Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الأربعاء، 26 مارس 2014

بكل هدوء: تونس/ مصر / الخليج/ ومصالح البلاد

بكل هدوء
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
المصالح وبعد ..
تونس/ الصواب / في 25/3/2011
قرأت في مذكرات تشرشل الذي قاد بريطانيا ضمن التحالف العالمي ضد النازية وحقق انتصارا ساحقا في الحرب العالمية الثانية ، ليس لبريطانيا أصدقاء دائمين، وليس لها أعداء دائمين، ولكن لها مصالح دائمة.
وقد أراد الزعيم العجوز أحد أكبر الذين خلدهم التاريخ ، أن يقول إن المصالح هي التي تقود الإمبراطورية التي لم تكن تغيب عنها الشمس.
وهذه المقولة جديرة بأن توضع في مدخل كل باب لأي حاكم.
صحيح أن للمبادئ مكان في السياسة، ولكنها وفي السياسات الدولية، مرتبطة بالإمكانيات ولا يمكن أن تسير في خط متعارض مع المصالح، بل تحاول أن تجعلها متناسقة مع تلك المصالح، ولعل أكبر مثال على انعدام الرؤية وحتى البصيرة ، مثال الموقف التونسي الرسمي والشعبي في سنة 1990، في تبرير احتلال الكويت، الممول الأول لتونس، والذي توقف دفقه على تونس منذ ذلك الحين.

ونجد اليوم أن بلادنا تنتهج نفس الأخطاء ، في علاقاتها الإقليمية وحتى الدولية، بحيث تقطع عن نفسها موارد كان يمكن لها أن تحقق تدفقاتها المالية.
إن ما حدث في مصر خلال الصائفة الماضية، جدير بان يقع النظر إليه من أكثر من زاوية، ولايمكن فصله عن السلوكات والتصرفات اللاإنسانية والمتعارضة مع حقوق الإنسان بكل مرجعيتها العالمية.
إن يوم 30 جوان 2013 هو زلزال ولا شك، وهو يندرج تحت حقوق أسست لها الثورة الفرنسية التي تعتبر أم الثورات سواء في دستور 1789 أو دستور 1793 وكذلك نظرت ( بتشديد الظاء) لها ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، من حيث حق الشعوب في التمرد، l’insurrection le droit à   ، وما حصل في ذلك اليوم من خروج الملايين للشوارع طلبا لإسقاط حكومة الإخوان، هو حق من حقوق الشعب المصري، هذا دون تبرير البتة لما تبعه من توظيف ذلك من العسكريين، أو ما تبعه بعد ذلك من عمليات متبادلة لإراقة الدماء بغزارة، تبقى الدولة القائمة هي المسؤولة الأولى عنها،  ولو كانت هي ضحيتها بنفس القدر هي والطرف الآخر المتسبب فيها.
لكن ذلك يبقى شأنا داخليا مصريا، يحتاج إلى تنديد من هذا الطرف أو ذاك وخاصة شعبيا ومن أحزاب أو جمعيات ، ولكنه ليس شأنا حكوميا، فالدولة لها طبيعة مختلفة، وهي مؤتمنة على مصالح مواطنيها، وعليها أن تقيس في النهاية تحركاتها بالنتائج المترتبة عنها، أو المتوقع أن تترتب عن مواقفها.
و حتى الأحزاب الحاكمة فعليها أن تكون حذرة لأن مواقفها تحسب على الحكم، وتنتج ردود فعل يمكن أن تكون كارثة على البلاد.
وللمرء أن يتفهم مواقف النهضة أو المؤتمر التصعيدية ضد ما جرى في مصر، ولكن ذلك ينبغي أن تكون تعبيراته محسوبة بالمصلحة العامة للبلاد والعباد.
وكما حصل في سنة 1990 من خطإ إستراتيجي انطلق من حسابات خاطئة، بأن الممول الأول للبلاد قد انتهى أمره، وغادر الخريطة، وأن الديون المترتبة لتونس لفائدته ، سيقع إستصفاؤها للبلاد ولن تستردد أو تسدد، وهي حسابات نبهنا في الإبان إلى خطئها، لأن  التوازنات الدولية بالأساس لن تمكن من ابتلاع دولة مثل دولة الكويت، فإنه وبقطع النظر عن تحليل عدد من الأحزاب للتطورات التي حصلت في مصر، في الصيف الماضي، لم تكن لتدفع السلطة أي الدولة لاتخاذ مواقف يمكن أن يكون لها تأثيرات على مصالح البلاد، اعتمادا على ما تمليه المبادئ إذا كانت هناك مبادئ مبررة، فالتمرد أيضا هو من مبادئ حقوق الإنسان أيضا.
والنتيجة أن رئيس الحكومة مهدي جمعة وعند زيارته الأخيرة إلى منطقة الخليج، لم يكفه أن تقع مجابهته بالماضي القديم لحكومة بن علي، والتأييد غير المنطقي من الشيخ راشد الغنوشي لصدام حسين في سنة 1990، بل كانت مواقف الحكم التونسي ممثلا في رئيس الدولة بالذات ، والحكومة أيضا ، والأحزاب الحاكمة التي ينبغي لها أن تكون متحفظة، ومراعية لمصالح البلاد ، منخرطة في حملة ضد مصر، جهلا وعدم إدراك بما تمثله مصر، إستراتيجيا بالنسبة لدول الخليج وبالنسبة لكل العالم العربي وللشرق الأوسط وإفريقيا ، وإذا تركنا جانبا المصالح التونسية مع الدولة المصرية، بعد أن ارتفعت المبادلات معها  في السنوات الأخيرة إلى مليارات الدنانير، وباتت قطاعات عديدة لدينا ولديهم متشابكة،  ناهيك وأن عديد الباعثين العقاريين عجزوا عن تسليم المحلات لأصحابها، بسبب تأخير في الحصول على عدادات الغاز والكهرباء المستوردة في غالبها من القطر المصري ، إذا تركنا جانبا هذا المظهر وهو مهم ، وقد تم بناء أسسه على مدى سنوات طويلة استمرت حوالي عقدين أو أكثر كما كان الشأن مع تركيا ، فإن مظهرا آخر لم يتفطن إليه رجال الدولة في بلادنا تبعا لقصر النظر المصابين به وعمى الأوان في أعينهم ، فانحدروا بعيدا عن أي روح مسؤولية ، إلى تجريح وتنديد حتى في المحافل الدولية، بعكس ما ذهبت إليه دول نحتاجها في هذه المرحلة الصعبة من حياتنا ، ونحتاج إلى دفق أموالها، حتى فقط من أجل سد الثغرات في موازنة للدولة نقتات ونعيش منها، وهكذا كانت القيادات من قصر النظر بحيث فوتت على نفسها فرصا، لتمكين البلاد من  احتمالات للنهوض أو على الأقل الخروج من كبوتها، إن مصر الدولة بقطع النظر عن كل شيء آخر، رقم إقليمي وحتى دولي لا بد من قراءة حسابات دقيقة له. وهو بملايينه من العسكر في الخدمة أو الاحتياط يشكل قوة إقليمية قد تحتاجها السعودية، وقد تحتاجها الكويت، وقد تحتاجها الإمارات وقد تحتاجها البحرين، وقد تحتاجها عمان ، وقد تحتاجها يوما حتى قطر، التي تحركها اليوم أيد أمريكية لبث البلبلة عربيا.
وللتتمادى تونس في رفع شعار "رابعة" الماسوني الأصل، ولتواصل رفع صور الدكتور مرسي، وقد تدرك النهضة أو لا تدرك ، و قد يدرك المرزوقي أو لا يدرك أنهما بذلك ، يجعلان البلاد تدفع ثمنا باهظا للمواقف المراهقة والتي لا تقوم على أساس من إدراك مصالح البلاد.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق