سانحة
|
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
بعد الانتخابات
الفرز بين
مرجعية دينية ومرجعية مدنية
تونس / الصواب / 29/10/2014
انتهت الانتخابات التي جرت الأحد 26
أكتوبر، بالفرز بين ما هو إسلامي وما هو علماني.
وإذ صوت الكثير من العلمانيين لفائدة النهضة لتجنب عودة الدساترة والتجمعيين " أعداء الثورة" ، فإن الفرز أصبح أكثر وضوحا مما كان عليه الأمر
غداة انتخابات 23 أكتوبر 2011 ، ففي تلك المناسبة التي حصلت فيها النهضة على ما
بين 37 و38 في المائة من الأصوات كان اتضح وقتها ، أن الكثيرين من المصوتين ، لم
يكونوا نهضويين ، لا انخراطا ولا حتى إحساسا ، ولكنهم كانوا يبحثون عن الأصلح ،،
ممن " يخافون ربي " وممن اكتووا بنار الفساد والسرقات والرشوة خلال
الحكم السابق على الرغم ، مما كان يحققه من نسبة نمو نسبيا عالية تم افتقادها في
السنوات الموالية ، ورغم أن النظام السابق ومنوال التنمية الذي اعتمده كان وصل إلى
حدوده ، ولم يعد قادرا على الاستجابة لحاجيات المجتمع وتطلعاته.
ولكن وبعد 3 سنوات يكاد يوما بيوم على ذلك
الموعد جاء الوقت ليتم التصحيح ، وتقف النهضة على حدود مخزونها الانتخابي المتراوح
بين 25 و30 في المائة ، من المنضبطين المناصرين ، وهو مخزون غير قابل للانضغاط ،
وسيبقى على حجمه ذاك إلا إذا حصل ما يدفع اجتماعيا لوضعه داخل حدود أقل.
غير أن البقية ليست بالضرورة علمانية (70 في المائة ) فزيادة على المتشددين والسلفيين ومن يقاطعون الانتخابات
على أساس أنها لا تعترف بأن الحاكمية لله وليس للشعوب ، ولعل السؤال هو كيف
يمارسها الخالق ، أليس عن طريق البشر) ،
فالغالب من الناس لا يدركون ولا يعرفون لفظ العلمانية ، بل إن الكثيرين يخلطون بين
العلمانية واللائكية والالحاد ، ويعتبرون أن العلماني كافر ، حتى وإن كان شديد
الايمان ومن يحافظ على أداء فرائضه.
والنهضة التي خسرت معركة ، ولو بفارق ضئيل
، هي إلى عودة في مناسبة أخرى بعد 5 سنوات أو أكثر ، وربما أقل إذا فقدت الحكومة المقبلة
مهما كانت تركيبتها ثقة البرلمان لهشاشة
التركيبة القائمة في مجلس نواب الشعب المنتخب ، واحتمال انفجار أي أغلبية في أي
وقت ، وهو ما يؤدي حتما برئيس الجمهورية لحل البرلمان والدعوة لانتخابات سابقة لأوانها ، يمكن أن تكون نتائجها معاكسة للأغلبية الحالية
حتى ولو كانت حركة النهضة من ضمنها.
وفي هذه الحالة هناك احتمال ، بأن يكون
التصويت عقابيا ، لنداء تونس ، فيخسر أولويته حتى لا نقول أغلبيته النسبية ، ووفقا للتفاعلات السياسية الحالية والاستقطاب
الثنائي الهش خصوصا بفعل طبيعة نظام الاقتراع الحالي ، وعدم بروز قوة ثالثة ذات
وزن بين القطبين ، فربما تعود الأغلبية للنهضة ، أغلبية نسبية بطبيعة الحال ،
ويحصل تداول سريع ليس من مصلحة البلاد واستقرارها ، ولا لإعطاء الوقت اللازم
لتنفيذ سياسات أو مشاريع كفيلة بإنقاذ البلاد ووضعها على سكة تنمية فعلية.
وفي هذه الفرضية ، فإن النهضة تكون سائرة
على طريق الأحزاب الديمقراطية المسيحية ، كما تطورت إليها بلدان أوروبا الغربية ،
مع لمسة دينية تفرضها طبيعة الدين الاسلامي ، وعدم حصول صدام فعلي بين الدين
والمجتمع كما حصل في أوروبا الغربية بفعل تسلط الكنيسة ونظام الرهبنة والاكليروس.
بعد الانتخابات ، وقبول النهضة بالتداول
على السلطة ، هل يمكن القول إن تونس هي عبارة عن مخبر تسامحي لعلاقة جديدة بين حزب
إسلامي المرجعية ، ومجتمع جانب كبير أو الأكبر منه لا يجد نفسه في تلك المرجعية ،
وبذلك تسقط مقولة الاستاذ راشد الغنوشي ، باعتبار أن "التدافع الاجتماعي
" هو الذي سيحول المجتمع إلى مجتمع ديني أو متدين.
وبالتالي فإنه يبدو واضحا أن هذه
الانتخابات لم تحسم الأمر ، ولعله غير قابل للحسم ولا صحة لمن يقول إن هناك 30 في
المائة ممن يتمسكون بمرجعية دينية و70 في المائة يتمسكون بمرجعية علمانية.
ولعل النهضة يمكن أن تقضم ما بين 10 و15 في
المائة من خارج مخزونها من الأصوات من بين من لا ينتسبون لمرجعية دينية في إطار
انتخابات بعد 5 سنوات أو أكثر وممن يحسبهم البعض على العلمانيين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق