سانحة
|
يكتبها عبد
اللطيف الفراتي
حتى يكون
التونسيون في مستوى الحدث
أم إنهم
يدفعون حكومة جمعة للإستقالة؟
تونس /
الصواب /27/5/2014
لا أحب أن
أعطي دروسا، كما لا أحب مطلقا أن أصدر أحكاما ، وأبغض ما أبغض أن أجلس ناصحا ،
وليست لدي شخصيا أدوات النصح.
ولكني هذه
المرة وأنا بين الناس ، أو حتى أقل من الناس ، أشعر بمعاناتهم ، أنظر للمستقبل من
زاوية داكنة ، وبمنظار سوداوي ، إن لم نتدارك نفسنا ولا أقول أنفسنا ، لأننا في
مركب واحد وعلى شفير الغرق.
وضع لا
يحسدنا عليه أحد ، المرتبات قد تنقطع ، والدولة بدأت فعلا في التأخير في صرف
مستحقات مزوديها ، وهي أول الخطوات على طريق المنحدر ، معنى ذلك أن مؤسسات معينة
ستضطر لتسريح عمالها ، بعد عدم القدرة على دفع مرتباتهم ، ومعنى ذلك مزيد البطالة ،
ومعنى ذلك عدم تنفيذ المشروعات ، ومعنى ذلك العجز عن تحقيق نسب نمو لا عالية ولا
حتى متهاودة ، ومعنى ذلك عجز عن توفير مناصب شغل.
ومع هذا رئيس
حكومة متردد متردد في تحميل كل جهة
مسؤوليتها بشأن هذا الوضع المتدهور، ومع هذا رئيس حكومة متردد أمام اتخاذ قرارات
يزيد تأخير اتخاذها من تعقيد وضع ليس في حاجة إلى تعقيد إضافي.
وبعد ثلاثة
أشهر من استلامه السلطة تقريبا ، ما زال لم يحزم أمره على اتخاذ قرارات حازمة و لازمة
، لا بد أن نكتوي كلنا بجمرها ، وكل تأخير إنما هو مزيد الغرق، إنه رئيس حكومة لا
يسعى لانتخاب ولو كان يسعى لفهمنا تردده ، ولكنه يخشى من ردة فعل سيأتي يوم ما
ستتخذها البلاد ، في مزيد أوجاع وضع صعب.
وإذ يبدو
تردد رئيس الحكومة مفهوما ( لا يريد أن
يغضب أحدا) فهو ليس مبررا بالمطلق ، لأن البلاد تسير بسرعة كبيرة إلى حتفها ، وأنا
أزن كلماتي.
فليس هينا أن
تعجز حكومة أي حكومة عن دفع مستحقات مزوديها ، أو مرتبات موظفيها ، أو أنها تلجأ لطبع
المزيد من الدنانير (وهي مطبوعة فعلا ومخزنة في دهاليز البنك المركزي) توسلا للدفع
بعملة القرود كما يقول الفرنسيون ، ولكن ليس هينا أيضا أن تكون حكومة محايدة
مبدئيا في وضع مواجهة مع المجتمع الذي تنبثق من رحمه ومن وفاقه.
مهدي جمعة
يواجه اليوم الطبقة السياسية كلها والطبقة
النقابية ـ إلا من رحم ربك ممن عقولهم
داخل رؤوسهم -، فتونس وهي التي عاشت حقبة فوق طاقة إمكانياتها ، تريد اليوم أن
تواصل العيش على نفس النسق ، وبالقدر الأدنى من العمل المنتج ، وهي لا تقبل
بتضحيات فرضها الواقع المرير.
نحن اليوم في
مفترق طرق إما أن نكون و جميعا في مستوى المسؤولية لتقديم التضحيات ومن جميعنا
لتقويم وضع ساء أكثر من اللزوم ، أو ندفن رأسنا في التراب مثل النعامة وليأت ما
يأتي من عظائم الأمور ، بما فيها تحلل هياكل المجتمع ، وعلى رأسها الدولة ، ليس
فقط بما تمثله من رمزية ، ولكن وخاصة بالوظائف العادية للدولة أي دولة.
والمطلوب
المطلوب اليوم اليوم، هو أن تقدم الحكومة على إنقاذ الدولة ، باتخاذ القرارات
الجريئة اللازمة ، للعودة لعيش البلاد في مستوى إمكانياتها ، مع إدخال حد من
العدالة والإنصاف ، وأن تعي القيادات المختلفة أن المسألة ليست لا لعبة للتلهي ،
ولكن مصير بلاد وصلت إلى قاع الزقاق ، وينبغي تعبئة عامة وكاملة ، لمعرفة كيفية
الخروج.
تونس منحدرة
إلى بئر عميقة ، وليس من شعور بذلك ، والحكومة وكأنها حكومة سياسية تنتظر وفاقا (لن
يأتي) حتى تحزم أمرها وتتخذ قراراتها ، وهي تواجه مناورات من نوع أحكام تهم شهداء
الثورة ومصابيها ، ومن نوع دخول من دخول 61 إسرائيليا ، مما يعيق عن مواجهة
المصائب الحقيقية ، التي لن يشعر بها المواطن على ما يبدو إلا يوم يتخلف عنه مرتبه
، أو يوم ترتفع نسبة التضخم لا إلى 6 في المائة كما هي الآن بل إلى رقمين وأكثر من
رقمين.
رئيس الحكومة
حمل الناس ، وفي مقدمتهم المؤسسين مسؤوليتهم ، ذلك جميل ولكن أين مسؤوليته اليوم ،
في موجهة وضع هو في النهاية المسؤول عن تماديه أو إيجاد الحلول له.
ما يستشفه
المرء أن رئيس الحكومة ما لم يعلنه وما لم يصرح به وما هو مقروء في درجة ثانية من
تشفير الخطاب السياسي ، أنه إذا كان يراد هذه المرة أو في مرة مقبلة ، سحب الثقة
من وزراء معينين ، فإنه سيستقيل هو وحكومته ، ويترك الأمر لطبقة سياسية عامة ، ومجلس تأسيسي
خاصة أقل ما يقال فيه أنه ليس في مستوى
المرحلة ، لأن المرحلة اليوم هي أخطر من أن يشعر بها من لا يشعر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق