الموقف
السياسي
|
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
هل اتضحت الصورة أم زادت غموضا ؟
تونس / الصواب /07/08/2019
قبل وبعد 14
جانفي 2011 فرض الباجي قائد السبسي أجندته على الجميع ، أدار السلطة في أخص
خصائصها عبر وزارة الداخلية والخارجية ووزارة الدفاع ورئاسة مجلس النواب ، جرب الحكم وجرب المعارضة ،
قبل وبعد 14 جانفي ، وقلب الأمور رأسا على عقب ، في فامي 2012 و 2013 ، ونجح في دفع النهضة على طريق لم تكن لتحبه أو
تعتقد أنها ستضطر له بعد " انتصارها" ولو النسبي في انتخابات 2011 ونجح
في ضمان وصول " قمة " السلطة بدهائه ، الذي لم ينفع معه دهاء الغنوشي.
ميتا فرض
أجندته برغبته أو بالصدفة ، وإذ لم ينجح في 2014 مع الغنوشي في فرض إجراء
الانتحابات الرئاسية قبل التشريعية ، وهي النقطة الوحيدة التي رفض الغنوشي التنازل
عنها آنذاك .
ميتا فرض
إجراء الرئاسية قبل التشريعية ، وهو ما وضع النهضة في موقع سيء، فسبق الرئاسية كما
هو معروف عالميا له تأثيراته على التشريعية اللاحقة ، l’effet d’entraînement وهو أمر غالبا ما تعمل القوانين الانتخابية على
تضمينه بين فصولها وربما في دساتيرها ،
وحتى في حالة ما جاءت انتخابات رئاسية خلال عهدة تشريعية قائمة ، فإن لرئيس
الجمهورية المنتخب حل البرلمان ودعوة الناخبين لانتخاب برلمان جديد ، معتمدا قوة
الدفع التي يعطيها التصويت للرئيس الجديد لضمان سلطة تشريعية موالية ، وهو ما لجأ
إليه كل من الرئيس ميتران والرئيس شيراك في فرنسا.
إذن فإن ما
لم يستطعه الباجي قائد السبسي حيا ، تحقق بعد وفاته ، فارضا على النهضة ما لا
تريده ، ولا تتمناه ، ووضعها في موضع الاحراج بإجراء انتخابات رئاسية سابقة لأوانها
، بحيث تؤثر نتيجة الانتخابات الرئاسية على الانتخابات التشريعية اللاحقة.
وإذ كان
الغنوشي يبحث عن " عصفور نادر" يتمنى أن يكون رئيسا ملائما للبلاد
وبالتالي للنهضة ومطيعا لها ، على غرار يوسف الشاهد مثلا ، ولا يكون منها ،
غير أن سبق
الانتخابات الرئاسية عن الانتخابات التشريعية لا يجعل أي كان يغامر بالتبعية
للنهضة ، أو التحالف المسبق معها ، لا منصف المرزوقي ولا مصطفى بن جعفر ولا قيس
سعيد ولا حتى حمادي الجبالي ، إن كان ما زال لهم أنصار وناخبون في مخزون كل
منهم ، وفقا لما دلت عليه آخر استطلاعات
الرأي.
إذن فإن وفاة الباجي
قائد السبسي في 25 جويلية الماضي ، أدى
إلى إجراء انتخابات رئاسية سابقة لأوانها ، وسابقة للإنتخابات التشريعية ، ما خلط أوراق اللعبة والنهضة ، وأعادها إلى واقع لم تتوقعه
ولا تمنته، وجعل العصفور النادر من خارج صفوفها غير متاح ولا متوفر ، فالنهضة باتت
بالنسبة للأحزاب التي تعتبر نفسها "حداثية" والتي لها حظوظ انتخابية ، بمثابة
المرض المعدي الذي يجب عليها أن تتجنبه.
سارع مهدي
جمعة وهو من أول المترشحين رسميا للرئاسيات ، للتبرؤ من النهضة ، برغم ما يقال إن
صح أو لم يصح أنه كان في صفوف منظمتها الطلابية، برئاسة عبد الكريم الهاروني رئيس
مجلس الشورى حاليا ، قائلا ما معناه أنه
"على غير اتصال بالنهضة " فيما
حاول آخرون أن يبرزوا أنهم ليسوا حلفاء النهضة ، محاولين الابتعاد عنها.
ورغم محاولات
مجلس الشورى على فترة أيام عدة أن يبحث عن العصفور النادر من خارج صفوف النهضة ،
ورغم حرص رئيسها راشد الغنوشي ، والمكتب التنفيذي إلى آخر لحظة ، إيجاد هذا العصفور النادر من خارج جسم النهضة
، إلا أن أغلبية بسيطة اضطرت زعيم الحركة إلى الخضوع للواقع ، فتم الاقتصار على
عصفور وغير نادر من الصفوف : هو عبد الفتاح مورو.
ولا يبدو وفق
ما تسرب أنه لم يكن هناك تدافع للترشح للمنصب الرئاسي في هذه الظروف داخل صفوف النهضة ، وبالنظر لواقع الحال فإنه لا
يبدو أن هناك من يقبل على الانتحار، والشيخ عبد الفتاح مورو الذي يحلو له أن
يتمنطق بهذه الصفة لعله من القلائل الذين يزنون في النهضة ، الذي يقبل بهذه
المغامرة غير مأمونة العواقب.
ولعل رئيس
الحركة كان يسعى بكل جهده لتجنب توريط الحركة ذاتها في السباق الرئاسي ، ذلك أن
نتيجة سيئة تبقى محتملة ، ستكون لها تبعات على الانتخابات التشريعية ، ويخشى رئيس
النهضة بثاقب نظره ودهائه ، أن يؤدي احتمال عدم نجاح المرشح النهضاوي في تخطي
الدورة الأولى ، إلى تراجع كبير في احتمالات تسجيل نسبة معقولة في الانتخابات
التشريعية ، بما يمكن معه أن تنزل بعدد نواب الحركة إلى ما اعتبر الحد الأدنى من
النواب في انتخابات 2014 ، أي ما بين 60 و70 نائبا ، وهو ما قد لا يوفر العدد
الكافي من النواب اللازمين لانتخاب رئيس الحركة في "البرشوار" أي رئاسة
مجلس النواب ، وإذ يمكن أن تكون النهضة هي أول حزب من حيث أعضاء البرلمان ، إذا لم
ينافسها على تلك المرتبة حزب قلب تونس لنبيل القروي ، فإنها لن تدعى لتشكيل
الحكومة أيضا ، فتجد نفسها خارج احتمالات نيل أي واحد من المقاعد السيادية
الثلاثة الأهم ، رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة مجلس
النواب ، اللهم إلا إذا قامت صفقات خارج الحسبان.
وهذا ما
تخشاه النهضة ، والذي جاء نتيجة خلط
الأوراق الذي أنتجته الوفاة المفاجئة لقائد السبسي ، والتي لم يقرأ لها أي كان
حسابا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق