Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

السبت، 28 نوفمبر 2015

الموقف السياسي : الخلافة هل ستكون الخصومة القادمة بين داعش والرئيس التركي

الموقف السياسي
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
عندما كانت في تونس دولة
تونس / الصواب / 25/11/2015
عندما كانت في تونس دولة ، مهما قلنا فيها فإنها هي التي أقامت كيانا حداثيا مستنيرا ، استقبل الرئيس الحبيب بورقيبة في أوائل أكتوبر 1985 السفير الأمريكي ، على إثر العدوان الإسرائيلي على حمام الشط ، وهدده بأن تونس ستقطع علاقاتها مع الولايات المتحدة ، إذا حدث وصوتت بالفيتو على اللائحة المقدمة لمجلس الأمن والمُدينة لذلك العدوان ، وكان أن احتفظت أيامها  واشنطن بصوتها ما مكن من تمرير اللائحة القرار ، وكان الباجي قائد السبسي أيامها وزيرا للخارجية ، وكان هو رئيس الأركسترا الناجحة التي أضافت لتهديد الرئيس بورقيبة التونسي لمسة أخيرة  بالتحرك في الكواليس ، وإذ لم تكن تلك أول مرة احتفظت الولايات المتحدة بصوتها في أمر يهم إسرائيل ،  بعكس ما قيل وقتها وما تم ترويجه خطأ ، وما كتبه قائد السبسي في مذكراته، فإنه كان انتصارا للدولة التونسية،، والعبرة ،، العبرة أن الرئيس بورقيبة ، على ما يجمعه مع أمريكا من علاقات وشيجة، فإنه هدد بقطع العلاقات معها ، وكان يمكن أن يفعل، لأنه لا ينطق عن الهوى باعتباره رئيس دولة من المقام الأول.
مؤكد أن له أخطاؤه وهناته ، ولكنه عرف دوما بأن ما يعزم عليه ينفذه.
أقول هذا الكلام اليوم باعتبار أمر في غاية الأهمية ، وهو أن الدولة التي استقر قرارها منذ 3000 سنة باتت مهددة في كيانها ووجودها ، فالدواعش يريدون لها أن تذوب في خلافة هلامية وهمية ، وأن تمحي و تنتهي ، وهو ما لن نسمح به ولن يحدث ، والذين وقفوا ويقفون مع ووراء الدواعش بالمال والسلاح والتدريب واللوجيستية لن يمروا ولن ينالوا من دولتنا مهما أوتوا من قوة ، ومهما اعتقدوا أننا ضعفاء ، بعضهم لم يكن دولة مطلقا واليوم يأتون ليهددونا في عقر دارنا ، يأتون ليعتقدوا أن مسالمتنا ضعفا.
على قطر أولا دولة وأفرادا أن تمد السلطة التونسية  بقائمة الأموال التي تدفقت منها إلى تونس ، لمن ذهبت  ولمن أنفقت ، فهي الأولى التي جاءت منها الأموال واللوجيستية ، بدعوى مناصرة الدين الإسلامي ، ولا بد من معرفة ، دور السلطة هناك ، وتدل كثير من المؤشرات أن هناك تنظيمات فاعلة في هذا المجال ، تحركت بسخاء حاتمي للتمويل الإرهابي . ولا بد أن تقدم للمجتمع الدولي تقريرا وافيا عن الأموال التي أنفقتها على القاعدة والنصرة وما يسمى بالدولة الإسلامية.
والسعودية أيضا ،  التي تقول مؤشرات أخرى أن دولتها قد لا تكون مورطة في دعم الإرهاب التونسي مباشرة ، ولكنها تبقى  مورطة في دعم القاعدة والدواعش والنصرة  وغيرها ، بصورة فاعلة لإسقاط النظام السوري ، بينما الإرهاب لا يعرف حدودا ، فيما مجموعات وأفراد سعوديون يؤيدون بالفعل والمال هذه التنظيمات الإرهابية  حتى داخل بلادنا ، ووجب أيضا تقديم قائمات لمن ذهبت هذه الأموال مباشرة أو عن طريق سوريا وتركيا وليبيا.
ولن يغيب عن الذهن أن الدولتين تدينان بالمذهب الوهابي المتطرف ، وأن كلتاهما مع دول أخرى وقفت إلى جانب القاعدة والنصرة وداعش لدواعي معاداة الشيعة ،  التي أحكمت سيطرتها على العراق منذ الغزو الأمريكي لبغداد سنة  2003 وبالتالي معاداتها للعلوية الحاكمة في سوريا ، وهي الأخرى فرقة شيعية متحالفة مع طهران.
أما تركيا ثالث الأثافي فيبدو أنها يتقاذفها أمران اثنان :
 1/ الحنين لعودة الخلافة إليها ، ويضع رئيس الجمهورية  رجب طيب أردوغان  وفقا لما يتردد بإلحاح صورة للخليفة العثماني الأول وراءه ، بعد أن كان المكان مخصصا لمصطفى كمال أتاتورك ، باعث الجمهورية التركية على أنقاض الخلافة العثمانية.
2/ثانيهما العداوة المستحكمة ضد المذهب العلوي الذي تدين به السلطة السورية، وهو مذهب شيعي أقلي يحكم البلاد منذ أوائل الستينيات بالحديد والنار. ، وأيضا لحماية التركمان.
ومن هنا فإن تركيا ، تعتبر أكبر دولة مشجعة للإرهاب ، باعتبارها الممر الرئيسي للأفواج الوافدة من بلدان متعددة ، وجدت التشجيع غالبا في بلدانها أيام حكم الإخوان في مصر ،  و أجنحة من النهضة في تونس ، وبعد سقوط الدولة في ليبيا التي اصبحت عبارة عن مجمع عصابات.
وبالتالي باتت سوريا وقبلها العراق مجمع كل التطرف في المنطقة ، ومصدر انطلاق الإرهابيين نحو إفريقيا ونحو تونس والجزائر ومصر عبر ليبيا.
على أن للبلدان الثلاثة لأسباب مختلفة  تتولى ( مع غيرها) تمويل وتدريب ودعم داعش ،  وقبلها القاعدة و جبهة النصرة وفتح أبواب المرور لسوريا ومن سوريا أمامها .
تركيا  بالذات لا تغفر لنظام الأسد ضرب التركمان ( أتراك مقيمين في سوريا وفي تركمانستان التي كانت خاضعة للإتحاد السوفييتي) ،  فيمن ضرب ممن ثاروا عليه خلال الانتفاضة عليه في ربيع 2011 ضمن الربيع العربي ، كما رأت في قلاقل أكراد سوريا خطرا يتهددها ، من الأكراد الأتراك الذين قاموا على الدولة التركية ،  منذ سنوات طويلة والتحموا مع أكراد سوريا وأكراد العراق ، الذين أقاموا كيانا  في عداد الدولة المستقلة عن الدولة المركزية العراقية.
أما السعودية وإن اعتقد بعض المراقبين أن حكومتها لم تتورط ، أو لم تتورط كثيرا في تمويل وتسليح الجهات المتشددة  في سوريا ، فإنها لم تفعل شيئا لردع متطرفيها ، عن  مد يدهم دعما للقاعدة والنصرة وأخيرا داعش،  في إطار ما رأت في قيادات هذه المجموعات  من توجهات دينية متطرفة ، تتوافق مع طبيعة المذهب الحنبلي السائد لدى العائلة المالكة السعودية  ، ويدها المتنفذة  الوهابية هذه الوهابية الحاكمة إلى حد بعيد في الأسرة المالكة.
ومن جهتها فإن قطر المعتبرة دولة مؤتمرة بأوامر أمريكية أكثر من غيرها في المنطقة  منذ انقلاب حمد على أبيه  قبل 24 سنة ، فإن لها أجندتها الخاضعة للولايات المتحدة ، وهي بالتالي تلعب أدوارا معينة في زعزعة استقرار الدول العربية عبر ما اعتبر مخلب أمريكيا أكثر من أي طرف آخر في .
ولقد كانت داعش  التي تسللت من العراق في غفلة من الزمن ، مقبولة غربيا طالما إنها لم تكن تهدد مصالح الغرب ، ولكن منطق الخلافة والتمدد الجغرافي  أبرزها على حقيقتها ، ككيان أو ما يشبه الكيان الذي يسعى للانفلات من كل الضوابط ، بحيث لم تعد مهمته تقتصر على مجابهة النظام السوري ، بل أخذ بتصدير الإرهاب  والتطرف عراقيا وسوريا  ، وداخل وخارج المنطقة من السعودية إلى الكويت إلى تركيا ، مرورا إلى شمال إفريقيا وأخيرا إلى فرنسا ، مع اعتماد قاعدة قارة في بلجيكا ، بحيث بات خطر هذا التنظيم الذي يعتبر نفسه دولة خلافة ، تنافس  على ما يبدو ما يتجه له رئيس تركيا من حلم بإعادة الخلافة الى بلاده ، بعد قرابة قرن على سقوطها ، وأصبح الاتجاه لمحاربته عاما وشاملا ، ولكن مع فروق في التقييم وحرص جماعي على أمر يوحد كل الفرقاء.
فمن جهة تتجه الدول الأوروبية وأمريكا ، إلى محاربته  أي داعش والتنظيمات الأخرى مع إسقاط نظام الأسد الذي يعتبر "نظاما مارقا " ،  وإيجاد بديل له يكون مدنيا ، فيما روسيا التي دفعت بطيرانها بقوة إلى ساحة المعركة ، تتجه للقضاء على كل المقاومة لنظام الأسد ، دون تفريق  بين ما هو تطرف ديني ، وما هو مقاومة مدنية،  حفاظا على ذلك النظام ، باتفاق كامل في ذلك مع إيران وحزب الله اللبناني ، وذراعه العسكرية ،  المصنفة غربيا تنظيما إرهابيا.
وتركيا بالذات لا تنظر بعين الرضا إلى المنحى الروسي  في التدخل في سوريا ، الذي يقصف كل معارضي بشار الأسد بمن فيهم الثائرون التركمان، ولعل هذا ما يفسر إسقاط الطائرة الروسية  من قبل  طيران  أنقرة ،  وهي الطائرة التي ربما كانت تقوم بقصف مناطق أبناء العمومة من الجنس التركي ، داخل الأراضي السورية على الغالب.
السؤال هل سيتوقف التمدد الداعشي والديني المتطرف داخل سوريا والعراق ، ليبحث لنفسه عن مجال آخر ، يبدو أن تركيا اختارت له ليبيا ، ما يمثل خطرا على الساحل الإفريقي وخاصة على تونس والجزائر ومصر؟ والذي  أخذنا نحن نكتوي بناره الحارقة ، مادام تمدده الليبي في تصاعد ، وهو ما دعا السلطة التونسيين لغلق الحدود مع ليبيا وربما الاستعداد لفرض تأشيرة على الليبيين.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق