الموقف السياسي
|
يكتبه عبد
اللطيف الفراتي
المأزق
التعليمي يستقطب وقتيا ؟ والأخطر في
الطريق
تونس /
الصواب / 19/12/2018
في حالة ما
إذا تواصل الشد والجذب بين وزارة التعليم وجامعة التعليم الثانوي ، وهو في حقيقة
الأمر بين الحكومة ككل ووزارة المالية خاصة ، وتلك الجامعة ( وربما قيادة اتحاد
الشغل رجل هنا ورجل هناك) ، فما هو مرشح للحدوث خاصة إذا لم يوجد حل واستمرت
المقاطعة ولو الجزئية لعدم إجراء الامتحانات لثلاثية أخرى أو للثلاثيتين المتبقيتين إلى آخر السنة .
وإذ عدنا
القهقرى بالتنازل المذل عن إصلاح مهم للوزير الأسبق ناجي جلول
بما فيه
اعتماد السنة النصفية بدل الثلاثيات تبركا ، بما هو معمول به في فرنسا التي لا يعد التعليم
فيها في أحسن أحواله أو متقدما ، فضلا عن إصلاحات أخرى تقدمية ، والحرب
الإخوانية ضده ( أي الوزير ) ،
والهجمة المعلنة من غالبية من رجال التعليم المتشبثين بعدم الإصلاح
، فذهب على مذبح الإرادة الديماغوجية ، في بلد عصي على الإصلاح
يعشق القائم من الأشياء ولو اتضح فساده أو
عدم مسايرته للعصر.
وإذا لم يجر
تأدية امتحانات الثلاثي الأول مباشرة بعد العطلة الشتوية المرتبطة حقيقة ببابا
نويل ورأس السنة الميلادية ، فإن الوضع لن يخرج على اثنين من الاحتمالات أحسن
خياراتهما سيء.
الاحتمال
الأول هو المتمثل في اعتماد سنة بيضاء أي بعبارة أخرى الاستمرار في السنة ، وهو
أمر عدا تكاليفه الباهظة على ميزانية الدولة
حيث عليها أن تتدبر ما تواجه به كلفة تزايد في عدد التلاميذ ة غير
مبرمجة ولا محسوبة ، فضلا عن الظلم الذي يحيق بالتلاميذ والعائلات التي تتمنى أن
ترى أبناءها يرتقون بصورة طبيعية من سنة إلى أخرى .
والاحتمال
الثاني هو اعتماد الارتقاء الأوتوماتيكي ، أي ارتقاء كل التلاميذ مهما كان مستواهم
التحصيلي من المعارف ( بما فيه من قلة
عدالة في الحظوظ ) ، وهو أمر ممكن حتى البكالوريا ، التي لا بد من اجتيازها
والنجاح فيها ، لأنها مفتاح الولوج للتعليم الجامعي سواء في تونس أو الخارج.
ولقد تفطنت
بعض العائلات التونسية نظرا لعدم استقرار سير التعليم في تونس ، للأمر فحرصت على
إعطاء جرعات إضافية من اللغة الفرنسية
والحضارة الفرنسية خلال سنوات الثانوي ،
ومكنت أبناءها من اجتياز امتحان الباكالوريا الفرنسية في مستوى الثالثة ثانوي في
نظامنا التعليمي التونسي والنجاح فيها مع ربح سنة كاملة ، هذا فضلا عما يسجل سنويا من
هروب من المدرسة العمومية التونسية نحو القطاع الخاص أو المدارس الأجنبية ، نأيا
بالأبناء عن اضطراب التعليم في المدرسة العمومية التونسية ، وإن كان هذا الأمر
يبقى هامشيا باعتبار كلفته العالية التي لا تقدر عليها غالب العائلات.
ما هو الحل
والحكومة تتعلل بالتزاماتها الخارجية التي لولاها لما أمكن خلاص أجور الموظفين
طيلة سنوات ومنذ 2011 ، والنقابة تتعلل بضرورة معادلة مرتبات رجال التعليم ببقية
الموظفين الحائزين على نفس الدرجات العلمية ، وهو أمر حق ، فرجل التعليم بقي من
هذه الناحية في أسفل السلم مقارنة ببقية الموظفين المماثلين مستوى علميا ، والسلطة
تتعلل بالتزامات لبقاء التأجير في مستواه أي في نفس النسبة بالقياس إلى حجم موازنة
الدولة ، التي لا ينبغي لها أن تنزلق فوق ما انزلقت في الثماني سنوات الأخيرة ،
ويهمس البعض من الاخصائيين سرا ودون
التصريح بذلك بأن رجال التعليم نالوا
زيادات مقنعة خلال الأربعين سنة الأخيرة تمثلت في تخفيض في ساعات العمل إلى حدود
النصف في بعض الحالات ولو الشاذة ، ولكن الموجودة خاصة في الابتدائي ، وهو تخفيض
في ساعات العمل له كلفته على الميزانية ، فيما إن عدد رجال التعليم يمثل النسبة
الأعلى ومن بعيد بين الموظفين ، وأن كل زيادات تشملهم تكون تكاليفها عالية جدا ،
وأن رجال التعليم في تونس يعملون مقارنة مع البلدان المتقدمة أقل بكثير من زملائهم
فيها.
غير أن هذا
لا يمكن الاحتجاج به أمام ضرورة المساواة
في الأجر بين مواطنين يحملون نفس الدرجات العلمية على الأقل في الوظيفة العمومية ،
ما دامت بلادنا اختارت ومنذ الاستقلال النظام الأسوأ في التأجير ، وهو النظام
التراتبي régime de carrière المعمول به
في فرنسا ، بدل نظام الكفاءة والمردود المعتمد في الدول المتقدمة ، نحن نؤمن ونستعمل نظام ( مسمار في حيط ) المعتمد على الأقدمية والتدرج ولا يقيم وزنا إلا
للشهادة العلمية ، لا للمجهود المبذول وارتقاء الكفاءة.
**
ولعل الخوف
كل الخوف من الأخطر على الطريق ، البلد كله يبدو لي على كف عفريت ، ماذا تخبئه
السنة الجديدة الوافدة ، وماذا يخبئه شهر جانفي شهر كل الأحداث في تونس ، لعل ما
ينتظرنا أخطر من قضية أجور رجال التعليم التي يبدو أن 200 ألف من أساتذة ومعلمين
وإطار إداري يلتفون حولها ، ماذا ينتظرنا وقد بلغ الاحتقان الأوج ، في غياب إحساس
طبقة سياسية مهتمة بصراع الدنكيشوات ، بحقيقة ما يعتمل ، وهي غير عابئة بأن البلاد
كلها تئن في غياب الدولة ومنطق الدولة، والأمور مفتوحة على كل الاحتمالات ؟؟؟؟؟؟؟؟
fouratiab@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق