Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الثلاثاء، 6 أغسطس 2013

من الذاكرة - الإسلاميون في السلطة

من الذاكرة

يكتبها عبد اللطيف الفراتي
الاسلاميون ،، في السلطة(1)
لعل أكثر من يعرف الدور الذي لعبته شخصيا بتورط من السلطة آنذاك في ربيع وصيف 1988، من أجل الاعتراف بشكل من الأشكال بحركة الاتجاه الاسلامي ، هو الشيخ راشد الغنوشي.
وصحبة منصر الرويسي  المستشار السياسي للرئيس السابق بن علي تم إقناع الرئيس ،بعدم ترك ذلك الاتجاه الذي يمثل رقما مهما في الساحة السياسية، على قارعة الطريق وخارج اللعبة السياسية، ومن هنا جاء الحديث الذي توليته شخصيا مع الشيخ راشد الغنوشي، وقد ترددت عليه في بيته عديد المرات، ووصل الأمر إلى أني تناولت الماء والملح معه في بيته، كما ترددت في تلك الفترة على قصر قرطاج من أجل وضع اللمسات الكفيلة  بما يرضي رئيس الدولة والشيخ راشد الغنوشي، ما يمثل بالنسبة إلى الرئيس  عربونا على حسن نية ذلك الاتجاه، لضمان التعامل معه، وللواقع فإني وجدت وقتها من الشيخ الغنوشي مرونة أكثر بكثير، من تلك التي أبداها وقتها الرئيس بن علي عبر مستشاره منصر الرويسي.
تم نشر الحديث يوم 17 تموز يوليو 1988، وقد كان بمثابة القنبلة، في الأوساط السياسية في تونس، ولكن أيضا لدى السفارات الأجنبية، التي كنت أعتقد أنها كانت على علم به خلال كل فترة المخاض، دون أن تكون على علم بمحتواه.
وأستطيع أن أقول اليوم وبعد 25 سنة، أن الجميع فوجئ وقتها باعتدال الشيخ راشد الغنوشي، الذي أعتقد جازما اليوم أنه كان صادقا في مضمون كل ما قاله، أو للحقيقة الاتفاق على ما قاله.
 و من وجهة نظري الشخصية أنه كان وقتها، يلعب دور المعارض الواعي بحدود القدرة المتاحة له على المناورة.
فقد كان عالما بالذهاب والإياب إلى قصر قرطاج من طرفي، وما كان مطلوبا مني ومنه أن يقال.
في الأثناء صدرت صحيفة الفجر التي كان مديرها ، حمادي الجبالي، وهو من وجهة نظري رجل مسؤول، يتميز بذكاء فطري، وثقافة واسعة، وقد جمعتني وإياه مناسبات عدة كنا نتناول فيها طعام الغداء في مطعم فرنسي في نهج هولاندا ملحق بفندق اسمه الدار المذهبة، وكان مرفوقا في بعض الأحيان بأحد زملائه ممن لا أذكرهم اليوم، ولما كنت لاحقا تعرفت في إطار الهيئة المديرة للرابطة التونسية لحقوق الإنسان، التي كنت أشغل فيها موقع الأمين العام المساعد،  فيما كان يرأسها وقتها منصف المرزوقي، ويتولى أمانتها العامة توفيق بودبالة (رئيسها لاحقا)، كنت أجد وجه شبه في دماثة الأخلاق وسعة الاطلاع بين حمادي الجبالي وبن عيسى الدمني وكلاهما اسلامي، مع نوع من التوازن الفكري والاعتدال في المواقف والصدق والنزاهة ، وكنت حريصا أيامها على أن أدفع أنا شخصيا  فاتورة المطعم، وكنت أعمد دوما لذلك ،حتى لا أكون تحت رحمة أحد من السياسيين أو مدينا لأحد.
وإني لأذكر أنني  في ربيع 1989 وبعد الانتخابات دعيت للولايات المتحدة منفردا، ووضعت تلك الزيارة التي أعتقد أنها استمرت شهرا أو شهرا ونصفا، تحت خانة المدعوين من كبار الشخصيات ، وخصصت للتجوال بين 13 ولاية درست فيها، كيفية اتخاذ القرار في أكبر دولة في العالم، وقد تغيرت كثير من المسلمات عندي، ومنها أن الرئيس الأمريكي بيده كل شيء، فقد فهمت أنه  واحد من التروس التي تدير عجلة القرار في الولايات المتحدة، وإذ له دور هام ما من شك في ذلك، فإنه مرتبط بقرار الهضبة أي الكونغرس، وأيضا معاهد البحث الكبرى، التي تستشرف المستقبل وتؤثر في قرار الرئيس، والجامعات وأساتذتها، واللوبيات، وقد فوجئت بأن أكبر اللوبيات تأثيرا هما اللوبي اللاتيني أي المنحدر من أمريكا الجنوبية ، واللوبي الزنجي، وكلاهما خاضع وبقوة للوبي الصهيوني الذي يمسك بتلابيب المال والإعلام.
خلال هذه الزيارة للولايات المتحدة قضيت يوما في وزارة الخارجية، واقتبلني  يومها المكلف بالعلاقات مع شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وقضينا فترة طويلة في الحديث عن ظروف المقابلة الصحفية مع الشيخ راشد الغنوشي، وكما هو حالي دوما عندما أتحدث عن الشأن التونسي في الخارج، فلقد أفدته بالظروف الحقيقية، للحوار الصحفي، وكانت معلومة من الجميع أيامها، وأيضا حدثته عن الشيخ الغوشي، مستنتجا أنه رجل صادق ونزيه.
لكن قبل ذلك كانت قد مرت الانتخابات المزورة التي حصلت في ربيع 1989 ، في17 فيفري وكنا في مراكش بمناسبة قيام اتحاد المغرب العربي، وقد دعا الرئيس السابق بن علي إلى إقامته عددا من الصحفيين المرافقين له، وكنت شخصيا أتقاسم السيارة الموضوعة على ذمتنا مع الصديق إسماعيل بولحية ، الذي كان يرأس أيامها تحرير صحيفة المستقبل، وبعد أن تلا علينا وزير الخارجية آنذاك عبد الحميد الشيخ ميثاق الإتحاد، وكان أفرغ من فؤاد أم موسى، سأل الرئيس بن علي واحدا واحدا منا  عن رأيه، بادرت وقلت له، إن اتحادا يجمع دولا متعددة لا يمكن أن يكون بدون أمانة عامة ولا مقر، وأذكر أن إجابته كانت كما يلي :الملك الحسن الثاني لا يريد أجهزة ثقيلة ، وهو يرى أن تتولى الرئاسة الدورية تنظيم المقر لديها خلال فترة رئاستها، وأن تتولى الأمانة العامة.
كنا في طريقنا إلى الخروج من إقامة رئيس الدولة، عندما استبقى الرئيس السابق بن علي إسماعيل بولحية ، جلست في السيارة التي نشترك فيها أنتظر، مرت  برهة، ثم غادرتها أتمشى لما أصابني من سأم، بعد حوالي ساعة جاء الصديق، ركبنا السيارة وانطلقت بنا، لم أتجرأ على سؤاله عن محتوى المحادثة طيلة هذا الوقت وموضوعها، فيما كان هو من جهته صامتا وكان واضحا أنه يحمل سرا كبيرا.
سأعرف لاحقا وبعد أيام، إن الرئيس عرض على إسماعيل بولحية، أن تنظم الانتخابات الموعودة بعد ذلك بأسابيع  على أساس الوحدة الوطنية، فتدخلها الأحزاب المعترف بها آنذاك بفردين أو ثلاثة  بما فيها الاتجاه الإسلامي مع التجمع الدستوري في قامات موحدة،  ، وأن حركة الديمقراطيين الاشتراكيين سوف تنال حوالي 25 مقعدا، كما علمت لاحقا أن كل الأحزاب رضيت بذلك وكان نورالدين البحيري ينوب حركة الاتجاه الاسلامي آنذاك، باستثناء حركة الديمقراطيين الإشتراكيين التي انتهت إلى الرفض بعد عقد مجلس وطني دراماتيكي، وربما كان وراء فشل المبادرة ومن خلال معلومات توفرت لي ، كل من محمد مواعدة والهادي البكوش الذي كان يرأس الحكومة في تلك الفترة ولعلها كانت فرصة للبلاد تم التفويت فيها بدون نظر للعواقب.
من هنا جاءت الانتخابات التي تم تزويرها والتي شارك فيها الاتجاه الاسلامي بما سمي بالقائمات المستقلة أو القائمات البنفسجية، وكانت مناورة استخباراتية خبيثة، فقد تم اشتراط تزكية عدد وافر من الأشخاص لا يتكررون لكل مرشح ،وبذلك تم كشف أنصار كثيرين من النهضة ، سيكونون وقودا لأكبر عملية انتقامية غير إنسانية في تاريخ البلاد.
ومما أذكر عن تلك الفترة الحبلى بالأحداث ،  والتي عشتها بوصفي رئيسا لتحرير جريدة الصباح ومن مواقع المشاهدة الأولى، أنني كتبت افتتاحية ( كنت أعتقد أن انتخابات نزيهة شفافة تنتظرنا) طبعا  بموافقة المرحوم الحبيب شيخ روحه، دعوت فيها الناخبين للتصويت لمن أرادوا إلا للقائمات البنفسجية لأنها تبشر بنمط مجتمعي غير النمط السائد في تونس من عشرات السنين.
ولقد ثارت ثائرة الشيخ راشد الغنوشي واعتبرها سابقة في تاريخ الصحافة، حتى إنه جاء لمقر الصحيفة للتعبير عن احتجاجه لدى مدير الجريدة، فيما إن النيويورك تايمز ذات الميول الجمهورية ، والواشنطن بوست ذات الميول الجمهورية هي الأخرى، دعت في سنة 1961 أو 1662 للتصويت للرئيس كينيدي الديمقراطي، فيما إن لوموند الديغولية عادة دعت في سنة 1982 للتصويت للاشتراكي ميتران.
بعد ذلك غادر الشيخ راشد الغنوشي تونس غاضبا مني،  وجاءت نكبة النهضة ، والله وحده يعلم ما هو الثمن الذي دفعته لمحاولة الوقوف إلى جانب المظلومين من أبنائها في سلسلة محاكمات غير عادلة عبر إيقاف سيل التنديد الذي حفلت به كل الصحف التونسية، في الأثناء جاءني صديق في ربيع 1990 ليقول لي إن الشيخ يملك وثائق تدينني باستلام أموال من نظام صدام حسين وكان معاديا له حتى غزوه للكويت ، باعتباري وقفت معه أيام الحرب الخليجية الأولى، تحديته قائلا ليمدني بها وسأنشرها على الجريدة التي أتولى رئاسة تحريرها، لم يصلني شيء منه، ثم جاء الغزو على الكويت فاتخذت منه الموقف المعلوم، وأنا إلى اليم غير قادر على أن أفهم كيف تحتل دولة دولة أخرى مهما كانت الأسباب، وغير قادر لا على فهم ولا على تفهم أن يؤيد العدوان أشخاص عادة ما يدافعون عن حق، وأرسلت مع نفس الشخص الذي بلغني الرسالة الأولى ، وهو حي يرزق ولا أريد إحراجه، هل كان لي أن أتحدى صدام حسين ونظامه لو كان في جيبي مليم واحد من مليماته.
أذكر فقط أن السفير العراقي في تونس في منتصف الثمانينات كان نوري الويس، واستدعاني ليلة إلى عشاء في بيته، كنت اعتقد أننا سنكون مجموعة من المدعوين، ولكني فوجئت بأني كنت وحيدا مع ملحقه الصحفي الأستاذ جعفر، في آخر العشاء وبعد حديث طويل بلا معنى، جاء إلى بيت القصيد، قال لي لقد وقفتم معنا، نحن نريد أن نشتري منكم 5000 نسخة يوميا، ولكننا لا نريد أن ترسلونها لنا واشتممت رائحة محاولة الارشاء، بعد أن رفضت ذلك العرض مطلقا، قلت له : على كل حال سأحيل المسألة إلى صاحب الشأن، وعندما حملت الرسالة إلى المرحوم الحبيب شيخ روحه، ثار وأذكر كلماته: نحن لا نباع ولا نشترى، ومواقفنا تمليها علينا ضمائرنا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق