Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

السبت، 28 سبتمبر 2013

من الذاكرة



من الذاكرة
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
بعد وفاة الأخ الصديق مصطفى المصمودي
الوحدة القاتلة
تونس / الصواب / 27/09/2011
غيب الموت أخا عزيزا وصديقا حميما هو مصطفى المصمودي.
رجل عرفته منذ الطفولة الأولى، كنا أصدقاء وبقينا أصدقاء، ثلاثة لا نفترق المرحوم شقيقي محمد الفراتي مدير إذاعة صفاقس الأسبق، ومصطفى المصمودي الذي سيجد الزائر نبذة عن حياته رفقة هذا من خلال أكمل ما كتب عنه   وقرأته عنه  في  موقع الصباح نيوز، و الثالث أنا، هل يكون "عمر الشقي بقي" على رأي المقولة المصرية،  فأبقى أكابد الحياة بعد الأخوين العزيزين محمد الذي غيبه الموت ذات يوم من شهر تموز يوليو 1988، في حادث مرور، وكنت أستغرب ليلتها بعد موته أن تستمر الحياة، وأن لا تتوقف الأرض عن الدوران ، ولكن تلك سنة الحياة، ومصطفى الذي فاجأنا برحيله وهو في عز العطاء .
بعد وفاة محمد كان مصطفى يواسيني وكان في أشد الحاجة  هو الآخر إلى المواساة.
دارت الأيام وأصيب بالمرض العضال، وكان الظن أنه شفي منه، ولكنه فاجأنا بين يوم وليلة وبعد سنوات على ما كنا نعتقد أنه  الشفاء،  وهو يغادرنا بلا استئذان، وكأن الموت يحتاج إلى استئذان، وكأننا لن نكون طعما له في يوم من الأيام ، يترك وراءنا لوعة وحرقة، ويترك للباقين ذكريات يندفع إلى السطح منها كل ما هو جميل.
كنا ثلاثة لا نكاد نفترق ، محمد ومصطفى وأنا، في طفولتنا الأولى، كان يكبرني بعامين أو تزيد وكان محمد يصغرني بعام، كان أكثرنا تجربة ، وبحكم السن كان شديد الحنو علينا، يحسب نفسه مسؤولا عنا، كان يتمتع بخصال الرئاسة، ولكن في رفق وبلا تسلط، وهو بدماثة أخلاقه لا يعرف كيف يقول لا، ولكنه يدفع إليها بكل لطف ولكن أحيانا في حزم ورغم ذلك برفق شديد، منذ الصغر كان رجل مبادئ ولكن في هدوء.
وبعكس عنادي (المرضي) كان مصطفى وشقيقي محمد ألين طبعا، وأقدر على التفاعل مع الأحداث والتطورات، وبقدر إصراري على مواقفي، كان مصطفى ومحمد أقدر على التنازل، ولذلك أعتقد أنني لم أتفاعل مع الأحداث مثلهما.
كنا نذهب معا لاختيار كتب المطالعة من جمعية الثقافة والتعاون المدرسي، وكان أمين المكتبة السيد محمد الفريخة يناولنا الكتب التي يرى فيها فائدة لنا، لا ما نطلبه منه، وكان هناك تدرج لديه بحسب السن والدرجة الدراسية، فتدرجنا من كامل كيلاني إلى محمد عطية الإبراشي (l’archevêque) حسبما قال لنا، إلى جرجي زيدان، إلى كرم ملحم كرم ، إلى غيرهم، ثم إننا لم نكن لنكتفي ثلاثتنا بما كنا نستعيره من المكتبة كل أسبوع مرة ، بل كنا ننفق فرنكاتنا على شراء الكتب من مكتبة الأديب حامد قدور، وكانت مكتبته في نهج العدول غير بعيد عن معمل أبوينا  ودكانهما ، وهي  عبارة عن منتدى يوفر (ما لذ وطاب من الكتب التي نلتهمها)، ثم بعد الليسي كنا معا نقتني الكتب الفرنسية  من مكتبة "آمري" في باب البحر.
غير أن هوايتنا  الكبرى كانت اقتناء مجلة "سندباد"  في مكتبة مختصة بتوريدها، جنب باب الديوان، كنا نشتريها بـ35 فرنكا وكانت تعتبر ثروة وقتها.
مجلة سندباد فتحتنا على العالم العربي، كانت مصر تعيش مخاضا في فترة ثورتها، بين محمد نجيب وجمال عبد الناصر، وكانت تتجه توجها قوميا عربيا ترك آثاره في نفوسنا، وكنا معجبين بمقولة عبد الناصر: "ارفع رأسك يا أخي".
ومجلة سندباد كانت بتوجهاتها تقف مع حركات التحرير العربي، ومنها بالخصوص الحركة التونسية، وتعلمنا معا البعد العربي للفكر، وأن تونس ليست مغلقة على نفسها، بل هي جزء من عالم متكامل.
معا كنا سباقين إلى محطة القطار لشراء جريدة الصباح من المنبع عند وصولها من العاصمة.
أيام جميلة قضيناها معا في دارنا على شاطئ البحر، وكنا نجتمع أطفالا ثم شبابا، لنسبح معا ونتحدث معا،  ونحلل معا ونتبادل الرأي معا، والمركز ثلاثتنا تقود خطواتنا توجيهات أبوين مثقفين مطلعين منفتحين.
كان سي عبد السلام والد مصطفى رجلا عمليا، كان شريكا لأبي لا يفترقان، ويعرفان كيف يتقاسمان الأدوار والأوقات في عملهما، وبالقياس إلى زمنهما في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات، كانا  ملمين بتطورات الأحداث، وكانا من أول الصناعيين العرب في المدينة، وكان اهتمامهما ينتقل بهما  من الحرب الكورية، لأحداث فلسطين ، للثورة المصرية، فيما كانت زياراتهما دائمة للزعيم الهادي شاكر، وفي الأعياد كانا يصحباننا إلى الهادي شاكر في مغازته في نهج المرابطين، للتهنئة، وكان ينعم علينا نحن الأطفال الثلاثة بنياشين الحزب الدستوري، وقتها كان يقال حزب الماطري، باعتبار أن رئيسه الأول قبل بورقيبة  كان محمود الماطري.
ولقد حملنا معا  ثلاثتنا قلال الماء بعد ملئها من ماجن بيتنا للمتطوعين الذاهبين على الفلك إلى فلسطين، عبر شاطئ مدينة صفاقس، والذين كانوا يتخذون منطلقهم من فيراندا "صراية الجلولي" القريبة من دارنا على طريق سيدي منصور، ومن هنا زرعت فينا على صغر السن بذور الوطنية، وبذور القومية العربــــــــــية، وسنفخر لاحقا بأننا ننتمي إلى عائلة من المناضلين( مصطفى المصمودي ينتمي إلى عائلة الفراتي من جهة أمه)
فقد كان ابن عم لنا هو  المرحوم الحبيب الفراتي مدير ديوان وزير التخطيط والمالية لاحقا،  قد تم سجنه بسبب نشاطه السياسي زمن الاستعمار في مدينة صفاقس، وكان عز الدين الفراتي(شفاه الله وهو عميد  آل الفراتي ) قد شارك في مغامرات اغتيال أذناب الاستعمار في العاصمة ، وصدرت ضده أحكام ثقيلة وكاد يجري إعدامه، وكان عبد السلام القفال ابن المسؤول عن الأجهزة الفنية في المعمل الذي كان يملكه والدانا سي عبد السلام وسي البشير قد تم سجنه لمغامراته وللمشاركة في المظاهرات وعمليات التخريب ضد المواقع الاستعمارية، وكان خال سي مصطفى قد نال من العذاب أصنافا، بعد انخراطه في العمل الوطني رفقة الطيب سليم والحبيب ثامر والرشيد إدريس، وحسين التريكي وغيرهم ، إبان الحرب العالمية الثانية وبعدها.
في هذا الجو المشبع بالوطنية والشعور العروبي  عشنا معا على صغر سننا ثلاثتنا ، وكثيرا ما كان حديثنا ليس حديث أطفال ، واهتماماتنا ليست اهتمامات أطفال، بل حديث كبار وكنت أنا بالذات لا أكف عن الاستماع للراديو، على حشرجة صوته استقصي أخبارا من كوريا وفلسطين ومصر، وأتتبع أخبار القاهرة  والـ ب ب س وبغداد  قبل أن تنشأ إذاعة صوت العرب.
واشتهر بيننا مصطفى بأنه آخر من يتكلم منا، في هدوء ورفق، وبعيدا عن العاطفة، فنسمع كلامه ونشربه وهو أكبرنا سنا، واقدر أنه كان أشدنا حكمة، وأكثرنا قدرة على التحليل وربط الحداث ببعضها البعض، كما يحق للمحلل السياسي النابه الذي ستعرفه الساحات السياسية والإعلامية لاحقا.
وإذ فرقت بيننا الحياة، لفترة فقد عدنا لنلتقي في رحاب صاحبة الجلالة، فبعد أن كان خريج أول دفعة في مجال العلوم الاقتصادية المستحدثة رفقة مجموعة من الأصدقاء مثل المرحوم عبد السلام دمق الأستاذ الجامعي، ومحمد على الحشيشة، الذي انقصف في أول الشباب سنة 1968، وكانت تلك الدفعة قد تتلمذت على الشاذلي العياري، وريمون بار الذي قام بالتدريس في تونس، ليتولى لاحقا الوزارة الأولى في فرنسا زمن  الرئيس جيسكار ديستانغ ويلمع كرجل سياسة واقتصاد على المستوى العالمي، بعد ذلك وجد نفسه يدخل عالم الإعلام الذي كنت سبقته إليه.
دخله ولم يخرج منه قط. بل برع فيه وانطلق منه للإعلامية وعلوم الكومبيوتر والقمار الصناعية التي نال فيها شهادة دكتورا دولة من باريس.
عشنا أصدقاء على مدى قرابة 70 سنة، اتفقنا واختلفنا، اختار أن يكون غالبا في جانب الحكم، وإن كان لم يسكت عن حق أبدا، وكان بالنسبة لي دوما معلما مرشدا، وكان  كذلك شديدا في نقده لاذعا في مواقفه، وخلال توليه النيابة في مجلس النواب، كان يقول إن التعبير والإعلان عن المواقف هو فرض عين لا فرض كفاية، ولذلك كان يتدخل، وقد أعد إعدادا جيدا تدخلاته، وكان في كثير من الأحيان يرتبها مع العارفين بأحوال معينة، ممن كان يتفق معهم أو يختلف وأحسب أني كنت أحدهم.
 وكان اختلافنا شديدا عندما اختارته اليونسكو ضمن لجنة "ماك برايد"  حول النظام الإعلامي الجديد خلال السبعينيات وما بعدها، ورغم التزامه ورغم قرابتنا وصداقتنا، فقد كتبت عددا من الافتتاحيات والمقالات ضد  هذه اللجنة ، حيث كنت مؤمنا بأنه لا مجال لتقييد حرية الصحافة مطلقا، بدعوى حق البلدان في العالم الثالث في إعلام موجه( وعلى القياس).
غير أن هذا الاختلاف لم يفسد علاقة لنا، حيث كان يتقبل مواقفي بكثير من رحابة الصدر، لأنه مؤمن بحرية التعبير كما تعلمناها صغارا ومنذ طفولتنا الأولى.
تلك حياة عشناها معا، أطول من أن يحتويها مقال، وأقوى من أن يطويها موت أو فراق.


**
علاقة تضرب جذورها بعيدا بعيدا جدا..
تونس / الصواب /27/09/2013
في رسالة نيل شهادة ختم الدروس الجامعية  في الصحافة وعلوم الأخبار، كتبها الطالب ماهر عبد الجليل المذيوب بعنوان :" المقال التحليلي في الصحافة التونسية 1976/1996 : عبداللطيف الفراتي نموذجا" ، استكتب الطالب عددا من الإعلاميين للتقديم لموضوعه،  وكان من بينهم كل من الدكتور مصطفى المصمودي والأستاذ صلاح الجورشي.
ولقد وجدت الفرصة سانحة بعد وفاة الصديق الأخ والرفيق مصطفى المصمودي لأنشر هذا الذي كتبه وهو بقدر ما كان موجها لشخصي ، كانت فيه إنارات كثيرة لحياة مصطفى المصمودي في طفولته وشبابه وكهولته.
وفي ما يلي المقال مخطوطا كما نشر في رسالة الطالب:











من أفضل ما قرأت مما كتب في مصطفى المصمودي
لعل من أفضل ما قرأت فيما كتب عن مصطفى المصمودي هذه القطعة التي حبرها الكاتب والمنتج الإذاعي المبدع أنور معلى، وهو من هو  قلم حر شجاع ناله لفترة بطش الحاكم، وما زال يصدع برأيه بكل شجاعة وبدون مجاملة :

Aujourd'hui, j'ai perdu un ami très cher, et auprès de qui j'ai beaucoup appris. Co-fondateur (avec feu Béchir Salem Belkhiria) de l'Association Tunisienne de Communication (ATUCOM), Mustapha Masmoudi était d'une curiosité intellectuelle et scientifique rare. Souvent en avance, il a permis à plus d'un (dont moi-même et ce n'est pas de la fausse modestie), d'être autant que faire se peut, à jour. C'est à son initiative que s'est tenue en Tunisie en 1985 une conférence internationale d'envergure sur les satellites à réception directe. Il a longtemps animé la commission nationale de l'espace. Sur un plan plus personnel, Si Mustapha, lorsqu'il était Secrétaire d'État à l'Information, a été le responsable qui m'a confié, à 26 ans en 1977, et sous la supervision technique de Si Hamadi Riza, ma première vraie étude (État des Radios et Télévisions des Pays Non-Alignés). Il faut dire qu'à l'époque, la Tunisie jouait un rôle important dans le mouvement (grâce à l'action qu'il y menait et à la présence simultanée à des postes diplomatiques-clés de personnes comme Mahmoud Mestiri, Zouhair Chelli, Taieb Sahbani, ... et j'en passe). Aujourd'hui que Le Tout Puissant l'a rappelé à Lui, je me demande, mais c'est trop tard dans tous les cas, si je lui ai suffisamment dit toute ma gratitude. Un conseil chers amis : tant que vous en avez la possibilité, revoyez le film de votre vie et rappelez-vous d'exprimer, comme il se doit, votre reconnaissance aux personnes que vous jugerez le mériter. Adieu mon ami et... merci


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق