يكتبه عبد اللطيف الفراتي
الانتخابات .. على أعتاب الدولة
الديمقراطية (2)
تونس / الصواب / 08/10/2014
ليس من السهل التنبؤ بما سيؤول إليه حال البلاد ، بعد 26 أكتوبر المقبل ، أي غداة
الانتخابات التشريعية ، ففي بلد مثل تونس يمنع فيه نشر نتائج عمليات استطلاع الرأي
على مدى ثلاثة أشهر قبل الاقتراع ، هذا إذا سلمنا بصحتها وبأنها لم تكن نتيجتها من
فعل تلاعب، أو على الأقل ضعف في المهنية، لا يبقى للمرء إلا أن يتكهن ويسير في
ظلام دامس.
وفي البلدان الديمقراطية ، حيث يمنع
كذلك نشر نتائج استطلاعات الرأي وطنيا على مدى 3 أشهر قبل يوم الاقتراع ، فإن تلك
النتائج تنشر في صحافة البلدان المجاورة ، وتوزع داخل البلاد أو تلتقط داخل البلد ،
وبذلك تكون معلومة.
ومن هنا فإن التلمس لا يمر حتما عبر
توقعات أكثر أو أقل جدية ، ولكن باستقراء المواقف ، مواقف الزعماء وتصريحاتهم.
**
هناك تصريحات مفاتيح للقيادات من
النهضة:
أولها ما جاء من حديث على لسان
الأستاذ راشد الغنوشي في قناة نسمة ، وبدا منه أنه يسعى للم الشمل والتوافق وأن حظوظ النهضة في العودة إلى المرتبة الأولى
غير مؤكدة ، والدعوة الصريحة من طرفه لوضع
اليد في اليد هو ونداء تونس لحكم البلاد ، ما تم الاستشفاف منه أنه غير واثق بأن
تكون النهضة هي الحزب الأول وبالتالي المدعو لتشكيل الحكومة ، بل لعله على يقين
بأن النهضة لن يكون في الوارد أن تكون في مقاس نداء تونس، استنتج الكثيرون (
سريعا) بعد ذلك أن النهضة حسمت أمرها بأنها لن تكون الحزب الأول ، ولذلك فإنها
تسعى لأن يكون لها نصيب من كعكة الحكم ، واســــتنتج آخرون أنها تقبل بائتلاف لا تكون
في قيادته، كما حصل بعد انتخابات 2011، و بات واردا أن استمرارها في السلطة متزعمة ائتلافا كانت تسيطر فيه بالكامل مع
المؤتمر والتكتل الذين لم يكونا سوى شخوص كومبارس من أجل بعض المناصب المغرية لم يعد متوقعا ، وهي سلطة اضطرت للتخلي عنها
أمام القوة الضاربة لأحزاب معارضة استقوت على الحكم بمخالب مؤذية لمجتمع مدني ، برزت
قوته ، وأحداث مصرية نبهتها إلى أن كل شيء محتمل.
لكن في التحليل النهائي هناك من يرى ـ
ولعله محق في ذلك ـ أن النهضة – تبرز في دور مسكنة هي متعودة عليه، هو ودور الضحية
، وأنها واثقة من النجاح ولكنها تعمد إلى دور ضعيف ، علها تستقطب كل من انفض من
حولها بين 2011 و2014 .
ثانيها تصريح الشيخ عبد الفتاح مورو في صحيفة " العربي
الجديد" القطرية ، التي ستستعملها قطر هي وقناة تلفزيونية في الطريق ، بعد ما
تهرأت الأدوات الإعلامية الأمريكو – قطرية
وفي مقدمتها قناة الجزيرة التي فقدت بريقها ، ويقول الشيخ مورو نائب رئيس الحركة الخالي من التأثير في القرار
النهضاوي :" الاسلاميون في تونس
سيخرجهم الصندوق من الحكم في الانتخابات القادمة ..والنهضة كادت "تدخل في
الحائط" ..و"الإسلام هو الحل" شعار فارغ ".
سؤال مطروح بإلحاح : هل هذه مواقف تدل
على قناعة فعلية لدى النهضة ، أم هي تسويق لكسب مزيد من الأصوات ولتخويف الأنصار،
ليس فقط بخسارة الانتخابات ، وصعود الجهة المعاكسة ، وما سيستتبع ذلك من احتمالات
انتقام ، لا تعشش وفق تقديرات المراقبين إلا في أذهان النهضاويين من القيادات الوسطى.
لكن لنرى صوتا آخر ليس من
قياديي النهضة ولكنه في نظر الكثيرين ما هو إلا تعبيرا غير رسمي عنها، أي علي
اللافي مراسل جريدة القدس في تونس ، وهو قومي عربي ،انتقل نهضاويا بعد انتخابات
2011 ، ويعتبرا معبرا عن دواخل النهضة غير المعلنة ، يقول في مقال مطول : إن نداء
تونس سوف يكتفي في أحسن الأحوال بثلاثين نائبا في البرلمان الجديد (عدد الأعضاء
217) أي إنه ليس الحزب الذي سيدعى لتشكيل الحكومة ، واستنتاجا فإن النهضة هي التي
ستحصد أغلبية إما مطلقة أو نسبية وسواء في إطار حزب أو في إطار ائتلاف انتخابي ،
تفرض على الرئيس المقبل أيا كان أن يدعوها
لتشكيل الحكومة بنص الدستور(1) .
**
يبدو أن حزب نداء تونس
واثق من أنه هو الذي سيحصد الموقع الأول من حيث عدد المقاعد في مجلس نواب الشعب ،
وهذا ما أبرزه زعيمه الباجي قائد السبسي في عديد المناسبات.
وما تستند إليه قياداته
في تصورها هذا هو ما تؤكده نتائج استطلاعات الرأي المنشورة والمعروفة حتى 26
جويلية الماضي ، وما تم تسريبه من تلك
النتائج من طرف جهات أجنبية اعتمدت
استطلاعات رأي أمريكية وفرنسية بالخصوص.
ولكن للمرء أن يتساءل
أيضا إن لم يكن في ذلك التفاخر وما يبدو من وثوق بالنفس جانب من الخديعة للحط من
معنويات المنافس ( بلوف) Bluff.
ويبدو اليوم أن الباجي
قائد السبسي من جهة ومساعديه من جهة أخرى في أتم الشعور بأن الانتخابات (مربوحة )
وفي الجيب.
ومن هنا فإنه أي
الباجي قائد السبسي في موقع الرفض لكل
عروض الأستاذ راشد الغنوشي بائتلاف واسع يشترك فيه النداء مع النهضة مع أطراف أخرى
، والنهضة على ما يبدو تخشى كل الخشية بأن تنفرد بالنداء سواء نجحت وكانت في
المرتبة الأولى أو في مرتبة ثانية.
فيما إن الباجي قائد
السبسي الذي كان يدعو لائتلاف واسع واستعداد للحكم مع النهضة ، أيام كانت الصورة
أمامه ضبابية ، وكان التداول في استطلاعات
الرأي بين المرتبة الأولى والثانية بالنسبة إليه معتمدا ، قد قطع مع ذلك مستنتجا أنه وحزبه سيأتيان
في مرتبة أولى مؤكدة ، فنكص على عقبيه واكتشف استحالة الحكم مع حزب يصفه بأنه ذو
مرجعية دينية وليس مرجعية مدنية.
وتبدو الصورة وكأن
الشيخين يستعملان كل الدهاء الذي في حعبتيهما ، وهما يخفيان حقيقة ما سينتهيان
إليه لا فقط بعد الانتخابات التشريعية ولكن حتى انتظارا لنتائج الانتخابات
الرئاسية.
**
اليوم فقط تنبهت الطبقة السياسية إلى دهاء الغنوشي ، عندما رفض
الاقصاء السياسي ، فسمح لعديد من التجمعيين القدامي بالترشح ، وقضم جانب من الرصيد الانتخابي للنداء
، كان مؤكدا أنه سيذهب في كل الأحوال لحزب الباجي قائد السبسي.
كما تبهت إلى غباء
التجمعيين الذين سقطوا في الفخ بأعين مغمضة ، مهددين واقعا وفعلا بعودة قوية
للنهضة إلى السلطة ، في ظل تشتت كبير للأصوات هي ـ أي النهضة ـ المستفيد الأول منه.
ولعله وجب للنهضاويين
الذين كانوا مع إقصاء التجمعيين أن يبوسوا أيدي الأستاذ راشد الغنوشي ، فهو
بمناورته الذكية الذي أعاد إليهم أملا محتملا ، بأن تكون النهضة هي الحزب الأكثر
مقاعدا ، أي الحزب المدعو لتشكيل الحكومة ،
وهو حزب كما حصل في سنة 2011 سيجد من الطامعين في الكراسي والمواقع مثل الحزبين
"العلمانيين" المؤتمر والتكتل وتكالبهما ، وسيقيم ائتلافا ولو بوجوه جديدة ،
في حالة انهيار التكتل والمؤتمر (هذا إذا حدث فعلا) ، وهناك مجال واسع بداية من
الجمهوري وأحمد نجيب الشابي حتى الفقاقيع التي ستظهر من خلال مجلس نواب الشعب
المقبل المتشرذم.
**
ولكن وفي الأثناء وفي
غياب عناصر مؤكدة من يقول ومن يستطيع أن يجزم ، أن رصيد النواب الأكثر سيكون بين
النهضة والنداء ، ألم يتنبأ الصحفي
النهضاوي بقدرة قادر علي اللافي بأن نداء تونس لن يستقر إلا على 30 نائبا. ألم تقل
جهات متعددة أخرى أن النهضة هذه المرة لن يفوق رصيدها 40 أو 50 نائبا.
كل هذا يبدو مستحيلا ،
ولكن يوم 26 أكتوبر سيأتي بالجواب اليقين.
(1)
الفصل 89 من الدستور وينص في فقرته
الثانية على ما يلي : في أجل أسبوع من الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات ،
يكلف رئيس الجمهورية، مرشح الحزب أو الائتلاف الانتخابي المتحصل على أكبر عدد من
المقاعد بمجلس نواب الشعب ، بتكوين الحكومة خلال شهر يجدد مرة واحدة، وفي صورة
التساوي في عدد المقاعد يعتمد للتكليف عدد الأصوات المتحصل عليها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق