Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الأحد، 23 مارس 2014

الموقف السياسي: الجولة الخليجية وأسباب الفشل

الموقف السياسي
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
قمة الحسم في الكويت
ودوامة الموقف  الخليجي من تونس ومساعدتها
تونس/الصواب /22/3/2014
خلال يومين أو ثلاثة تفتتح القمة العربية في الكويت.
ولا ينتظر المراقبون كما هي العادة نتائج لا هامة ولا غير هامة، خاصة في ظروف العالم العربي الحالية من تشتت، لم يسبق أن بلغ هذه الدرجة من الحدة. غير أن هذه القمة تتخذ أهميتها من تطورات محتملة للشأن الخليجي ، الذي هو شأن عربي على كل حال.
فالكويت وأميرها يسعيان لرأب صدع  ما تشقق من مجلس خليجي للتعاون، ارتفعت فيه الخلافات إلى أكبر الحدود بين دوله الست، ويكاد أن يشهد فصل واحد من مكوناته وهو قطر.
وإذا "لم تعد دولة قطر" إلى « الجادة »، وفقا لرغبات وتمنيات  4 دول من أعضائه الستة، أي السعودية والإمارات والكويت والبحرين، فإن قطر التي انسحب منها سفراء 3 دول مهددة بمقاطعة موجعة من شركائها الأربعة بمن فيهم الكويت، واحتمالا مسقط، وقطر وهي أحد أهم الدول المصدرة للغاز في العالم ستجد نفسها محاصرة، جنوبا وغربا وشمالا، ولن يفيدها كثيرا الجار الإيراني الذي هو محل محاصرة منذ سنوات ، وإن خفت بعض الشيء في الفترة الأخيرة.
وإذ لا ينتظر شيء معين من هذه القمة عربيا، فلعلها ستكون بامتياز قمة خليجية في إطار عربي شامل، يراد منه أن يكون إلى جانب مجلس التعاون الخليجي بدون قطر.
في هذه الفترة بالذات اختار رئيس الحكومة أن يقوم بجولة خليجية توسلا للحصول على هبات أو قروض تمكنه من تحويل الموازنة الافتراضية غير القائمة على أسس محاسبية التي تركها له علي العريض قبل استقالته ، إلى موازنة بالمعنى الصحيح، فوفقا لتصريحات الرئيس الجديد للحكومة التونسية ، فإن إيرادات الميزانية تحتاج إلى 5 مليار دينار للقدرة على تحقيق توازنها( حجم الميزانية 28 مليار دينار) أي إن 17 في المائة من مقدرات الميزانية غائبة، ولا يعرف كيف يمكن توفيرها.
كل هذا إذا كانت  الموارد الأخرى صحيحة وحقيقية، وأن الضرائب ستوفر حجم المقدرات المخطط لها، في وقت تم بناء الميزانية على أساس نسبة نمو بـ4 في المائة، فيما إن هذه النسبة لن تتجاوز بحال 2.6 في المائة، وفقا للأرقام الرسمية التي تشكك فيها جهات عديدة، على اعتبار أنها متفائلة أكثر من اللزوم.
وجهتان كان رئيس الحكومة الجديد يؤمل منهما كل خير : الوجهة الخليجية والوجهة الأمريكية في أفريل المقبل، توسلا إلى سد ثغرة كبرى في الميزانية التي تنفق منها الدولة على أجور الموظفين وعلى الدعم وسداد الدين وأخيرا وفي درجة أخيرة الاستثمار العمومي إن بقي شيئا.
الوجهة الخليجية، لم تنتج شيئا ، وعدا وعود ضبابية باستثمارات لم تتحدد مجالاتها، ولا مواعيدها، وهي وفي الأحوال العادية تتطلب سنوات بين القرار والانجاز، فإن مهدي جمعة ، عاد من هذه الجولة بخفي حنين.
**
 لماذا سارعت الجهات الخليجية بضخ 20 مليار دولار في مصر حتى الآن ، بعد هبة الشعب المصري في تمرد 30 جوان 2013 ، وإنهاء حكم الإخوان المسلمين، وحل حزبهم واعتبار جماعتهم جماعة إرهابية ، ولم تسارع لمثل ذلك مع تونس، التي أنهت على الأقل نظريا حكم النهضة ( التي انطلقت في البدايات من رحم التنظيم الإخواني وفكره).
وراء ذلك سببان رئيسيان كلاهما له تفرعات عديدة.
السبب الرئيسي الأول هو ، أن مكانة تونس في المنطقة الخليجية قد تدحرجت بصورة غير قابلة للإصلاح منذ 2 أوت 1990 ( انظر مقال من الذاكرة في هذه الدفعة من موقع الصواب ).
فقد ارتكبت السلطة القائمة آنذاك حماقة، لم تحسب نتائجها، منطلقة من تحليل خاطئ للقيادة السياسية، قائم على أن الاجتياح العراقي للكويت، غير ملامح المنطقة، باعتباره خطوة نحو الوحدة العربية.
وفي تلك الحسابات ، اعتبرت الكويت في الموازنة قد مرت بحساب الأرباح والخسائر بلغة المحاسبين، وأنها دخلت في حساب الخسائر النهائية، أي إنها انتهت كدولة، لذلك وجب الوقوف إلى جانب صدام حسين، وتأييد مغامرته على أساس أن حساباتها رابحة، وأنه لا أمريكا ولا غيرها يمكن أن تغامر بحرب لاستعادة وضع انتهى.
غير أن الأمر لم يقف عند ذلك الحد، فقد تجشم الشيخ راشد الغنوشي الذي كان ما يزال في بداية منفاه، السفر إلى بغداد تعبيرا عن تأييده لاجتياح العراق للكويت وضمها ، وتغيير اسمها إلى اسم "النداء"، أسوة ببقية المعارضات في تونس وفي الخارج التي سارعت في غالبها لتأييد صدام حسين.
وإني لأذكر كيف كان زعماء من النهضة عبروا لي أيامها عن عدم موافقتهم على موقف الشيخ.
ولقد جاء إلى تونس أيامها الشيخ الدكتور إسماعيل الشطي رئيس الإخوان المسلمين الكويتيين، وعبر عن غضبه من موقف الغنوشي والترابي المتفرد.
إذن فتونس التي كانت تعتبر الأقرب إلى الكويتيين، والتي اتخذها حكام الكويت نموذجا للتعاون العربي – العربي ، فتدفقت أموالهم فيها، هبات وقروض واستثمارات، وكانوا يفخرون بأن الرأسمال الكويتي في السياحة يمثل 7 في المائة من الفندقة التونسية ، عدا الأنشطة السياحية الأخرى، وأنه لا يوجد سد ولا جسر ولا كلم من الطرق السيارة ولا مركزية إنتاج للكهرباء ولا ميناء ولا أبراج نقل الطاقة إلى أطراف البلاد ولا غيرها لم تنل قسطها من التمويل الكويتي العام والخاص.
ودلت الأرقام على أن تدفق الأموال الكويتية إلى تونس بين 1963 و1990 كان الأهم قبل أمريكا وفرنسا والدول الأوروبية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وغيرها من الدول والمؤسسات المالية العالمية.
هذا هو الواقع الذي عبرت عنه صحيفة الصحافة الحكومية في عددها يوم الخميس الماضي بقولها في عنوان بالبنط العريض:"الوفد الحكومي فوجئ بمستوى تردي العلاقات مع دول الخليج"، وتضيف الصحيفة الحكومية:
"علمت الصحافة اليوم من مصدر مطلع، أن رئيس الحكومة مهدي جمعة والوفد المرافق له وجدوا صعوبات كبرى، خلال زيارتهم الأخيرة لعدد من دول الخليج العربي.
وقال ذات المصدر أن الوفد وجد علاقات تونس مع هذه الدول في وضعية متردية جدا ، وأضاف إن بداية التردي تعود إلى فترات سابقة لكنها ازدادت تأزما في السنتين الأخيرتين،،، وأن تردي مستوى هذه العلاقات جعل من الصعب جدا التحصل على ما كانت تصبو إليه".
وأضافت الصحيفة" أن اللقاءات التي جمعت الوفد  التونسي بالمسئولين خاصة في المملكة العربية السعودية والكويت أكدت أن على الدبلوماسية التونسية إذابة جليد العلاقات وأن رصيد ثقة هذه البلدان في تونس تقلص إلى حد كبير ، وأن وضع تونس لا يمكن مقارنته بمصر، التي حافظت على علاقات جيدة بدول الخليج، وهي علاقات ساعدتها على تجاوز أزمتها الاقتصادية وإيجاد بدائل لتمويل الميزانية وبعض مشاريعها الإستراتيجية".
هذا هو الواقع الذي منع الوفد التونسي من أن يحقق نتائج في الزيارة الخليجية، وعاد خالي الوفاض ، في وقت تونس في أشد الحاجة إلى مدد سريع وعاجل، لا لمشروعاتها الاستثمارية، وإنما بالخصوص في هذه المرحلة للخروج من عنق زجاجة ضيق جدا ماليا، لا يمكن معرفة كيفية، تجاوزه، وهو يتهدد الوضع المالي للبلاد، واحتمالات توفير ما تواجه به إنفاق مخطط لا موارد للاستجابة إليه، رغم إلحاحه السريع.
**
أما السبب الثاني فهو:
وجوب العودة إلى طبيعة الواقع ، فمصر تمثل قوة إقليمية كبرى، وبالتالي فهي يمكن أن تكون سندا فعليا لدول الخليج، الغنية بمواردها الطبيعية وخاصة البترول، ولكن أيضا السياحة والمعادن بالنسبة للمملكة العربية السعودية، ولكن الفقيرة إلى العمق الإستراتيجي السكاني ، وهي دول في حاجة إلى من يستطيع أن يدافع عنها في حالة ما تعرضت إلى أخطار معينة، تعتقد عن خطإ ّأو صواب أن مأتاها المحتمل، هو الشرق أي إيران الشيعية الفارسية الصفوية، ومصر بسكانها الـ-94 مليونا ( 8 مليون منهم يعيشون خارج مصر أعداد كبيرة منهم في منطقة الخليج ـ) يمكن أن تشكل بجيشها الذي يعد في الأحوال الطبيعية مليون، وفي حالة دعوة الاحتياط ما بين 2 و3 مليون ، سندا فعليا لهذه البلدان ، ولذلك وإضافة إلى أن مصر وقفت في الأوقات الصعبة خاصة سنة 1990 إلى جانب الخليجيين ، فإن لها مقدرات فعلية لتكون سدا منيعا في الدفاع عن المنطقة، في انتظار وصول مدد خارجي يهمه إبقاء الحال على ما هو عليه بالنظر إلى طبيعة ثروات هذه البلدان التي تمثل شريان الحياة للولايات المتحدة وأوروبا وأقصى الشرق بما في ذلك الصين واليابان والعمالقة الجدد.
ومن الطبيعي أن لا تكون تونس في مثل هذا الموقع الإستراتيجي، الذي تحرص الدول الخليجية على سلامته المالية.
**
وإذ قدمت تونس على لسان رئيس حكومتها ، ما يكون ولا شك ردده على مسامع القيادات الخليجية من تأييد للمملكة العربية السعودية في إعلان جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية بقوله:"نحن نقرأ هذا القرار بإيجابية ، لأن لدينا نفس الموقف في تونس، بأن لا مكان للإرهاب ، ونحن مع المملكة في هذا القرار، ووفقا لما تناقلته جريدة الرياض السعودية ، وهي صحيفة رسمية، ولم يصدر بشأنه تكذيب فإن رئيس الحكومة التونسية أكد " أن لا مكان للإرهاب " واصفا القرارات السعودية الأخيرة باعتبار تصنيف الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية بأنها إيجابية، مضيفا إننا نقرأ القرار بإيجابية لأن لدينا نفس الموقف في تونس ونعتبر أي خروج على القانون نحن مدعوون لمقاومته ، ومرة أخرى : نحن منسجمون مع المملكة في هذه القراءة، وأن لا توظيف لأي إيديولوجية.
هذا ما حصل في السعودية وربما قيل كلام مثيل له في باقي العواصم الخليجية باستثناء الدوحة، غير أن تصريحا في تونس للمساعد الأول لمهدي جمعة هو نضال الورفلي الناطق الرسمي باسم الحكومة ، بدا وكأنه تراجع غير معلن بصراحة عن الموقف السابق،
وجاء في التغطيات الصحفية على لسان الورفلي ما يلي :
" وبخصوص تصريح مهدي جمعة لصحيفة الرياض، الذي مفاده نحن منسجمون مع السعودية أن هذه القراءة التي أشار إليها رئيس الحكومة ليست في التصنيف وإنما المقصود بها هو أن كل منظمة خارجة عن القانون وليس لها سند قانوني فهي منظمة غير قانونية ، وفي هذا الإطار يتنزل تصريح رئيس الحكومة"
وقد زاد هذا الموقف من الناطق الرسمي الغموض غموضا، وإذا لم يكن جمعة قد ذكر جماعة الإخوان المسلمين بالاسم في إطار انسجامه مع قرار السعودية، فإن المفهوم المنطقي أن القرار يذكر جماعة الإخوان دون تحديد، وبالتالي فالمقصود هو جماعة الإخوان المسلمين في مصر.
ومهما يكن من أمر فإن هذا التردد من قبل رئيس الحكومة مفهوم ، على اعتبار أن رئيس الجمهورية، وحتى على منبر المنظمة الأممية قد طالب بإطلاق سراح الدكتور مرسي، وباعتبار التأييد المطلق من النهضة للإخوان المسلمين، ورفع علامة رابعة( وهو في نفس الوقت شعار الماسونية)، وبالتالي فهو ممزق بين الرغبة في نيل دفق مالي من دول الخليج، ووضع داخلي معقد، تجد فيه النهضة نفسها في موقف مؤيد للجماعة  وضد الحكم القائم في مصر حاليا الذي تؤيده 5 من 6 دول خليجية ، ويعتبر فيه زعيمها  التونسية زعيما للجماعة الدولية ، للحد الذي وصل فيه الأمر، في الاحتفال الذي أقامته النهضة بعيد الاستقلال التونسي في 20 مارس  أن رفعت شعار رابعة ،  وأيضا صور الدكتور مرسي الرئيس السابق في تحد واضح وتناقض مع ما ذهب إليه رئيس الحكومة في تصريحه في الرياض، والمعدل على ما يبدو على لسان الناطق بلسان الحكومة.
ووفقا لما جاء في مقال جريدة الصحافة الحكومية السابق الذكر ، فإن الانطباع الحاصل عند دول الخليج ، هو أن الحكومة التونسية الحالية هي نسخة مكررة من حكومتي الترويكا، وأن الوفد الحكومي وجد على ما يبدو صعوبة في الإقناع بغير ذلك.
ومن هنا فلا أمل يمكن أن تقوم باعتبار الماضي البعيد نسبيا ، والحالي المعقد  علاقات طبيعية مع دول الخليج، ولا دفق مالي منتظر طالما التمزق على هذه الحال، بين رئيس للدولة وحزب طاغي الوجود في الساحة على موقف، وحكومة ساعية لإيجاد حلول ليس لها من حل في المستقبل المنظور ولكن رئيسها متردد بين مقتضيات خليجية ، وسياسات داخلية متضاربة.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق