الموقف السياسي
|
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
انتخابات بلدية
فاشلة :
من سيستوعب الدرس ، ومن يدفن رأسه في التراب؟
** هل يستقيل من يجب أن يستقيل كما في
الديمقراطيات الحقيقية؟
تونس/ الصواب/ 07/05/2018
يقاس نجاح الانتخابات بنسبة المشاركة
من عدمها في التصويت لا بالنتائج ، ووفقا
لهذا المقياس ، فإن انتخابات الأحد الماضي لا يمكن بحال أن تعتبر ناجحة ، بل هي
فاشلة بامتياز ، وحتى لا نثقل على القارئ بالأرقام فإننا نكتفي برقم واحد ، وهو أن
نسبة المصوتين من الجسم الانتخابي المفترض الذي قوامه 8 ملايين مواطن في سن التصويت
، لم يتجاوز عددهم أو نسبتهم 21 في المائة
، أي إن قرابة 6 ملايين تونسي في سن
التصويت ، لم يعتنوا بالذهاب لمكاتب الاقتراع المبثوثة في كل مكان.
يعني هذا أن الأصوات التي حصل عليها
كل مرشح "ناجح" ، وباختلاف الموقع ينبغي قسمتها على 5 للتدليل على قيمته
الفعلية.
أي ومن الناحية العملية والفعلية ،
فإن النتيجة بالنسبة للنجاح في الحصول على مقعد ، وإن كانت تجعله يتمتع
بالشرعية السياسية، فإنه لا يتمتع
بأي مشروعية فعلية.
هذا بالذات يبرز أمرا لا ينبغي إغفاله
، وهو أن الطبقة السياسية المتمثلة في الأحزاب وخاصة منها الأحزاب الموصوفة بالكبرى ، لا تعدو أن تكون قد أعلنت إفلاسها ،
فهي لم تستطع أن تقوم بتعبئة شعبية كفيلة بدفع المواطنين المسجلين وغير المسجلين ،
إلى القيام بعناء التحرك لاختيار ممثليهم في المجالس البلدية ، وهذا عزوف يعتبر
وفقا لمقتضيات العلوم السياسية إفلاسا ليس بعده أو قبله إفلاس، إفلاس في تأطير
المجتمع ، وإفلاس في الدفع للتجميع والحشد ، وإفلاس بالإقناع بتوجهات معينة ، فضلا
عن أن فشلا ذريعا صاحب فترة ما بعد الثورة ، ولنسميها تجاوزا ثورة (بلا فكر ولا
قيادة ) ، في إدارة دواليب الحكم ، بحيث تراجع المستوى المعيشي للمواطنين ، فافتقد
الناس الأمل للمستقبل ، وحتى توقع الخروج من أزمة خانقة ضاق بها المواطنون ذرعا ،
سواء زمن الترويكا أو حكومة "الكفاءات" أو حكومات التوافق.
وإذ غاب الأمل أخذ المواطن لا يرى
للانتخاب أي صلاحية ، في رؤية وضعه يتغير، بل بعد أن فقد الأمل في أن يتحسن ، لذلك ليأت من يأت ففي الثمانين في المائة
الذين هم في سن التصويت ، والذين انسحبوا من أداء واجبهم وحقهم ، أدركوا عن خطإ أو
صواب أن صوتهم لن يغير شيئا بالنسبة لحياتهم .
لنستثن أحزابا اعتبرت صغيرة ولم يكن
لها يد في الإفلاس العام ، ولا المستقلين
الذين استبعدوا عن قصد أو غير قصد طيلة السنوات الأخيرة ، فلم يقع لا سماعهم ولا
تشريكهم ، فالأحزاب "الكبيرة" التي شاركت في الحكم والمنظمات التي تدعى
جماهيرية أو قومية ، وحتى تلك التي دعيت
للحكم ولم تشارك ، تتحمل كلها ما آل إليه الوضع ، وما انحدر إليه الأمر.
وبالتالي : فهي التي يجب أن تدفع الفاتورة.
والفاتورة في السياسة هي الاستقالة
امتثالا لاملاءات القواعد ، التي صوتت
سلبا ، إما بعدم الحضور للتصويت ، أو صوتت إيجابا بحجب ثقتها الفعلية عن أحزاب ،
أظهرت عجزا وتراخيا في علاج أوضاع ازدادت سوء خلال سبع سنوات ، فالمرء لا يأكل
ديمقراطية ، ولا يشرب حرية صحافة ، ولا يتنفس انتخابات نزيهة، هذا هو التفسير لما
حصل الأحد الماضي.
يستوي في ذلك من جاء أولا ومن جاء
ثانيا ومن جاء ثالثا أو رابعا.
ولا نريد هنا أن نثقل على القارئ ،
ولكن لنقل ببساطة أن النهضة خسرت قرابة نصف عدد مصوتيها بين 2011 و2014 و2018 ،
وأن نداء تونس الذي وضع فيه من يسمون أنفسهم بالحداثيين ثقتهم ، خسر أكثر من ثلث
أصواته بين 2014 و2018.
لنقل أن ذلك قد لا يبدو مهما جدا بالنسبة لحزب إيديولوجي مثل النهضة يعتمد
مرجعية دينية ، كما هوشأن الأحزاب العقائدية تحت أي سماء ، وسواء كانت العقيدة
دينية ، أو وضعية ،
ولكنه في غاية الأهمية بالنسبة لحزب زمني temporel مثل
نداء تونس أثار اهتماما غير مسبوق في ظرف سنتين /
ولعل للمرء
أن يتوقف عند هذا الحزب ، الذي تشقق ، وانكسر ، وانفرط عقده ، تحت ضغط إرادة توريث
، لم تنجح تحت أي سماء ، فانصرف عنه من بناه ، وتركوه بكل كفاءاتهم لقمة سائغة
لمطامع نجل لرئيس ، كان همه خلافة بورقيبة وتوريث ابنه تلك الخلافة على عجزه عن
قيادة حتى مركب صغير ، وليس بارجة ضخمة كان يمكن أن تمخر عباب البحر ، وتشكل أملا
، فانفرط العقد وتناثرت حباته ووصل إلى ما
وصل إليه من حال محزن ، ولو كانت تلك
الحبات مجتمعة لحققت له الأولوية ، ولأمكنه بالكفاءات العالية التي عمرت ردهات
مقره انطلق بها ، أن ينفذ برنامجا طموحا
وعمليا رسم خطوطه رجال من أصحاب الكفاءة والتجربة .
والسؤال اليوم هل من تسبب لهذا الخراب أن يرحل كما تقتضي
التقاليد، أم إنه سيواصل تهديم حزب تجمعت حوله كل آمال الحداثيين في فترة ما؟
**
من يراهن ..؟
غدا تبدأ
عملية البيع والشراء والمساومة ،
"لتوافق" جديد يتنكر للنتائج
الهزيلة للانتخابات البلدية ، وتقام بورصة أعطيني ونعطيك ، ولمن ستؤول رئاسة بلدية
تونس ، وربما غيرها من البلديات ، وهذه المرة بثقل أكبر للنهضة.
هذا إن لم يكن الأمر ذاهبا لتكرار تجربة تركيا ،
السيطرة على بلدية إسطنبول من قبل رجب طيب أردوغان بالانتخاب طبعا ، ثم الوصول بتؤدة إلى رئاسة الجمهورية "اللائكية" التركية
، وانتهاء بإقامة نظام استبدادي ديني ،
يضع 50 ألفا في السجون ، ويطرد من وظائفهم 150 ألفا ممن يعتبرون مناوئين للحكم من
جامعيين وقضاة ومعلمين وصحفيين إلخ....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق