Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الثلاثاء، 25 سبتمبر 2018

الموقف السياسي : من الباب الصغير أو من النافذة المواربة

الموقف السياسي
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
من الباب الصغير ....
تونس / الصواب / 24/09/2018
" ...فقد بات في حكم الواقع اليوم أن يوسف الشاهد المصر على البقاء في رئاسة الحكومة ، بات مسنودا لا فقط من النهضة وخرج من قبضتها  أو ما يقوله أعداؤه من أسرها ، وبات مسنودا من كتلة ممن يصفون أنفسهم بالوسطيين المستنيرين ، وإن تشكلت من 34 نائبا في المنطلق ، فالمعطيات المتاحة لدينا تفيد بأن عددهم سيتعزز بـ19 نائبا على الأقل ، وذلك قبل بداية السنة البرلمانية الأخيرة في عمر مجلس النواب الحالي ، الذي سيترك مكانه بعد انتخابات في خريف 2019 ، إذا قدر لها وانتظمت. "
هذا ماكنت كتبته في مدونة الصواب بتاريخ 29 أوت 2018 تحت عنوان " السنة الأخيرة في المدة النيابية" ، لم أكن أرجم بالغيب ولكنها معلومات ترامت إلي من مصدر جد مطلع وجدير بالثقة الكاملة ، كما ينبغي لصحفي  يحترم مهنته ، أن يكون متأكدا وأن يزيد فوق التأكيد تأكيدا ، ولقد بلغتني تلك الأخبار قبل أسبوع على الأقل من نشرها ، ولكني حرصت على زيادة تأكيدها كما يقتضي شرف المهنة الصحفية التي درستها ( بتشديد وفتح الراء ) لفترة من الزمن.
**
قبيل انتخابات الرئاسة لسنة 2014 كنت عنونت مقالا لي نشرته هو الآخر على مدونة الصواب كما يلي : " أصوت للباجي مكرها لأني لا أثق في المرزوقي" كان ذلك قبل أقل من أسبوع على الدورة الثانية.
**
البارحة وأنا أشاهد أداء الباجي قائد السبسي أمام المذيعة الموهوبة مريم بالقاضي، للحقيقة أشفقت عليه ، هل هذا حقيقة هو الباجي قائد السبسي المناور الماكر  والداهية بكل المعاني السامية للمكر والدهاء السياسي ، الذي عرفته في الستينيات وفي السبعينيات وفي الثمانينيات ، عندما كنت أزوره في مكتبه في وزارة الخارجية ، فنتحدث في الشأن الدولي ، ويكون لسعة اطلاعه ،  وقدرته الفائقة على التحليل والتفكيك ، عونا لي لاستشفاف حقائق لم يكن يتسنى لي أن أعرفها أو أطلع عليها  بدونه أو بدون غيره وقتها  وقتها ، كما سبق لي التردد على مكاتب غيره من ووراء الخارجية على غرار محمد المصمودي ، وغير الخارجية كمحمد الناصر ومحمد الغنوشي والطاهر صيود وخاصة إسماعيل خليل والجنرال الموهوب عبد الحميد الشيخ والحبيب الشطي والأستاذ الكبير المعلم الشاذلي القليبي سواء في مناصبه الوزارية المختلفة أو في الجامعة العربية ، وحامد القروي والرشيد صفر والهادي البكوش والرئيس فؤاد المبزع ، وباستثناء الرئيس المرزوقي ، الذي لم أزره سوى مرة واحدة في مجموعة من أعضاء لجنة تقصي الحقائق بعد الإنتهاء من تقريرها   في أفريل 2012 ، وبعد جفوة أصابت تقريبا كل أعضاء الهيئة  المديرة للرابطة 1989/1994 مع رئيسها المرزوقي بسبب تفرده في اتخاذ القرار واتخاذ قرارات لم يسبق أي تشاور بش،ها داخل الهيئة حتى فضيحة مؤتمر ، 994  1مما حرمه على عكس كل سابقيه من صفة الرئيس الشرفي.
تساءلت  بيني وبين نفسي : هل إن ما أصاب الباجي البارحة ، هو لوثة شيخوخة ظهرت أعراضها حديثا عليه ، وكنت قد زرته صحبة توفيق بودربالة لتسليمه التقرير النهائي للجنة المستقلة لشهداء الثورة و مصابيها في أفريل الماضي،  وهي  المشكلة بقانون ، والتي شغلت فيها  موقع المقرر العام ، فأعجبت بالرجل ومدى وضوح وجلاء فكره وصحو عقله وسرعة بديهته ، أم  هل إنه ضعف المرء أمام ابنه عندما تتقدم به السن  ( الأب لا الابن)، فيعامله كالطفل المدلل الصغير  غير منتبه إلى أنه رئيس دولة  ،وليس في حضرة عائلته الصغيرة ، فينسى واجباته الكبيرة أمام أحاسيسه الصغيرة .
**
استنتاجاتي السريعة أن الرجل بات له هاجس واحد وهو مصير ابنه على رأس نداء تونس ، ذهب النداء وتشتت أكثر مما هو مشتت ، أو بقي ما لم تعد له حظوظ في البقاء ، وهو لذلك  أي الرئيس    يضع ماضيه ، وحاضره ومستقبله إن كان ما زال له مستقبل على كف عفريت ، مهمته اليوم كأب  ليس معروفا إن كان واع بما يفعل أو غير واع ، أن يضمن ـ يقول ذلك أو لا يقوله ـ التوريث لابنه لا توريث قصر أو ضيعة ـ إنما بلد بأكمله يرفض التوريث ، وفي سبيل ذلك يبدو مستعدا للتضحية بكل شيء بالحزب ، بالبلاد ، بالاستقرار وحتى بسمعته التي كان يمكن أن يدخل بها التاريخ من بابه الكبير، ولكن وفي زمن ضعف استبعد بكفه كل ذلك ، للخروج لا من الباب الصغير بل من النافذة ، الضيقة ، قاطعا بذلك خيط معاوية ، مع حركة النهضة التي استفادت منه أكثر مما استفاد معها ، دليل ذلك الانتخابات  البلدية الأخيرة  ونتائجها.
أما التوافق فإنه لم يسقط تماما  كما يعتقد البعض ، ولكنه تحول اتجاهه من الباجي إلى الشاهد ، ولكن بشروط أقسى و أمر، وبأدوات أقل مضاء وهذا الأخير ، أي الشاهد ليكون له حظ لا بد له من أداة ، هذه الأداة ، هل تكون حزبا جديدا مؤسسا على أنقاض النداء ، أم سيستولي الشاهد وأنصاره على النداء الذي تحول إلى قوقعة فارغة  ، بعد أن غادروه كما يسارع الركاب  بمغادرة سفينة تغرق  ،
هل كما فعل بورقيبة مع الحزب الحر الدستوري القديم  عام 1934، فاستعمل شعبه وهياكله في مؤتمر قصر هلال ،   يقدم  الشاهد  على تكرار المغامرة فيلجأ للاستيلاء على تلك القوقعة ، غير أنه ، أين بورقيبة وحذقه ليقوم  الشاهد مثله  بمثل ذلك العمل.
فقط إن للشاهد قوة لم يحسبوا لها جميعا  حسابها ، وهي إدارة عمومية تحت سلطته كرئيس حكومة ، شديدة  الكفاءة يمكن أن تخدم ركابه ، كما خدمت من قبل  ركاب الباجي قائد السبسي ، وما أسمتها النهضة الإدارة العميقة ، وهذه قوة ضاربة تستطيع أن تفعل المعجزات.
حقيقة أخرى كل هؤلاء المنسلخون من النداء ، ما هي حظوظهم غدا في انتخابات مقبلة ، و الاستشارات الانتخابية  المقبلة تدق الباب ، والنهضة تستعد لها منذ أربع سنين .
لنا عودة
fouratiab@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق