سانحة
|
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
الخطأ القاتل في تعامل النهضة مع الأنتليجانسيا
تونس/ الصواب / 06/08/2013
ما من حكم مهما كان، يمكن أن يقطع
نفسه، عن المثقفين في بلاده، بل لعل كل حكم يعمل على البحث عنهم
"بالفتاشة" و يستميلهم ويستشيرهم، إنهم هم الضمير الحقيقي للوطن، لما
راكموه من معرفة وتجربة ، ولمدى تأثيرهم في المجتمع الذي يعيشون بين أحضانه ،
ويتفاعلون معه.
ولقد اختارت النهضة منذ وصولها للحكم ، أن تقطع علاقتها بمثقفي تونس
وضميرها، واختارت أن تعتبر "روابط حماية الثورة" كضمير تهتدي بهديه، ألم
يقل أحد زعمائها، إن نكبة تونس في طبقة مثقفيها.
ومن طبيعة الأشياء أن يبادل المثقفون النهضة شعور الرفض والتحدي، خصوصا مع
سلوك أبعد ما يكون ما يكون عما تعود عليه المجتمع من نمط يعود في أعماقه إلى منتصف
القرن التاسع عشر، في خضم ما يمكن أن يسمى بالنهضة العربية التي ساهمت تونس في
التنظير لها مع قيادات الفكر في مصر
والشام والعراق.
وبالطبع نقصد بعصر النهضة، ليس ذلك العصر الذي جاءت فيه حركة النهضة للحكم،
واعتمدت فكرا وأساليب وسياسات أبعد ما تكون عن الفكر النهضوي، الذي تعود جذوره إلى
عصر الأنوار في أوروبا منذ القرن الخامس عشر، وفلاسفته الملهمين الذين انتهى فكرهم
المتقدم، إلى إقرار الديمقراطية في بريطانيا العظمى، وإلى قيام الثورة الفرنسية ،
التي جاءت بمبادئ حقوق الانسان بكل سخائها الفكري ، بما فيها حق التمرد le droit à l` insurrection ضد ظلم الحكام أو
انحرافهم عن إرادة شعوبهم، كما كان الأمر في مصر مع حكم الإخوان ، وحكم الإخوان في
تونس.
والعداء المعلن من حركة النهضة تجاه الطبقة المثقفة التي عادة ما تكون هي
قائدة المجتمع وفي مقدمة مسيرته، أدى بطبيعة الأشياء إلى قطيعة مع المجتمع، هي
بصدد حصاد ثماره المرة.
ولعل النهضة خسرت على مستويين اثنين:
المستوى الأول هو توجه مبرمج مقرر من قيادتها العليا لتغيير نمط المجتمع ،
وهو أمر لم يكن مقبولا من قبل الشعب ، وفي لقاء مع أحد القياديين النهضويين بعد
مظاهرة ضخمة انتظمت في مدينة صفاقس، استغرب الرجل من كثرة عدد المحجبات ضمن
المظاهرة المضادة للحركة، وكان اعتقاد سائد لدي النهضة ،
أن من تحجب أو التحى هو بالتبعية من أنصار النهضة، وهو أمر غير مؤكد، بل لعله خاطئ
خطأ كبيرا، ولعل ما نراه حاليا في باردو يقوم دليلا على خطأ هذا التفكير، بل خطله.
أما المستوى الثاني فهو وضع الطبقة المثقفة في مواجهتها لا إلى جانبها، وفي
ما عدا حكومات الإطلاق كما يسميها بن أبي الضياف وليس دوما ، فإن طالبي السلطة
يسعون دوما لاكتساب تأييد المثقفين والانتصار لهم، بداية من الجنرال ديغول على
قوته المادية والمعنوية وقوة شخصيته، إلى الرئيس بومبيدو إلى الرئيس جيسكار
ديستانغ إلى الرئيس ميتران إلى الرئيس شيراك
إلى الرئيس ساركوزي وحاليا الرئيس هولاند، هذا في فرنسا وقس على ذلك في
الولايات المتحدة وفي ألمانيا، ألم يستمل هتلر مثقفين كبار منهم المؤلف الموسيقي
الكبير فاغنر.
أما عندنا فقد مارست النهضة منذ قدومها للسلطة طريقة استبعاد المثقفين
فحصدت اليوم أنها لم تجدهم إلى جانبها أو حتى البعض منهم، وانتهت إلى وحدة موحشة،
في ما إنهم هم طليعة الشعب وضميره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق