الموقف
السياسي
|
يكتبه عبد اللطيف
الفراتي
انقلاب في المشهد السياسي
من سيبقى .. من
سيندثر؟
تونس / الصواب /
30/10/2014
من سيبقى ؟ من
سيختفي ؟ من سيعود إلى حجم طبيعي ؟ من سيكون قد فاته القطار ؟ من يكون انتهى سياسيا ، ومن سيطفو من جديد ؟
أحزاب وشخصيات
مرموقة ، كانت تعتبر ذات وجود حاسم، وجدت نفسها " أوت " أي خارج الحيز
الذي دارت فيه اللعبة ، لفظها الناخبون، عند استعراض قائمة من القائمات في دائرة
معينة لم تحرز سوى على 7 أصوات ، هو بالضبط عدد المرشحين فيها.
حزب آخر له قائمات مرشحة في كل الدوائر ، ومرشح
للرئاسة ، لم يحصل زعيمه في مكتب الاقتراع
الذي ينتسب إليه، والمفروض أنه في منطقة
نفوذه بامتياز "son fief" سوى صوتين
اثنين.
في المقابل فإن من
يعتقد نفسه انتصر لا بد أن يكون أكثر تواضعا ، وأقل كبرياء وغطرسة ، فهو لم يصل
إلى عدد المقاعد التي وصلتها النهضة سنة 2011 ( 85 مقابل 98 )، وهو قادر إلا
"بالكورنو" وبصعوبة كبيرة على حيازة أغلبية مطلقة، بهشاشة مطلقة أكثر
لتشكيل حكومة ثم المحافظة عليها.
وبعد هذا وقبله
فإن الفائز الأول لا يستطيع أن يتبجح ، إلا بأنه نال من الأصوات أقل من 10 في
المائة من عدد التونسيين، 1.200 مليون من بين 10.978 مليون ساكن و39 في المائة من الأصوات الصحيحة ، و25 في
المائة من أصوات المسجلين .
لا نرغب في أن
ننزل بالمستوى ، ولن نطلق النعوت الجارحة التي
سادت بعد انتخابات 2011 ، ولا حتى تلك الألطف
منها التي قيلت بعد انتخابات 2014، ولكن
دعنا نقول كيف واجه العديد ليلتهم بعد أن ظهرت اتجاهات التصويت في الليلة الفاصلة
بين الأحد والاثنين.
و هناك أسئلة لا بد أن تطرح حول مصير منصف
المرزوقي (المؤتمر) ومصطفى بن جعفر ( التكتل)
ونجيب الشابي ( الجمهوري ) ومحمد الحامدي (التحالف الديمقراطي) وسمير الطيب
( المسار) ومحمد عبو (التيار الديمقراطي)
و عبدالرؤوف العيادي (الوفاء) والطاهر هميلة (الاقلاع) والحركة الدستورية (
عبدالرحيم الزواري ) والمجد (عبد الوهاب الهاني) و المبادرة ( كمال مرجان) وغيرهم
، هل سيبقون متزعمين أحزابهم ، بل هل إن أحزابهم أو بعضها مرشح للبقاء أولا.
والقائمة تطول
وتطول ، فستون فقط من الأحزاب شاركت في الانتخابات من 190 مسجلة وصاحبة ترخيص ، ما
يفترض أن 120 حزبا لم تقدم لا قائمات لا كثيرة ولا قليلة بل غابت ، وتعتبر اليوم
في حكم المنحلة، تضاف إليها أحزاب أخرى قد تصل إلى 45 كانت مشاركتها للمشاركة لا
غير، ولم تنل شيئا يذكر لا من الأصوات ولا من المقاعد.
أحزاب ملأت الساحة بضجيجها ، وهي اليوم تكتفي باجترار
مرارتها ، ومع المرارة فإنها مطالبة بإرجاع التمويل العمومي الذي نالته والذي لم
تصل إلى عتبة الحفاظ عليه لنتائجها المخيبة للآمال.
في مثل هذه الحالة فإن الفشل يؤدي بطبيعته إلى تغيير في
القيادة إن لم يكن تلاشي الحزب. هذا على
الأقل للذين يحترمون أنفسهم.
**
ولكن ورغم ذلك
تجد تونس نفسها أمام واقع يقوم على عدد من المعطيات:
-
أنه لم تتوفر أغلبية مطلقة ، بل ومن الصعب أن
تتوفر بسهولة .
-
أن السناريوهات المحتملة تعتمد خيارات أحلاها
مر إن كانت كلها أو بعضها ممكنة :
1/ سيناريو أغلبية مطلقة شديدة الهشاشة بجمع
( النداء : 85 نائبا + آفاق : 8
+ المبادرة :3 + الجبهة الشعبية : 15 + مع احتمالات 3 أو 4 من أطراف أخرى)
المجموع : 114 نائبا
أي بأغلبية ضعيفة وهشة لا تكون قادرة على مواجهة
التحديات الكبرى ، واتخاذ القرارات الصعبة
التي يستلزمها وضع معقد جدا، للخروج من الأزمة التي تركت الحكومات المتعاقبة البلاد فيها ، هذا فضلا على
أن هذه الأغلبية تترك الوضع معلقا، باعتبار أنها ليست أغلبية تقوم على الثلثين اللازمة لتمرير القوانين الأساسية
، ويمكن بذلك أن تمنع الحكومة من الحصول على قرار بشأن القوانين الأساسية ، أو
التشكيلات الدستورية.
2/ السيناريو الثاني يقوم علـــى تحالف واسع برلماني : ( بجمع نداء تونس 85 مقعدا + حركة النهضة 69 مقعدا + آفاق 8 مقاعد
+ المبادرة 3 مقاعد + 4 أو 5 مقاعد أخرى من الأحزاب أو المستقلين أي مجموع حوالي 170 مقعدا ، ما يكسر احتمالات الثلث المعطل ، ويكون
الثمن دخول النهضة في أجهزة الحكم ، وربما نيلها رئاسة المجلس النيابي ممثلة
بالشيخ مـــورو أو علي العريض و 4 أو 5 وزارات ، كل هذا مع استثناء الجبهة الشعبية
التي ترفض أن تكون في حكومة يجلس فيها حزب حركة النهضة ، ولما كان واجبا إعطاء
مناصب وزارية لأطراف هذا التحالف الحكومي بما فيها المسار ( الحديث عن العميد فاضل
موسى كوزير للعدل) ، فإن الحكومة ستكون موسعة جدا لإرضاء كل الأطراف.
3/ السيناريو الثالث يقوم على حكومة ترأسها جهة مستقلة
ولكن سياسية ، وتتشكل من كل الأحزاب التي تقبل ذلك وتضمن عدم وجود ثلث معطل. وتجعل
الأحزاب المشاركة فيها غير مسؤولة ولو نظريا، على أخطائها للدخول نظيفة في أي
انتخابات مقبلة.
**
تبقى أن كل هذه السيناريوهات مرتبطة بمســـألة رئاسة
الجمهورية ، والموقف منها يشكل في كل
الأحوال الدخول في ائتلافات مهما كان نوعها.
ويعتقد المراقبون أن الباجي قائد السبسي سيواصل على طريق
الحرص على أن يكون رئيسا للجمهورية في المستقبل ، وبذلك يدخل التاريخ بتلك الصفة.
وحسابيا وليس الحساب دائما صحيحا في مثل هذه الأحوال، فإنه يتوفر على قاعدة انتخابية
صلبة يعتقد عن حق أو باطل هو وحزبه إلى أنها ستقوده للنجاح منذ الدورة الأولى ( 39
في المائة من مخزون التشريعيات ، مع حوالي 10 إلى 15 وافدة من الجهات القريبة منه
مثل آفاق ( حوالي 4 في المائة ) والمسار، الذي لا ينبغي بيع جلده
قبل الأوان فهو حزب يجر مائة سنة من الوجود ، ومجموع المستقلين وبعض الأحزاب الصغيرة القريبة
منه أي من النداء ، هذا في انتظار انسحابات متوقعة قد تصب في طاحونته.
ويبقى موقف النهضة محددا بمخزون أصوات لا يقل عن 30 في
المائة ، لمن يمكن أن تصرفها ، وهي في كل الأحوال لا يمكن أن تذهب كاملة للباجي إن
دعت للتصويت له ، وجانب منها يذهب للمنصف المرزوقي حتى لو دعت النهضة للتصويت
لغيره.
ولعل المنصف المرزوقي هو المنافس الوحيد الجدي للباجي ،
وإن كان منطلقه ضعيفا باعتبار انهيار حزبه ، لكن المصوتين له يشقون كل قواعد
الأحزاب ، ولكن أيضا هل سيكفل له ذلك
مواجهة متكافئة مع الباجي الذي كانت كل الدلائل تشير إلى احتمالات نجاحه في كل
الأحوال.
والنهضة لا بد لها أن تضع في الاعتبار ، شرط نداء تونس للقبول بمشاركتها في الحكم رغم الحاجة الملحة
إليها ، وهو شرط الدعوة من طرفها لانتخاب زعيمها قائد السبسي ، كما إن النهضة تخشى إن بقيت خارج الحكم ،أن
يكون ذلك إيذانا بتهميشها في أي انتخابات
مقبلة ، وهو أمر تحتاط له وتقرأ له ألف حساب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق