سانحة
|
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
غموض في النهضة
تونس/ الصواب /27/3/2014
غداة الانتخابات العامة التي جرت في
23 أكتوبر 2011، كان حمادي الجبالي يعتبر الرقم الأول في حركة النهضة ، بعد زعيمها
( البعض يقول مرشدها) راشد الغنوشي، بوصفه الأمين العام أهم مركز في الحركة.
وكان الجبالي يعتمد في هذا الموقع
المتميز على تأثيره الطاغي في الحركة،
ومما يستمده من موقعه ككاتب عام، ومن احتمالات تعيينه رئيسا للوزراء.وأيضا
للعلاقات الواسعة خارج الحركة.
لكن الذين اقتربوا منه ـ وأنا أحدهم ـ
كانوا معجبين بالقدرة الفائقة على الاقناع التي يتمتع بها، وما يظهر عليه من
اعتدال نسبي، بالقياس إلى موقعه في حركة سياسية ذات مرجعية دينية.
بين ديسمبر 2011 و6 فيفري 2013 الفترة
التي قضاها على رأس الحكومة ، فقد حمادي الجبالي الكثير من تأثيره داخل صفوف
النهضة، والمؤكد أن جهات داخلها وفي أعلى المستويات دفع لذلك، فمنصب رئيس الوزراء
جد مغر، والمتكالبون عليه كثر، وسيدفع هو ثمن ما أسمي بالتنازلات الموجعة تحت
الدفع القوي للمعارضة والمجتمع المدني الحقيقي والفاعل، لا ذلك الذي أنشأته الحركة
ولم يكن فاعلا على الساحة العمومية.
ولعل حمادي الجبالي، وبعد سنة ونيف من
الحكم اقتنع بأن الحركة التي يشغل فيها خطة الأمين العام لم تكن مهيأة للحكم، وأن
النصائح التي تلقاها من الكثيرين قبل الانتخابات وبعدها بتجنب إقحام النهضة في
الحكم وليس لها رجاله، والتي أجاب عنها بأن القواعد لن ترضى بأن تفرط في انتصارها
النسبي ، قد دفعته إلى قناعة متوفرة، بأن الحكم ليس لعبة يمكن أن يلعبها أي كان.
لذلك ما إن جاءت الهزة الكبرى في 6
فيفري بحصول أول اغتيال سياسي الشهيد شكري بلعيد ، حتى استنتج ما ينبغي له
استنتاجه، وهو ضرورة تخلي النهضة عن السلطة، حتى لا يزيد اهتراؤها، ومن هنا جاءته
فكرة تعويض الحكومة النهضاوية بمشاركة "أحزاب" هي الأخرى فاقدة للقدرة
على التعامل مع السلطة، بحكومة كفاءات.
وإذ وافق أحد شركاء الحكم على ذلك،
فإنه لا النهضة ، ولا المؤتمر المتشبثان بالكراسي، رفضا استنتاجا منطقيا، فما كان
منه وهو الصادق مع نفسه، إلا أن نفذ وعيده باستقالة مدوية، أبرزت انقساما في الحزب
الذي اعتبر طويلا الأكثر انضباطا.
والقريبون من النهضة يعتقدون بأن ذلك
مثل كسرا عميقا وشرخا في النهضة، التي واصلت الحكم، ولكن بغير قدرة على تلمس
طريقه، وبدون قدرة البتة على استقراء مقتضياته، ومن هنا فإن حكومة علي العريض التي
استمرت بين 9 أو 10 أشهر بدون ولا وزير واحد يدرك معاني الاقتصاد الكلي ، قد فشلت
لا في تحقيق شيء فقط، وإنما فشلت في
الخصوص بالإمساك بحقيقة دواليب الحكم وخاصة منذ 25 جويلية 2013، يوم حصول الاغتيال الثاني في تونس
باستشهاد محمد البراهمي. وعبر زيادة إقحام البلاد في متاهات لا يعرف أحد كيف تستطيع
البلاد الخروج منها وخاصة اقتصاديا.
منذ ذلك الوقت أي بعد 6 أشهر على
مغادرة حمادي الجبالي لكرسي رئاسة الحكومة ، بدا أنه هو الذي كان على حق ، وأن
النهضة فقدت خيوط السيطرة، وهي التي لم تخرج من السلطة بشيء من ارتفاع الهامة ، بل
ستضطر للمغادرة تحت تأثير قوة مضادة، وبصورة رغم ما يقال ليس فيها الكثير من
الكرامة.
لكن حمادي الجبالي مع فقدانه لمنصب
رئيس الحكومة فعليا منذ 6 فيفري، فقد في الواقع موقعه المؤثر في النهضة، كأمين عام
بلا صلاحيات فعلية، ومما يقال أنه تم تهميشه ، للحد الذي بات معه يحس بغربة فعلية
في حزبه الذي أعطاه حياته.
من هنا وبين فيفري 2013 و5 مارس 2014،
كان حمادي الجبالي في حالة تأجيل تنفيذ، موجود في الموقع الثاني في الحزب الرئيسي
في البلاد ـ حتى إشعار آخر ـ ، ولكنه غائب غيابا تاما عن الساحة.
هل يكون وقع تحت طائلة انتقام نتيجة
عدم انضباطه، انضباطه لمن وهو الأمين العام ، أعلى الدرجات بعد زعيم الحزب، أي إنه كما هي العادة وقعت التضحية به ، لأنه ارتفع
بظله على الزعيم ،ونال شعبية لم يكن له أن ينالها.
لقد استقال من الأمانة العامة، ولكن
ما بقي في الظل هو إن كان استقال أيضا من الحزب، ثم ماذا ينوي بعد ذلك ، هل هو
مخزون النهضة لمنصب رئاسة الجمهورية، أم إنه طلق حزبه ، وله وجهة أخرى غير معلنة
للآن ، علما وأن الذين غادروا النهضة لحد الآن، حاربتهم ولم تترك لهم مكانا على
الساحة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق