Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الاثنين، 2 سبتمبر 2013

الموقف السياسي - هل صفقة السبسي الغنوشي بصدد النضج على نار باردة

الموقف السياسي
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
إلى أين .. وحتى متى؟
وما هو مدى مصداقية حقيقة الخلافات؟
تونس / الصواب / 02/08/2013
لعلي لم أفهم.
وربما أنا وغيري بصدد فهم شيء ما يطبخ على نار باردة.
  رئيس حركة النهضة قال إنه أي وحزبه، قد قبلا بمبادرة الاتحاد، التي هي للحقيقة مبادرة رباعية، ولست في حاجة البتة إلى تفصيل هذه المبادرة ولكن النص الواضح هو أنها ، تبدأ بحل الحكومة والقبول بحكومة كفاءات، وبعدها ينطلق حوار وطني من أجل استكمال الخطوات الموالية ومن بينها، مواصلة المجلس التأسيسي أعماله في اتجاه أولوية مطلقة،استكمال كتابة الدستور اعتمادا على تطوير الديباجة ، وإلغاء تلك الفقرة المثيرة للجدل في الفصل 141 وربما إلغاؤه، وتحرير أحكام انتقالية جديدة، بمفهوم الأحكام الانتقالية لا بربط إرادة المجلس التشريعي المقبل والمحكمة الدستورية بوثاق لا فكاك منه.
قرأت وقرأ مثلي الملايين ذلك النص الصادر خاصة من اتحاد الشغل، قلبته طولا وعرضا، ولم أجد فيه أي سبب للتراجع عن ما قاله راشد الغنوشي ، برغم التناقض الواضح ، بين القبول بالمبادرة التي لا تتجزأ، والقول بحكومة انتخابية، بعد إنهاء الدستور والدخول في الحوار حالا.
إما أن النهضة والمؤتمر قد قبلا بالمبادرة، أو أنهما لا يعدو أن يكونا لجآ للمناورة.
هذا إذا كان في المر مناورة وليس شيئا مبيتا.
وللمرء أن يستنتج إذا توفر له الحد الأدنى من الموضوعية.
استقراء المواقف يقود، رغم التراجعات المتوالية ، من الخط الأحمر بشأن عدم التخلي عن علي العريض، إلى الخط الأحمر بعدم إسقاط الحكومة، إلى الخط الأحمر بشأن حل المجلس التأسيسي، إذن استقراء المواقف يدل على أن النهضة ومعها الحزب المتذيل ، ذو الامتداد الاخواني، يبيتان أمرا واضحا يقوم على:
** أن تكون الحكومة الانتخابية المقترحة حكومة بلا صلاحيات.
** أن يستمر جيش المعينين من غير ذوي الكفاءة في مواقعه وهو أمر متواصل وربما سيتواصل لضمان نتيجة معينة للانتخابات.
** أن تكون الانتخابات المقبلة تحت السيطرة إداريا وأيضا بعنف لجان "حماية" الثورة.
من هنا يمكن أن نفهم هذه المواقف بين الشيء وضده، بين قبول المبادرة، وبين السعي لإفراغها من أي محتوى، ومواصلة السيطرة على مفاصل الدولة، بمقاصد انتخابية لم تعد تخفى على أحد.
هناك أيضا أسباب مسكنة مؤسفة، فهناك من الوزراء، ممن يعتقدون أن حظوظ عودتهم للوزارة منعدمة تماما، مهما كانت نتائج الانتخابات، لضعف مردودهم وقلة كفاءتهم، هؤلاء يسعون للاحتفاظ بمراكز وزارية ، يؤرقهم أن يغادروها قبل أن يصلوا إلى فترة سنتين على توزيرهم، اعتمادا على أن فترة السنتين هي ضرورية لفتح الباب للتقاعد الوزاري  المجزي الذي يصرف لكل وزير يتم صرفه من الوزارة إن لم يكن يتمتع بوظيفة في الدولة ويتقاضى مرتبا منها.
أشياء خفية ولكن في الحسابات الشخصية للبعض مهمة ومقروء لها حساب وأي حساب.
هل انتهى لقاء الغنوشي السبسي في باريس، إلى نقطة الصفر، وإلى محاولة لي الذراع بين النهضة ونداء تونس؟
لا أحد يعتقد ذلك، خصوصا وأن لا أحد يمكنه اليوم، أن يتحدث بوثوق عن أي اتفاق جرى بين الرجلين وعن طبيعة الصفقة التي أبرمت بينهما.
وهذا بيت القصيد، رأينا ما يجري في النهضة، وحتى الخلافات المسربة، هل هي حقيقية، أم إنها توزيع أدوار. وهل هناك أجنحة وصراع في حزب قائم على الولاء المطلق.
من الجهة الأخرى زز
لا يكفي أن الظاهر هو أن السبسي خرج منتصرا، فقد استقبل الغنوشي في عقر داره في باريس، والغنوشي الذي كان يقول عنه إنه كان يسعى لإعادة رسكلة التجمعيين ، وكان يعد له قانونا للتحصين ولإقصائه، وكان يعد له لجان حماية الثورة لعقاب اجتماعاته، واجتماعاته، لا يكفي ذلك، فالسؤال ما هو الثمن، وما هي الشراكة المحتملة بعد نهاية مرحلة لي الذراع.
فلا يمكن للغنوشي أن يخرج من المولد بلا حمص على رأي المثل المصري ، فيقدم كل تلك التنازلات ، بما فيها القبول بمبادرة الإتحاد مساء، ليتراجع عن ذلك صباحا، إن لم يكن في نفس الليلة وفي نفس الخطاب.
ولا أحد يملك ذرة من القدرة على التحليل السياسي يمكنه أن يقبل، بأن ما حصل هو صفقة ليس فيها فوائد متبادلة، إن قبل الانتخابات أوبعدها.
فكلا العجوزين يتمتع بدهاء فطري، وإن كان السبسي، باحتكاكه الطويل مع بورقيبة، داخل الصفوف وفي المعارضة، ثم داخل الصفوف مرة أخرى ، وفي فترة المرور بالصحراء القاحلة لحكم  بن علي، اكتسب مرانا، زاد من قوته ذلك الحنين الذي أثاره في نفوس الناس إزاء بورقيبة، الذي أصبح  الكثيرون ينادون بحياته وهو ميتا، وهو ما أخطأ فيه الغنوشي بعدائه إزاء الزعيم الذي بقي حيا في النفوس  بعد 26 سنة على غيابه.
والتجاذبات الحاصلة حاليا من وجهة نظر سياسية، ليست سوى الطلقات الأخيرة الفاشوش، التي تسبق مصافحة تعد لفترة مقبلة لن يطول انتظارها.
والنهضة بالذات تعرف أنه ليس من مصلحتها، أن تواصل التصعيد للآخر، وأن تونس لا تحتمل أكثر مما احتملت، ولعلها اليوم في أشد الندم على استلام السلطة في فترة انتقالية، أبرزت فشلها الذريع سياسيا وأمنيا وخاصة اقتصاديا، وهي تتحمل اليوم تبعات ذلك الفشل وستتحمله انتخابيا.
كما إن نداء تونس وحلفائه، ولطبيعة تكوينهم ولهشاشتهم وتشتتهم الداخلي، الذي لا يستطيع أن يخفي اختلافاتهم العقائدية المذهبية، يبحث عن حلفاء الغد.
والفريقان سيطرحان على الطريق في حركات ماكييفيلية معتادة  لدى السياسيين المحنكين، حلفاء الأمس، ومن هنا نجد تفسيرا قويا، لمطالبة  الغنوشي ( الحليف الوفي) منصف المرزوقي بالاستقالة إذا كان يرغب في الترشح لأي منصب نيابي أو رئاسي، وكل الدلائل تدل على أنه لا حظ له في أي انتخابات مقبلة، (وانه سيكتفي من الرئاسة بما مضى)، ومن هنا فليس له من قدر سوى البقاء في موقعه لأطول مدة ممكنة، ولكنه يعرف أن من أنذر فقد أعذر.
ويستطيع غدا أن يقول إنه قد دخل التاريخ كرئيس للجمهورية، ولكن أي رئيس، وبأي رصيد، وهو زيادة على أنه كان عديم الصلاحيات، لأن استعجاله جعله لا يفاوض عليها، بل يسقط في الفخ وضعا رأسه  بين فكيه، فقد كان مدعاة لقلة فرض الاحترام في أدنى ما يمكن للمرء أن يقوله.
ستطول المفاوضات ، وسيطول الذهاب والإياب، على دور رباعية الراعين، ولكن شيئا بصدد النضج على نار باردة،
 ما هو؟
ستفصح عنه الأيام  المقبلة.
ولكن الكيد أن أشياء في الجوء وأن عملية افخراج تحتاج إلى وقت.
[fouratiab@gmail.com



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق