Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الثلاثاء، 15 مايو 2018

اقتصاديات : البعد الأبعد

إقتصاديات

يكتبها عبد اللطيف الفراتي
نحو اضـــــطرابات عالمية ،
 وتونس  في عين الإعصار
تونس / الصواب /14/05/2018
يخطئ من يظن أن الأصل في قرار الرئيس الأمريكي ترامب ، هو احتمالات وصول إيران لتصنيع قنبلتها النووية ، كما يخطئ من يظن أن تونس مفلتة من تأثيرات قرار أمريكي له سلبياته الواضحة على البلاد ، مضافا إلى وضع اقتصادي رغم كل ما يقال فهو سيء  جدا ، والقرار الأمريكي لن يزيده إلا سوء وعمقا.
ومما لا شك فيه أن إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ، والدول المشتركة معها في توقيع الاتفاق  حول تعهد إيران بعدم مواصلة بناء قنبلتها الذرية، لم تتخذ الاحتياطات الكافية من وجهة نظر موضوعية ، وذلك على الأقل من ناحيتين :
الأولى هي ناحية عدم ضبط حد للأسلحة الباليستيكية ، فإيران مسموح لها أو غير ممنوع عليها صنع صواريخ بعيدة المدى ، يمكن أن تتهدد سماء الولايات المتحدة وما هو أقرب ، يوم تصل لصنع قنبلتها ، وهي للواقع على قاب قوسين أو أدنى من ذلك حسب الخبراء.
والثانية هي ناحية ترك المساحة واسعة لتوسع جغرافي يتهدد الموازنات ، الشرق أوسطية وحتى الدولية ، بحيث إن لطهران اليوم تواجد استراتيجي وليس تكتيكي في العراق وسوريا ولبنان واليمن ، وهي تسيطر على الحكم الفعلي في بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء ، وتحاصر العالم السني ، الذي يمثل إسلاميا حوالي 88 في المائة من مجمل سكان العالم من المسلمين ، بالصورة التي تعيد للأذهان أيام الإمبراطورية الساسانية  قبل الإسلام ، والإمبراطورية الصفوية في مواجهة الخلافة العثمانية  خلال القرون الخمسة أو الستة الماضية ، فضلا عن الزحف نحو الشرق بواسطة شيعة باكستان وأفغانستان ، والتخوم الممتدة للإتحاد السوفياتي السابق ، ومجاهل الصين في كيسيانغ أو المناطق التي كانت تسمى  كيسيانغ بعدد من المسلمين لا يعرف أحد حقيقة حجمهم.
ويدفع هذا إلى حيرة أمريكية أوروبية إسلامية سنية في المشرق  آسيوية ، ليس مقدورا عليها خاصة ، وأنها تمس في العمق الوجود العربي السني ، ولكن أكثر من ذلك تتهدد إسرائيل ، وهو ما  لا يطيقه الغرب بما فيه أمريكا وأوروبا بشرقها وغربها.
**
المنتفع الأول من اتفاق 2015 بين الخمسة وإيران ، هي الاتحاد الأوروبي ، فقد كانت دول ورجال أعمال فرنسا وألمانيا وبريطانيا العظمى بالذات ، هي التي انفتحت أمامها أسواق إيران ، التي من الله عليها بفتح ضخ البترول ، وعائداته الضخمة ، فطفقت تشتري من الغرب ما كان محرما عليها سنوات الحصار ، وكان حصان السبق لدول الاتحاد الأوروبي فيما بقيت الولايات المتحدة غير مستفيدة بنفس الحجم من مضخة إيرانية جديدة ، وإذ أصاب الهلع المحافظون الجدد الذين قادوا ترامب إلى الانتصار عكس ما كان منتظرا ، فإنهم أرادوا حصد ثمار انتصارهم ، أولا بالتخويف من إيران التي رأوا فيها ما يهدد الهيمنة الأمريكية،  وما يفرض توازنات جديدة في منطقة استفردت بها الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية وخاصة بعد وفاة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر ، وثانيا بأن الولايات  المتحدة لم تستفد كما كان متوقعا من اتفاق ، رأى فيه المحافظون الجدد نواقص ، تبدو بعد عرضها فعلية ، واعترف بها الرئيس الفرنسي ماكرون ورئيسة الحكومة أنجيلا  ماركل ورئيسة الوزراء البريطانية ، مع المناداة بعدم الخروج من الاتفاق بل بالعمل على العودة لمائدة المفاوضات لاستكماله ،  وهو ما ترفضه محقة الدولة الإيرانية.
غير أن الرئيس الأمريكي تنكر لتوقيع الدولة الأمريكية في سابقة سياسية ، حيث عادة ما تعتمد مقولة استمرار الدولة وقراراتها.
بل لعل الأدهى والأمر أن الرئيس الأمريكي وهو يعلن إعادة الحصار الكامل على إيران ، فرضه أيضا على من يتعامل تجاريا مع إيران ، وبالتالي فرض على شركائه الأوروبيين عدم شراء البترول الإيراني ، وهو الرئة التي تتنفس بها طهران ، وفي نفس الوقت منعهم من الاتجار مع الدولة الإيرانية ، وهو ما يصيب الاستثمارات الأوروبية في مقتل ، كما يضرب بقوة المبيعات المختلفة ، والصفقات الكبيرة مع إيران ، ومنها مائة طائرة إير باص  فرنسية وملايين السيارات الأوروبية المفترض تصنيعها في إيران  وغيرها ، وفي وقت أخذ فيه الاقتصاد الأوروبي ، وخاصة الفرنسي في التعافي بعد طول أزمة ، تأتي هذه الضربة الأمريكية التي لا مفر منها،  لتهز العالم ، وتبرزه كتابع تسيره الولايات المتحدة وتفرض عليه تنفيذ وإتباع قوانينها.
**
وكما هو سائد فإنه وباستثناء البلدان البترولية المستفيدة في غالبها من القرار الأمريكي وفي مقدمتها روسيا التي تعاني بشدة ، فإن بقية العالم سيتلقى ضربة موجعة نتيجة ارتفاع متوقع لأسعار برميل البترول ، نتيجة لاحتمال كبير بشح البترول الإيراني ، ثم بسبب الاضطراب المتوقع في الشرق الأوسط والذي ظهرت بعض بوادره في جريمة الدولة التي ارتكبتها إسرائيل يوم 15 ماي ، بالقتل المبرمج لـ55 من الفلسطينيين.
هذا أيضا ما سيكون له تداعيات دولية ، والذي تقف وراءه أمريكا .
توصيف الحال ، وبعيدا عن أي محاولة للتوظيف ، سيكون له تأثيرات على تونس، التي تشكو وضعا غاية في السوء ،وهي مهددة اليوم ، لا فقط بعدم الحصول على القسط الرابع من قرض صندوق النقد الدولي  رئة التنفس الباقية ، بل نتيجة لذلك للمطالبة بجدولة الديون ، والكف عن السداد ، وهو أمر غاية في الخطورة ، لم يحصل مثيل له منذ الاستقلال ، كل ذلك نتيجة عدم انضباط فاضح للحكومات المتعاقبة بالتزام تعهداتها ، نتيجة ضغط اجتماعي غير مسئول ، وغياب أجهزة دولة لا قرار لها ولا حول ولا قوة وأكاد أقول لا وجود فعلي ، وإذا أضيف له ، ارتفاع في أسعار البترول ( مجدول 54 دولار في ميزانية 2018 للبرميل ، يفوق حاليا 70 دولارا ومتوقع أن يصل إلى ما بين 90 و100 دولار إن لم يكن أكثر ) فإن البلاد بواقع حوالي 70 يوم توريد ، ستجد نفسها في عجز عن توريد الضروريات ، ومواجهة احتمال اللجوء لطبع نقد بلا قيمة ، وتلك حال التسيب الذي عرفته البلاد منذ2011 ، ولم تعرف الحكومات المتعاقبة كيف تواجهه بالشجاعة اللازمة .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق