Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الأربعاء، 28 أغسطس 2013

وجهة نظر - حلول للأزمة التونسية

وجهة نظر

أبجدية الدولة العربية ما بعد الثورة    
د.أحمد القديدي
نعيش نحن العرب هذه الأيام العصيبة حالة غير مسبوقة في تاريخنا الحديث تتميز بالعجائب و الغرائب فمن كان منا منذ أسابيع قليلة يتخيل مجرد تخيل بأن يوم الخميس 22 أغسطس 2013 ستهل شمسه الدافئة على سجن طرة بالقاهرة و فيه سجين نزيل إسمه محمد مرسي ثم يخرج منه سجين أخرطليقا حرا إسمه محمد حسني مبارك بعد أن قضى فيه سنتين و نصف و ربما إلتقى الرجلان العدوان اللدودان (الأول سموه المخلوع و الثاني سموه المعزول ) في بوابة السجن في مشهد عبثي لا يكاد العقل يصدقه من فرط الغرابة !
فالرجل المخلوع الذي ترأس الدولة لمدة 23 سنة جاء من المؤسسة العسكرية سيدة النظام المصري منذ 23 يوليو 52 وهذه المؤسسة تتصرف حسب الخبراء في 30% من الإقتصاد الوطني و يوما ما خلال العشرية الأخيرة أخذ يفكر في توريث السلطة لإبنه مكررا تجربة الأسد السوري و بسبب هذا الخطإ القاتل بالإضافة إلى التشبث بأهداب الكرسي تحول نظامه إلى فساد شامل أثرى منه رجال أعمال أقوياء حولوا مؤسسات الدولة إلى حضيرة مملوكة لهم و لعيالهم فطمأنوا مبارك بأن التوريث سيكون سهلا ضمانا لتواصل مبارك و استمرار مصالحهم و امتيازاتهم.
 و نتذكر كيف كنا نرى مع الشعب المصري عمليات صناعة صورة الزعيم القادم من خلال مخطط إعلامي هندسه صفوت الشريف لتلميع ملامح إبن الريس فرأيناه يعين مسؤولا كبيرا في الحزب الحاكم عما يسمى السياسات و رأيناه يزور المستشفيات و يعد الغلابى بالديمقراطية التي لم يسرع بها أبوه !
كل ذلك عشناه أيضا في تونس حين بدأ الرأي العام يقتنع بأن ليلى بن علي أو زوج إبنتها أو إبنها سيكون هو الرئيس القادم و عاشه الليبيون حين شرع العقيد يسلم أمور "الإصلاحات" لنجله سيف الإسلام إستعدادا لتوريثه اللادولة الجماهيرية
 و رأينا أبناء القذافي في السيارات الرياضية الفخمة على شارع الشان زيليزيه يتحدون القانون و يعطون عن مؤسسات الحكم العربية للأوروبيين فكرة زفت !
إنه التاريخ العربي في تحولاته الكبرى و تقلباته العظمى أصبحت تصنعه شعوب عربية غلبت على أمرها على مدى ستين عاما من تغييب إرادتها و مصادرة رأيها و قمع طموحاتها.
إنه مأزق العقل العربي و أزمته المستفحلة نلمسها في مصر وبشكل أقل حدة وعبثا في تونس حيث دخلت البلاد في نفق إقتصادي و إجتماعي وتقلص الأمن قبل أن يعود تدريجيا بفضل حزم كوادره و شعورهم بالمسؤولة الوطنية و كانت الإدارة التونسية هي البطل الأول للثورة حيث لم ينقطع عن الناس كهرباء و لا ماء و لا هاتف و لا أغلق بنك و لا إنحبس راتب شهري و لا تعطل مطار و لا تأخرت باخرة و لا أغلق مستشفى و لا أوصدت أبواب مدرسة أو روضة أطفال أو جامعة ! إنها معجزة إستمرار الدولة بمرافقها العامة و خدماتها للشعب و من أجل هذا المكسب الثمين يجب على النخبة الحفاظ على الدولة لأن الدولة غير منظومة الإستبداد و الطاغوت فالثورة قامت لا على الدولة التي هي مؤسسات محايدة ذات نفع عام بل على مافيات النهب و السلب التي كانت حول النظام السابق و الحقيقة أن تأثيرها السيء على مفاصل الدولة كان محدودا.
و اليوم ماذا نرى ؟ مع الأسف نشهد تهرئة تدريجية للدولة من خلال التخبط المصري ما بين عسكر و إخوان وهو تخبط لا تحمد عقباه إذا ما عرفنا أن عدد الضحايا الذين سقطوا في أحداث عزل المعزول في رابعة و النهضة تجاوز عدد شهداء الثورة ، و من خلال التخبط التونسي بسبب نداءات غير مسؤولة بانقلابات على الدولة .
هذه النداءات التي غرها المثل المصري الكارثي ،فاستوردت منه التسميات
و المسارات فلدينا كما لدى مصر جبهة إنقاذ و حركة تمرد ، و همز واضح للجيش حتى يكون لدينا عبد الفتاح السيسي تونسي !
 صحيح أن أداء الحكومة التونسية الراهنة و الحكومات السابقة لم يكن ناجعا بل في بعض الأحيان كانت النتائج عكسية ، و لهذا السبب نادينا في الإتحاد الوطني الحر بحل الحكومة ، لا تفكيك الدولة، و بالتأسيس لمرحلة تمهيدية تعقب المرحلة المؤقتة من أجل الخروج من الأزمة لا الإنحياز للفراغ و الفوضى بدعوى فشل الحكومة ! و لكننا لا نرضى بالقضاء على الدولة كدولة ، لأنها الراعية لحقوق و حياة وأعراض و أملاك و أمن الناس، فالمنادون بالعصيان المدني و التمرد و إفراغ المؤسسات من صلاحياتها هم من فصيل الفوضويين أو العدميين الذين يئسوا من الوصول للسلطة عبر صناديق الإقتراع فاختاروا الوصول عن طريق العنف ، وهم يسمونه في أدبيات ماركس وستالين عنفا مقدسا !
 فهل من الشرعي أو المنطقي أو الدستوري أن تدفع الحركات الهامشية بالناس، نحو مقرات الولايات والمعتمديات و الشركات و الإدارات لعزل المسؤولين فيها، مهما كانت المأخذ عليهم و على أدائهم المهني ، أو انتماءاتهم الحزبية ، و نحن ندعو إلى إنشاء هيئة مستقلة من خبراء الإدارة و القانون لمراجعة هذه التسميات التي تثير الجدل ، لوضع الرجل المناسب و الكفء في مكانه.
الإنقلابيون والعبثيون لم يفكروا في الديمقراطية التي يتغنون بها، و إلا كيف يطالبون بحق إقالة الدولة، و توليهم هم تأسيس دولة أخرى، وهم لا يمثلون لا الشعب، و لا أقلية منه، وكيف و بأية خلفية سيشكلون حكومة ، ويعينون محافظين
 و معتمدين و مديرين ، وهم خلو من التفويض الشعبي الذي وحده يمنحهم هذا الحق!
فما أبعدهم عن مبدإ سيادة الشعب و مبدإ لا شرعية إلا للشعب، اللهم إلا إذا انتصبوا بعصا سحرية ناطقين باسمه، و نحن لا نعلم.
 فالتشكيك في شرعية الحكم الراهن ممكن و وارد، بسبب التأخر في معالجة قضايا الناس لكن شرعية المنقلبين عليها مفقودة تماما.

الحل في الحوار و الوفاق حتى يؤسس الجميع دولة ما بعد الثورة ،دولة قوية عادلة و قادرة على تطبيق القانون و بسط الأمن و هندسة المستقبل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق