Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

الموقف السياسي : بعد الانتخابات ما هو الآتي

الموقف السياسي
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
بعد الانتخابات
التوازنات الجديدة ..في الساحة السياسية
تدفع إلى السطح بالمرجعية المدنية
و قد تفرض تحالفا بين النداء والنهضة
تونس / الصواب / 26/10/2014
كما كان متوقعا فإن المشهد السياسي شهد انقلابا  سلميا حضاريا عميقا ، بعد الانتخابات التشريعية ليوم 26  أكتوبر 2014 ،  فقد تركت الأغلبية في المجلس التأسيسي المنتخب في 23 أكتوبر 2011 ، تركت مكانها لأغلبية جديدة أزاحت النهضة والمؤتمر والتكتل من موقعها ، في انتظار ما سيحصل من تفاعلات ،  تبرز واقع الأغلبية الجديدة التي ستترجم  النتائج الحاصلة إلى توازنات جديدة.
الأرقام غير مهمة جدا، والمهم هو طبيعة الواقع الجديد على الأرض :
أولا  : أنه وكما سبق أن كتبنا على أعمدة هذه المدونة ، فإن الرهان كان قائما ، على نمط المجتمع ، وهل ستتحكم فيه مرجعية دينية في المحـــــصلة أو مرجعية مدنية ( اقرأ مقال عن رهانات الانتخابات المقبلة  بتاريخ منشور مع هذا المقال).
وبالرغم من كل الماء الذي وضعته النهضة في طاحونتها ، على رأي المثل الفرنسي حتى لا نسوق مثالا آخر أبلغ قد يجرح شعور الكثيرين ، وذلك منذ شهر ماي 2012 عند كتابة الفصل الأول من الدستور ، وخاصة  التنازل عن وضع الشريعة كمصدر للتشريع ، والعودة إلى الفصل الأول كما تصوره الرئيس الحبيب بورقيبة في دستور 1959، ركيزة الدولة المدنية ، ثم التنازل عن اعتبار المجلس الاسلامي الأعلى كهيئة  دستورية ، وكل التنازلات الأخرى ، فقد بقي جانب كبير من المواطنين غير متأكدين من مدنية  مرجعية النهضة ، خصوصا  إزاء تصريحات متكررة لأقطاب منها ، منهم اللوز وشورو والوجه الجديد من صفاقس إمام جامع سيدي اللخمي أو اللخمي  الشيخ الجوادي.
ثانيا : أن الانتخابات الأخيرة بعد مرور 3 سنوات أبرزت كما سبق أن كتبنا عدة مرات ، أن مخزون أصوات النهضة  هو ما بين 25 و30 في المائة ، هؤلاء لا يتزحزحون عن موقفهم ، نجحت النهضة أو فشلت سياساتها ، ربما يضاف إليهم في فرص قادمة ( بعد خمس سنوات أو أقل في حالة حل البرلمان من قبل رئيس الجمهورية قبل الموعد )  كل الغاضبين من أداء من سيحكمون ، ومهما كانت التحالفـــــــات المقبلة ، وسواء كان رئيس الحكومة من نداء تونس أو من خارجــــه ، فسيتحمل نداء تونس ، عبء الغضب الشعبي المحتمل باعتبار ضخامة  التحديات ، وعدم القدرة على النجاح في مواجهتها .
ثالثا :  إن النجاح بأغلبية حزبية في هذه الانتخابات (84 إلى 85 مقعدا حسب المصادر أي أقل من الأغلبية النسبية التي حصلت عليها النهضة سنة 2011 بـ 89 مقعدا ) ، يجعل الحكومة المقبلة في حالة تأجيل تنفيذ بحسب إرادة الائتلاف الذي سيقوم ، أو جانبه الغير ندائي ، باعتبار أن نداء تونس لا يمكنه بمفرده أن يشكل أغلبية مطلقة وبالتالي حكومة منفردة اللون.
وحتى حكومة النهضة المؤتلفة مع المؤتمر والتكتل ، كانت في نفس الوضع ، غير أن تمسك منصف المرزوقي برئاسة الجمهورية ،  ومصطفى بن جعفر برئاسة المجلس التأسيسي ، لم يهددها في أي وقت من الأوقات ، وحتى عندما أخرج وزراء التكتل والمؤتمر إضافة إلى النهضة ( صوريا في أحيان كثيرة من الأحيان بالنسبة للنهضة) من الحكومة ، بقيت الأغلبية حفاظا على منصبي رئيسي الحزبين التكتل و المؤتمر، الحزبان اللذان دفعا الثمن الباهظ  لتأييد الـــنهضة  غير المشروط ، ولم يعد لهما وزن يذكر بعد انتخابات 26 أكتوبر، وباتا بين أحزاب ما يقارب الـ صفر فاصل ، التي كم تشدقوا بها.
**


هل يدخل النداء والنهضة في تحالف نيابي
(بـأكثر من 150 نائبا ) وعلى أي أساس ؟
صفحة تم طيها بين 2011 و2014 هي صفحة حكم النهضة التي كان يمكن أن تحكم منفردة لولا عاملين اثنين ، كان المجلس التأسيسي بأغلبية  تفوق 130 نائبا من 2017 قليل التأثير فيها ،
أحدهما هو المجتمع المدني وفي فرصة واحدة أو فرصتين  مصطفى بن جعفر، وفي فرصة وحيدة منصف المرزوقي ، ففي قضية الكتابة الجديدة للفصل الأول من الدستور بإقحام الشريعة ، وفي قضية إقحام إقامة مجلس إسلامي أعلى له حق فيتو على النصوص القانونية التي لا يراها تتماشى مع "شرع الله" ،  وقف المجتمع المدني بقوة فأسقط المشروعين النهضويين ، ما سمح بالقول بأن الدستور دستور 27 جانفي 2014 يعتبر عموما ركيزة للدولة المدنية لا الدولة الدينية.
ثم أن التطورات المصرية في يونيو / يوليو 2104 ، والتمرد الذي أنزل للشارع ملايين المصريين ضد الرئيس الأسبق مرسي ،  وهو تحرك جماهيري معترف بشرعيته ومشروعيته سواء باعتبار دستور الثورة الفرنسية الأول 1789 ودستور الثورة الفنسية الثاني 1793 وكذلك العهد الدولي لحقوق الانسان ، والذي قفز عليه الجيش المصري واستغله لإعادة نظام عسكري أسقطته ثورة 25 جانفي 2011 ، عشرة أيام بعد نجاح الثورة التونسية.
فقد عرفت النهضة كيف تستفيد من أخطاء الإخوان في مصر ، قبل وبعد إسقاط نظامهم التسلطي المنفرد ، وتحاشت الأخطاء الفادحة التي سقطوا فيها ، وفهمت أن الأغلبية النيابية لا تكفي ( خصوصا زمن غيابها فقد كان مرسي يحكم بدون برلمان) ، وأن المجتمع المدني والشارع لهما كلمتهما في الأمر، ولذلك انحنت النهضة بذكاء قائدها  للإرادة الشعبية ، سواء في  اعتصام باردو أو أمام  المظاهرات الثلاث التي جمعت مئات اللآلاف  في أوت 2014 خاصة ، وفي اعتصام النواب أمام المجلس ، والحركة الذكية لمصطفى بن جعفر ، بإيقاف أشغال المجلس التأسيسي ، وهي حركة جاءت متأخرة من جهة ومنفردة بعد كل السمع والطاعة للنهضة  حفاظا على كمشة من المقاعد بدون صلاحيات تذكر وبلا تأثير فعلي ، بعد أن استحوذت النهضة على قرار التسميات والتعيينات منفردة ، وبالتالي لم تفده أي مصطفى بن جعفر  ولم تفد حزبه في الانتخابات الموالية التي خرج منها حزبه بمقعد فريد (19 في سنة 2011)، فيما اكتفى المؤتمر بأربعة بعدما انشق منه ما انشق ، وبعد ما رفعت النهضة يدها من مد يد المساندة له ومدته بالمترشحين من صفوفها وفي مقدمتهم سمير بن عمر حرصا أيضا هذه المرة على إنقاذ نفسها أولا.
استفادت النهضة من الدروس ، واعتبرت أن النيابة وحدها غير كافية ، ولذلك كانت من الليونة ، ما جعلها تتأقلم مع التطورات ، بعكس ما حصل في مصر مع الإخوان ، الذين تصرفوا بعجرفة ، فكان مصيرهم المحتوم معروفا مسبقا ، وإذ حاولوا الانفراد بالقرار فإنهم خسروا كل شيء.
درس بليغ أعطته النهضة لمن سيحكم هذه البلاد ، وخاصة للحزب الأول الذي سيدعى لتشكيل الحكومة سواء من صفوفه أو بصورة ائتلافية أو بحكومة خبراء.
ولكنه وفي كل الأحوال فإنه سيتحمل وزر التحركات المقبلة للسلطة.
**
هل تصل المدة النيابية إلى غايتها أي لمدة 5 سنوات ؟
ما هو المتوقع بعد الانتصار الذي حققه نداء تونس ، وما ستكون آثاره ، وماذا سيحصل بعده:
1/ ينبغي انتظار من سيكون رئيس الجمهورية ، وإذا حصل وكان قائد السبسي فإن النداء سيحمل كل الوزر .
2/ إن قرارات غير شعبية وكثيرة وثقيلة مطلوبة من الحكومة التي ستعرفها تونس خلال السنوات القادمة ( ولا أحد يعرف كم ستدوم عام أو عامين أو ثلاثة أو لكل المدة ) بعد جمود مقصود سواء لحكومتي النهضة أو حكومة الكفاءات وكانت ثلاثتها تعمل على الانتظار.
3/ إن سببا رئيسيا في صعود نداء تونس لا يكمن في قوته الفعلية ، وإذا كانت النهضة تتوفر على مخزون قار من الأصوات بين 25 و30 في المائة حسب تقديرات الملاحظين ، فإن لا أحد يعرف تقديرات مخزون أصوات نداء تونس ، الذي التجأ إليه الكثيرون ، في إطار ما سمي بالتصويت المفيد ، غير مقتنعين به ، إما لزعامته أو لكثرة (ما ) فيه من دساترة وتجمعيين ، أو لعدم وضوح الرؤيا لديه ( وهو يشترك في ذلك مع كل الأحزاب وفقا لما استنتجناه من دراسة 25 برنامجا انتخابيا.) 
4/كيف ستكون التركيبة المقبلة البرلمانية والحكومية. وماذا ستعرفه من تحالفات.
أ/ بينما نادت النهضة منذ زمن بتحالف مع نداء تونس كان يرفضه الأخير، عاد الباجي قائد السبسي في آخر لقاء صحفي له مع نسمة لعدم رفض احتماله ، وأكده بعد ذلك في عدة مناسبات.
وإذا كانت الكتلة التحالفية بين الاثنين تبلغ  أكثر من 150 نائبا وهي كتلة أكثر من كافية نيابيا  ولكن هل هي كافية لترويض مجتمع مدني تعلم كيف يكون متمردا ، فمن من الآخرين يمكن أن ينضم ، الحزب الثالث الوطني الحر يرفض أي تحالف إن لم يكن رئيسه سليم الرياحي رئيسا للحكومة ، وهو أمر مستحيل كما سنرى لاحقا، والجبهة الشعبية من الأكيد أنها سترفض التحالف مع النهضة مهما كان الثمن،  وهي الأقدر على التعبئة من داخل المجتمع المدني، وآفاق ليبرالية جدا ولكنها يمكن أن تلتحق، فيما المبادرة يمكن أن تحكمها رغبة جامحة لفرض نفسها كقوة دستورية وحيدة للمستقبل ،  خصوصا إذا دعيت لحكومة مقبلة،فيما البقية لا يزنون مطلقا  من الناحية النيابية أي في المجموع أكثر من 170 نائبا من جملة 217 . كل هذا إذا لم تكن الرغبة جامحة أيضا لدى نداء تونس بالاستحواذ على الثلاث رئاسات الجمهورية في شخص الباجي قائد السبسي ومجلس نواب الشعب في شخص محمد الناصر والحكومة في شخص الطيب البكوش ، وعندها يكون قد ارتكب خطأ أكبر من ذلك ارتكبته النهضة سنة 2011 ، ودفعت ثمنه غاليا.
لكن وإذا شعرت النهضة من خلال استطلاعات الرأي أنها أصبحت قوة أولى  عتيدة ،  ألا تنكث العهد وتسقط الحكومة في أي وقت  بحجب الثقة ، فيضطر رئيس الجمهورية مهما كان لحل المجلس والدعوة لانتخابات سابقة لأوانها تفوز فيها النهضة.
ب/ يبقى أن المرء لا يمكن أن ينهي دون أن يقف عند انهيار المؤتمر والتكتل والجمهوري والتحالف الديمقراطي والمجد ووفاء والإقلاع والديمقراطيين الاشتراكيين ، والمسار وغيرهم .
المفروض أن تختفي عدة أحزاب  أو تتوحد ، ولكن السؤال كيف سيحافظ الكثيرون على ترشحهم للرئاسية ، وهم في التشريعية على هذه الحال من الهزال ، وفي مقدمتهم منصف المرزوقي ، الذي يبدو أن النهضة ستتخلى عنه  لتدعم  شخصا أخر  في نطاق صفقة مع الباجي ، ولكن أيضا الشابي  و الحامدي وبن جعفر وغيرهم ممن لم يجربوا حظهم في التشريعية ، خصوصا بعد ما أعلن الهاشمي الحامدي عن انسحابه.
مقابل هذا من هو الشخص الذي سيتفق بشأنه لرئاسة الحكومة ؟ هل يكون الزنايدي أم  النابلي أم مرجان أم سيقع الحفاظ على مهدي جمعة أو غيرهم ،  وفي هذه الحال هل تؤول الرئاسة ورئاسة الحكومة إلى الحراس القدامى الوافدين من حزب الدستور.
ثم سؤال أخير ، هل ستكون حكومة حزبية أم ائتلافية أم حكومة كفاءات . ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق