Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الأربعاء، 15 أكتوبر 2014

الموقف السياسي : قبل الانتخابات 3

الموقف السياسي
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
الانتخابات .. على أعتاب الدولة الديمقراطية (3)
تونس/ الصواب /15/01/2014
بقطع النظر عن المفاجآت المتوقعة مهما كان الحال ، على إثر انتخابات 26 أكتوبر المقبل ، فإن المراقبين حسموا أمرهم إزاء الانتخابات التشريعية ، على أساس أن يكون الحزب الأول والثاني من حيث نسبة التصويت وعدد المقاعد إما نداء تونس وإما حركة النهضة.
ويبقى الغموض يلف المرتبة الثالثة التي يتناوب عليها حسب المراقبين   أربعة ترتفع أسهنهم أو تنخفض حسب الجهات والأهواء ، إذ لا شيء مؤكد.
وهذه الأحزاب ليست سوى الجبهة الشعبية بزعامة حمة الهمامي  والاتحاد الوطني بزعامة سليم الرياحي ، وتيار المحبة بزعامة الدكتور الهاشمي الحامدي و حزب المبادرة الدستورية بزعامة كمال مرجان .
وحتى هذه التكهنات السائدة اليوم ليست مؤكدة من أعلاها إلى أدناها ، ولعل المؤكد الوحيد فيها هو  وضع حركة النهضة ، التي لديها تجربة انتخابية وحيدة ، رفعتها لتصدر الأحزاب وأعطتها فرصة للحكم أهدرتها ، ولم تخرج منها بأي عنصر إيجابي ، سوى أنها على ما يبدو قد تكون قد وعت الدرس.
**
و لكن من المؤكد أن حركة النهضة قد استفادت من تجربتها ، من حيث مضامين تصورها للسلطة ، ولكن يبقى الخوف شديدا منها من ناحية نمط المجتمع ، بعد الأخطاء التقييمية لحقيقة صلابة المجتمع التونسي ، الذي لم تفد فيه حتى نبوءة الأستاذ راشد الغنوشي ، بشأن "التدافع الاجتماعي" الذي كان يتصور أن طبيعة نمط المجتمع ستتغير خلال فترة الحكم الذي تسنى للإسلاميين أن يمارسوه.
ومن الإصرار على بلد محكوم بالشريعة من منطلق تغيير جذري في صلب الفصل الأول من الدستور ، إلى العودة للفصل الأول من دستور 1959 كما تصوره بورقيبة ، وفرضه وقتها ، اضطرت النهضة إلى مراجعات كبيرة في كل شيء ، وبدا أن المجتمع ( عبر أحزابه ومجتمعه المدني واتحاد شغله) ، هو الذي قاد النهضة إلى المربع الذي يريده ، ولم تستطع النهضة أن تقوده حيث تريد هي من جهتها ، وجاء الدستور على مقاس الدولة المدنية ، لا على مقاس الدولة ذات المرجعية الدينية ، واضطرت النهضة رغم أغلبيتها النسبية  إلى وضع أرجلها على مقاس أقدام المجتمع ، وراء ذلك ثلاثة عناصر:
-        قدرة رئيس النهضة على التفاعل مع التطورات ، وكذلك قدرته على التحول سريعا عن قناعات حملها وحملها معه حزبه على مدى يقارب 50 سنة .
-        قدرته على الإقناع الصفوف النهضاوية بتلك المراجعات العميقة ، وفرضها.
-        أحداث مصر ، حيث قام تمرد غير مسبوق  تاريخيا وعالميا INSURRECTION   (1) نزل معه الملايين إلى الميادين ، واستبطنته واستغلته قوات مسلحة هي متعودة على الحكم من جهة ، وساعدها على ذلك أخطاء قاتلة ارتكبتها حركة الإخوان المسلمين  في مصر، وتجنبتها النهضة لطبيعة التركيبة الفكرية في تونس والإرث البورقيبي المتجذر على أكثر من 80 سنة.
-        **
أما نداء تونس وهو حزب انتفخ في زمن قصير جدا ، فإنه جاء كرد فعل ، قصد ما أراد له الباجي قائد السبسي  وشركاؤه إعادة التوازن إلى المجتمع ، والمجتمع السياسي بالخصوص.
ولم تكن انتخابات 2011 قد اعطت تفويضا كاملا للنهضة بما يقارب 40 في المائة من أصوات الناخبين ، ولكنها اعطتها أسبقية ناتجة في غالبها عن تشتت  لا مثيل له من جهة ، ما أدى إلى أن حوالي ثلث الناخبين خرجوا بلا تمثيلية، فيما تشرذم البقية شذر مذر.
فكرة الباجي قائد السبسي أنه يمكن لم شتات جزء كبير من هذا التشرذم، ووضعه في بوتقة ومسار حزب إن لم يكن ندا للنهضة فعلى الأقل يفرض قيام قوة ضاربة تقضي مع المجتمع المدني على سيطرتها المطلقة.
وبدا وفي انتظار انتخابات مقبلة ، أنه قد نجح سياسيا في فرض نفسه إن لم يكن حزبا أول فعلى الأقل حزب له وزن وحضور يقف معه بندية أمام النهضة.
عندما انطلق السبسي ، أخذته النهضة بغنجهية من انتصر ، واعتقد أن انتصاره نهائي ، وأولويته لن ينزعها أحد.
وبذلك فإن النهضة ارتكبت خطأين كبيرين ، أعطيا للسبسي القدرة على التغول ، وحيازة جانب من الناخبين يبدو أنه كبير ربما أهله لأن يكون الحزب الأول في البلاد ، و بالتالي وحسب الدستور لتشكيل الحكومة:
-أولهما أن تطوير مشوار إنجاز الدستور مكن السبسي وجماعته من مد الجذور داخل المجتمع ، بوصفه " المنقذ" من أخطار أي تغيير يصيب النمط المجتمعي. ولم يكن للنداء أن يأخذ ذلك الحجم لو أن الدستور كان جاهزا بعد عام ، والانتخابات جرت في فترة ما بعد ذلك العام.
وثانيهما إعطاء الفرصة لإبراز أخطاء الحكم نتيجة نقص في الخبرة ونقص في التجربة ، كانا سببا في فشل سياسي / اقتصادي يلاحظ بالعين المجردة ، ووصل بالبلاد لما وصلت إليه من أزمات متعددة .
يضاف إلى ذلك رافد مهم استفاد منه السبسي ، وهو محاولة عزله وعزل حزبه ، ووضعهما في الركن ، واعتبارهما "وباء" أو "داء" والكلمتان استعملتا على نطاق واسع وتكررت"  ، مما جعل النداء في موقع الضحية ، ولعل النهضة هي الأدرى بالقدرة على الاستفادة من موقع الضحية.
ومن هنا وفي تقديرنا وبعد أن كان نداء تونس ، حزبا ليس جديرا بالمرافقة بل فقط بالعزل ، فإن النهضة أخذت تخطب وده ، بعد أن شعرت بأنه بات رقما لا مندوحة من وضع اليد  في يده.
وذكاء ودعنا نقول إن دهاء الغنوشي هو الذي غير المواقف ليس فقط بـ180 درجة بل حتى ب360 درجة، ولم تقع العودة لنقطة البداية ، بل حصل انقلاب في المواقف لعل الباجي كان مستفيدا أكبر منه ، ولكنه لم يكن المستفيد الوحيد ، بل أظهر الغنوشي أيضا أنه ليس فقط رجل سياسة بل رجل دولة ، يتولى التجميع لا التفريق ، ويعترف بالوقع متى نضجت ملامحه ، ويقدر على إقناع رجاله به إن بالإقناع أو بقوة المركز.
ولكن يبقى أن نداء تونس لم يحظ  لليوم بتجربة الانتخابات ، في ظل وضع ديمقراطي ، فهل يستطيع كما تبشره عمليات سبر الآراء بالجلوس في الموقع الأول ، أم إنه سيكتفي بالجلوس في المقعد الثاني في أسوء الأحوال.
**
الفارق كبير ، ووفقا للدستور فإن الحزب المرتب أولا هو الذي سيدعى من قبل رئيس الجمهورية ، لتشكيل الحكومة.
والواضح أنه ليس أحد من الأحزاب مؤهلا للحصول على أغلبية مطلقة في البرلمان المقبل ، أي 109 مقاعد ، لا تبدو كافية باعتبار المتغيبين أو الذين يغادرون بالحياة أو الممات.
وفي أدنى الأحوال فإن المراقبين يعتقدون أن الأغلبية المطلقة تحتاج إلى ما بين 120 و130 مقعدا ، ليس في الوارد أن ينالها أو ينال قريبا منها أحد بمفرده .
وإذا كانت النهضة قد جمعت 89 مقعدا بعد الانتخابات الأخيرة  واضطرت إلى اللجوء إلى مدد من المؤتمر والتكتل أي أكثر من 130 مقعدا للجلوس على أغلبية مريحة ، فلا أحد يتوقع لها مثل هذا الفوز في انتخابات 26 أكتوبر المقبل ، وإذا حصلت على المرتبة الأولى فإن رصيدها لن يزيد عن 70 أو 75 مقعدا وفقا لكل التقديرات ، فيما الاعتقاد السائد أن المؤتمر والتكتل في تراجع ، مرجعه أساسا ذلك التحالف غير الطبيعي مع النهضة ، ما صرف عنهما عددا كبيرا من ناخبي 2011.
أما نداء تونس المتمتع بعذرية من يتقدم لأول مرة للانتخابات، فإنه هو الآخر في نفس الوضع حتى إذا جاء في المرتبة الأولى ، وهو في حاجة إلى مدد يبدو أن العثور عليه هو أسهل من عثور النهضة هذه المرة عليه ، ولذلك فهي تدعو النداء خصمها الأول ومنافسها ، لأن يكون شريكها في الحكم ، وهو ما يتمنع عنه بدعوى اختلاف حاد في المرجعية الخاصة بالنمط المجتمعي.
وكل ذلك قضية أخرى سنتعرض إليها في المقال المقبل الرابع في هذه السلسلة .





-        - -------------------------------------------------------

(1)               التمرد اعتبرته الثورة الفرنسية حقا من حقوق الانسان وضمنته في دستورها الأول سنة 1789 ثم في دستورها الثاني سنة 1793 ، وتبناه العهد الدولي لحقق الانسان الصادر في سنة 1948 عن الأمم المتحدة في توطئته .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق