Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

السبت، 12 سبتمبر 2015

سانحة . إهمال الإحتفال بذكرى الزعيم الوطني الهادي شاكر، في صلب تهميش مدينة وجهة.

سانحة
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
في إطار مزيد التهميش للجهة
الزعيم المنسي .. الهادي شاكر
تونس /  الصواب / 13/09/2015
في منفى برج لوبوف كان أحد المنفيين القلائل إلى جانب بورقيبة ، الذي كان معه في دار عياد يوم الانشقاق عن الحزب القديم ذات يوم في أوائل مارس 1934 ممثلا عن صفاقس مع شخص آخر ضاع بعد ذلك في الزحمة كان رجل اسمه الهادي شاكر ،،، في  حصن سان نيكولا  في مرسيليا كان أيضا إلى جانب القلة من المجاهدين من أجل استقلال الوطن وفي مقدمتهم بورقيبة، كان دوما في الصفوف الأولى ، زعيما وطنيا حتى عندما عز ذوو العزيمة ، وكذلك كان فاعلا في مؤتمر دار سليم ، الذي سيصفه بورقيبة بعد الاستقلال بمؤتمر الغدر، ثم إنه هو الذي ترأس مؤتمر 18 جانفي 1952 في اليوم ذاته الذي ألقي فيه القبض على بورقيبة ، فيما سيسمى المعركة  الحاسمة ، وسيقتاد مباشرة إلى السجون والمنافي ، كغيره من كبار الزعماء على مستوى الوطن ، لا على مستوى جهوي أو محلي.
أيضا سيكون هو الممول الرئيسي لتحركات بورقيبة في المشرق  بعد منتصف الأربعينات ،للدعوة من القاهرة للقضية الوطنية وكسب الأنصار لها ، أيام عز الأنصار ، وأيام قام جهد مصري عراقي باكستاني كبير من أجل تحقيق استقلال تونس ، بعكس ما يدعيه البعض.
أذكر الرجل بطوله الفاره  ووجهه تحت الطربوش الأحمر القاني ، وبياض بشرته مع امتلاء قليل  ما يكسبه مهابة وحضورا ، أذكره عندما كان يرافقنا الوالد إلى مكتبه ومحل تجارته في نهج المرابطين ليرشق على صدورنا أنا وشقيقي المرحوم محمد نيشان الحزب الدستوري فنخرج معتزين بعد التهنئة بمناسبة ما ، وخاصة مناسبة عيد العروبة في سنة 1947 ، ذكرى تأسيس جامعة الدول العربية ، الذي كانت جامعة الحزب الدستوري  في صفاقس التي كان يرأسها بكل اقتدار تحتفل به سنويا تعبيرا عن عروبة تونس وإسلامها، إضافة إلى  وطنيتها التي لا تكتمل إلا باستقلالها الكامل والناجز.
**
كان زعيما وطنيا من الدرجة الأولى، وكانت أدواره على مستوى البلاد تتجاوز المحلية الضيقة وترقى إلى مستوى عال من الوطنية، المشوبة بإرادة كبيرة للتضحية.
يوم 13 سبتمبر في الصباح الباكر كنا شقيقي محمد في الحافلة في اتجاه المدينة ذهابا إلى المستودع الميكانيكي ، قصد تعلم شيء من الميكانيك كان الوالد يحرص على أن نناله ، في العطلة الصيفية ، لنكون قادرين بعكسه على إصلاح أي عطب يطرأ على سيارتنا البيجو 202 ، وللتحضير للحياة العملية ومقتضياتها، هناك علمنا باستشهاد الهادي شاكر ، وبدل المستودع ومثل الجميع كان المقصد الجامع الكبير ، مركز الثقل في مدينة صفاقس ، كنا نذرف الدمع سخيا مثل المئات الذين كانوا متجهين مثلنا والدموع منهمرة على الخدود ، هناك كان الشيخ أحمد دريرة أحد أقرب مساعدي الهادي شاكر يقف خطيبا ، معلنا عن آخر المعلومات الواردة عن الاغتيال في نابل ، ويقطعها بـ"الله أكبر الله أكبر " عدة مرات فتتقطع القلوب حزنا وتأثرا ، وأحمد دريرة جارنا بطريق تونس من الجهة الثانية من سكة الحديد، ولعله كان يتخفى عندنا  في بيتنا ، حيث  كان مهددا  بالموت هو الآخر خاصة منذ أن تم اغتيال عون الاستعمار الشيخ أحمد بلقروي في وضح النهار وعلى بعد بضع عشرات الأمتار من المقر الرئيسي للجندرمة الفرنسية بالقصبة.
**
جاء الجثمان بعد أن مر على ريف قصر الريح موضع تجمع أهل الشيخ أحمد بلقروي حيث عقد احتفال احتفاء بقتل الزعيم الوطني بتواطئ مع الإقامة العامة الفرنسية في تونس والمراقب الفرنسي العام في صفاقس وزميله في نابل ، حيث كان يقضي الشهيد عقوبة بالإبعاد ، تحت مسؤولية السلطة الفرنسية ، ودلت وثائق جديدة يبدو أن نور الدين حشاد عثر عليها مؤخرا  في باريس في إطار بحوثه حول اغتيال والده في 5 ديسمبر 1952 أي قبل 9 أشهر على اغتيال الهادي شاكر تبرز أن  الحكومة المركزية في باريس قد تكون متواطئة في اغتيال الهادي شاكر بعد أن كان اتضح بما لا يدع مجالا للشك في تورطها في اغتيال فرحات حشاد ، كما أبرزت الأبحاث التي قام بها الإخوة من الجزائر أن فرانسوا ميتران وزير الداخلية في الحكومة الفرنسية في سنة 1956 ( رئيس جمهورية فرنسا بين 1982 و1996) كان هو صاحب الأمر بقتل المجاهد الجزائري بن مهيدي الذي حير فرنسا  بدون محاكمة.
و انعقدت جنازة مهيبة لرجل محبوب، باعتباره زعيما وطنيا من جهة ولدماثة أخلاقه العالية من جهة أخرى ، سار فيها الآلاف وربما أكثر من ذلك ولعلها كانت أكبر جنازة في تاريخ المدينة.
**
بعد 10 أشهر ، اضطرت فرنسا على لسان رئيس حكومتها منديس فرانس ، أن تعترف أمام الباي محمد الأمين  ملك "الإيالة"التونسية بالاستقلال الداخلي ،،، رفع الحجر عن حزب الدستور الجديد ، وكان من القرارات الأولى للديوان السياسي الذي لم يكن بورقيبة المقيم في المنفى في وارد حضوره ، أن اختار يوم 13 سبتمبر ليكون عيد الشهداء، غير أن بورقية لم يعترف قط بذلك القرار ، وغير الموعد ليوم 9 أفريل ، وإن حضر الاحتفال بالذكرى الثانية لاغتيال الزعيم الهادي شاكر في جنانه الواسع بطريق العين حيث توافد الألوف على المدينة ، وشهدوا الحفل الذي خطب فيه بورقيبة ، وبكى بحرقة على "من أسماه أخوه " في حركة مسرحية لم تخف على أحد.
وكان معروفا أن بورقيبة لم يكن يكن أي ود لثلاثة أشخاص هم المنجي سليم ، والحبيب ثامر ، والهادي شاكر ، الذين كانوا وراء كف يده عن التصرف في الأموال المتأتية للحزب في القاهرة ، وتكليف الحبيب ثامر بتحصيلها وإنفاقها وتوزيعها بين مستحقيها الكثيرين في مصر وبقية البلدان التي قامت فيها دعوة لمناصرة القضية الوطنية ، وكان مؤتمر دار سليم هو الذي اتخذ القرار ، وكان وراءه على ما يبدو كل من صالح بن يوسف والمنجي سليم والحبيب ثامر  والهادي شاكر ، الذي كان هو الممول الرئيسي عدا ما كان يتأتى من الجامعة العربية والحكومة المصرية وعطايا بقية العرب أو باكستان، باعتبار علاقات الشراكة لتجارة العائلة الشاكرية  مع عدد من كبار رجال الأعمال المصريين بعضهم من أصل تونسي. وهو ما كان ن يرتكز على تجارة عائلة شاكر ، التي اهتزت أحوالها وباتت قاب قوسين أو أدنى من الإفلاس.
**
واليوم وبعد 63  سنة على اغتيال الزعيم الوطني الهادي شاكر ، بهامته العالية ليس ماديا فقط بل وسياسيا يحق للمرء أن يتساءل ، هل إن هذا التجاهل للرجل وتضحياته ، ومنها تضحية الدم ، فقد بذل حياته في سبيل الوطن ، هل هي محض صدفة واستصغارا لتضحيات كبرى ، أم إنها تدخل في مخطط بورقيبة ومن جاء للحكم بعده في تهميش هذه المدينة وهذه الجهة واستصغار شأنها ، وإهمالها على مدى سنوات الاستقلال ، ومحاولة ترييفها ، وانعدام إنجازات الدولة فيها ، سواء على الأصعدة الإنتاجية من مصانع أو منشآت كبرى ، أو على صعيد الهيكل الأساسي ، أو مؤسسات الدولة الخدمية التي نقلت خارج المدينة ، مثل إدارة شركة صفاقس قفصة التي نقلت إلى مدينة قفصة لفترة قصيرة، قبل أن تستقر في العاصمة ، أو إدارة الديوانة التي نقلت إلى سوسة ، علما وأن ميناء صفاقس يعتبر أكبر ميناء تصدير في البلاد.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق