نار "التمرد"
فتنطلق شعلتها ، وتتواصل منذ 25 تموز يوليو، وتهز ما كان يعتقد النهضويون أنه
تمكين لهم في البلاد ، وعلى مدى سنوات ، وربما عقود ـ انظر تصريح راشد الغنوشي في
صفاقس ـ ، وهو تحرك ما زال متواصلا، تحاول النهضة وبعض من بقي من ذيولها، أن
تتعامل معه بمنطق المساومة ، وربح الوقت، غير أن التحاق اتحاد الشغل واتحاد
الصناعة والتجارة به، أعطاه دفقا كبيرا، يصعب الوقوف أمام تياره، وإذا كان الجيش
المصري، هو الذي أعطى الدفعة الأخيرة لـ "تمرد" مصر للنجاح، فإن
المنظمات الجماهيرية الأكبر المتمثلة في قوة العمل، وقوة المال، هي التي إذا
قدر"للتمرد" التونسي النجاح ، أن تعطي تلك الدفعة الحاسمة.
**
ليبيا شيء آخر، فهي عبر التاريخ لم تكن دوما تلك الدولة ذات الجذور الضاربة
في العمق، واستكمل القذافي عملية تفكيك أوصالها، أما سوريا الممزقة أعراقا وديانات
ومذاهب، إضافة إلى أوضاعها الإستراتيجية المعقدة، واعتبار تركيا المتأسلمة امتدادا طبيعيا لها لقربها من مركز الخلافة
الإسلامية ، فإنها كانت وما زالت،
كالواقعة بين فكي رحى جبارة، تطحنها، بين عروبة تعتبر مركزها، التاريخي،
وأسلمة استوردتها من مصر حسن البناء ، ولكن فاقت بها كل الحدود وكانت لاقت
بواسطتها أعتى أشكال العسف في حماة سنة 1982 بحوالي 20 ألف قتيل.
ثلاثة قوى تحاول اليوم أن تكون المؤثرة أو لعلها أربعة
** القوة العظمى الأمريكية وما يسندها من أوروبا الهرمة ، التي تتخبط في
مشاكل اقتصادية ممتدة، وهي اليوم، قد أدارت الظهر للإسلاميين بعد أن كانت أكبر سند
لهم ،على إثر ما سمي بثورات الربيع العربي.
فلا قتل السفير الأمريكي في بنغازي، ولا السياسات التي اتبعتها جماعة
الإخوان المسلمين في مصر نالت رضا واشنطن، ولا الهجوم الأمريكي على السفارة
الأمريكية في تونس منذ ما يقارب من سنة، بمباركة من الحكم القائم، على ما تم من
تسريبات في واشنطن، أكدتها لاحقا الأحكام التي صدرت بحق المتهمين القلائل الذين
أحيلوا على المحاكم ، بينما واشنطن تملك قائمة الأسماء والصور وتعرف جيدا الظروف
وما كان وراءها مما يطمئن الأمريكان إلى
وفاء الإسلاميين ، ولا القوة الكبيرة التي اكتسبتها الجهات الجهادية المرتبطة
بالقاعدة في سوريا ، بتأييد نشيط من قطر مما يمكن أن يطمئن الغرب كله.
كل ذلك نقل مركز الثقل في السياسات الأمريكية، نحو آفاق جديدة، ستظهر
آثارها في الأوضاع العربية، باعتبار أن الولايات المتحدة، وبعكس بعض المظاهر، تبقى
اللاعب الرئيسي والأكثر تأثيرا في المنطقة، وأنها فقدت الثقة بالتمام والكمال في
الإسلاميين، نتيجة سلوكهم، وخاصة نتيجة توجهاتهم التي أصبحت معلنة.
** القوة العظمى الثانية أي روسيا ، وهذه ستدافع عن موقعها الشرق الأوسطي،
بكل الشراسة الممكنة، لأنه يمثل بالنسبة لها آخر المواقع في المياه الدافئة
المتوسطية، ومدخلها إلى مناطق النزاعات التي ستحكم نتائجها مدى السيطرة الجزئية أو
الكلية.
** القوة الثالثة ذات الحضور الفعلي هي إيران، التي تبقى لها قدم راسخة في
المنطقة، عبر حزب الله اللبناني ، والحكم السوري بما يعتمده من علويين في سوريا ولكن
من علويين في تركيا أيضا ، وهم حلفاء وأنصار أشداء يمكن تحريكهم في أي وقت،
باعتبارهم يدخلون في المنظومة الشيعية الواسعة، الممتدة إلى شرق السعودية والبحرين
والكويت.واعتبارا بالخصومة التاريخية السنية الشيعية ، وهي خصومة ينبغي القول إنها
تبدو ذات مرتكزات عقائدية مذهبية، ولكنها في الواقع تعتمد مرتكزات إثنية ويمكن
القول حتى عنصرية.
** أما القوة الرابعة الخارجية والتي تعتبر لاعبا لا بد أ، يقرأ له المراقب
حسابا ، رغم ما ينتظر أن يتراجع دوره في ظل الأحداث الأخيرة فهو تركيا، وإذا كانت محكومة
اليوم من خلال الدولية الإخوانية بصورة من الصور، فإن السلطة التركية تبقى تجر
كرتين حديديتين ثقيلتين، الأولى هي المحرقة الأرمنية ـ مليون ونصف مليون قتيل في 1915/1916 ـ والتي
لا تريد الحكومات التركية المتعاقبة أن تعترف بها أو أن تعتذر عنها، وهي وصمة
كبيرة في جبين تركيا، هذا عدا الفظائع المرتكبة من قبل جمال باشا في الشام ، في
أواخر الحم التركي، أو في أوروبا الوسطى، وثانيا ما يلصق اليوم بالحكم التركي
المتأسلم من إرادة غير معلنة ، في استعادة الخلافة الإسلامية تحت مظلة إسطنبول أو
القسطنطينية، وفرضها على الدولة الوطنية في البلاد العربية خاصة. وهو أمر غير
مقبول، لا عربيا ولا دوليا.
** كل هذا عدا القوة المحلية الضاربة، والمتمثلة اليوم في محور جديد، مصري
سعودي، يتضمن كل دول الخليج باستثناء قطر، التي يبدو أنها بصدد خسارة مواقعها، وهي
قوة تفرض على كل صاحب مصلحة من الدول المؤثرة عالميا وإقليميا أن تتعامل معها،
باعتبار الثقل الديموغرافي والمالي والإستراتيجي، لهذا الخماسي.
وبعد فترة شك وتردد، أخذت روسيا
وأمريكا وأوروبا تتسابق نحو طلب يد مصر، ومن ورائها السعودية ودول الخليج، التي
سارعت من جهتها لإسعاف الحكم المصري الجديد بحوالي 15 مليار دولار بين هبات وقروض
ميسرة ، عدا ثلاثة مليار دولار بترول تصرف مجانا، وهي حركة قوية دعت الجهات الغربية والعالمية إلى
أن تترك وراء ظهرها ، كل مبادئ حقوق الإنسان، إزاء تجاوزات خطيرة مرتكبة، سواء من
قبل الحكم المصري الجديد أو الإخوان
المسلمين، الذين رأوا حكما كانوا يعتقدونه مؤبدا يفلت من بين أصابعهم، ربما لفترات طويلة جدا ،في
ظل ما ينتظرهم من محاكمات وتشريد وتهجير، وبعيدا جدا عن نمط المجتمع الذي خططوا له
وشاهدوه يتراءى أمام أعينهم، بكل تضييقاته الاجتماعية المجتمعية ، والمرفوض من
جانب واسع من المصريين، كما إنه مرفوض من التونسيين، رغم أنه كان أخف وطأة على
الأقل، باعتبار أن سلوك النهضة كان أكثر ذكاء من سلوك الإخوان المسلمين المصريين.
fouratiab@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق