Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الأحد، 8 سبتمبر 2013

الموقف السياسي - دولة بلا حكومة

الموقف السياسي
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
تونس..دولة بلا حكومة
تونس / الصواب /08/09/2013
قرأت للكاتبة الموهوبة نزيهة رجيبة ما معناه أن العدد لا يهم في مسيرة اليوم 08/09/2013 سواء كان كبيرا أو صغيرا، وهو بالفعل كان كبيرا لا فقط في عدد السائرين فيه ، ولكن في معانيه الأعمق، المتمثلة في الإصرار، وفي القدرة على التجميع والتعبئة، وفي التأكيد على المطالب وانطلاقها من مبادئ معينة.
أولا أن الدم الذي سال في تطاوين وفي المنزه وفي الغزالة وفي الشعانبي وفي قفصة حيث لا ينبغي نسيان الشهيد بن مفتي، لن يذهب هدرا، وأن أعتى حكومات العالم لم يكن أمامها أمام أنهار الدم ، وفي مثل هذه الأحوال إلا أن تذهب غير مأسوف عليها.
ثانيا أن الحكومة تلك الحكومة ، قد سقطت فعلا وانتهى أمرها، وهي رابضة على قلوب الناس دون قدرة لا على الفعل، ولا على الحكم، ولا حتى على تصريف الأمور العادية، فوزراؤها عاجزون عن اتخاذ القرار، وهمهم الوحيد البقاء لاستكمال مهلة العامين، التي تفتح لهم الحق في تقاعد مريح وفوري، يمثل 30 في المائة من مرتباتهم العالية، التي لم يكونوا يحلمون بها، باعتبار كفاءاتهم المهزوزة في غالبهم.
ثالثا أن ارتخاء عاما في البلاد أصابها بإصابة الحكومة، فلا إدارة تشتغل، في غياب وضوح الرؤيا وانعدام القيادة، ولا مؤسسات عمومية تستطيع شيئا، وحتى ملامح الميزانية العامة للدولة للعام 2014 لم تتحدد معالمها، بينما تلك الملامح تكون عادة جاهزة منذ شهر حزيران يونيو.
وما يمكن استنتاجه أن هناك دولة، ولكن ليست هناك حكومة
لذلك ليس مهما العدد وكان بالفعل كبيرا، وكبيرا جدا، لم تستطع النهضة أن تجمع ولو جزء منه في اعتصام (الشرعية) في 3 آب أغسطس بالقصبة(50 ألفا في أعلى التقديرات)، رغم النقل الجماعي على حساب الدولة، والمال المهوب والشوكوطوم والتدليل المفرط.
**
لعل واحدا فقط استوعب الدرس، عندما قارن بين قدرة النهضة  المحدودة على التعبئة، وقدرة جبهة الإنقاذ الخارقة على التعبئة سواء في 3 آب أغسطس أو في 13 آب أغسطس أو اليوم 8 أيلول سبتمبر، هذا الواحد هو الأستاذ راشد الغنوشي، المتمتع من وجهة نظرنا بحس سياسي، قد لا يكون كبيرا ولكنه على كل حال معقول.
من هنا جاء طلبه لمقابلة الأستاذ الباجي قائد السبسي، الذي بات بمثابة الملجأ  الوطني للخروج بالبلاد من عنق الزجاجة، لا باستلام منصب حكومي مهما علا شأنه، ولكن بالقدرة على قيادة فريق يمكن أن يرسم طريق الإنقاذ.
المعلومات المتاحة تفيد بما يشبه اليقين اليوم أن السبسي، لم يقبل بالمقابلة في تونس، وبعد السفر إلى باريس بدعوى العلاج حيث قابل شخصيات عربية وأوروبية من المقام الأول، مبرزا مكانته تونسيا وعالميا، بعد أن فرض نفسه وحزبه كرقم رئيسي وأساسي على الساحة التونسية، بعد ذلك السفر أعطى الإشارة لإمكانية استقبال الأستاذ الغنوشي في باريس، فانتقل إلى هناك على عجل بواسطة ثنائية وطائرة شخصية، فهما الغنوشي والسبسي ليسا في حاجة إلى وساطة، والمقابلة فرضت نفسها سياسيا على الرجلين، وربما الأستاذ الغنوشي أكثر من الأستاذ السبسي.
وكان ما كان من لقاء، رفضت أجهزة النهضة الاعتراف به بداية، قبل أن يذيع سره تأكيدا زعيم حركة النهضة شخصيا.
لليوم لا يعرف أحد ماذا دار في هذا اللقاء، وإلى ما انتهى إليه.
والمؤكد أن صفقة عقدت، وأن هذه الصفقة تحتاج إلى وقت لإنضاج طبختها، والتمكين من ابتلاع حربوشتها المرة الشديدة المرارة، وخاصة من قبل حركة النهضة وقياداتها التي أذهلها ولا شك هول المفاجأة، ولكن أيضا الحلفاء من الذيول والأذناب من تكتل ومؤتمر وكل من انفصل عنه، والمتمثلة في :
1/ لقاء الأستاذ الغنوشي بالأستاذ السبسي في حد ذاته، و كان من المحرمات قبل أسابيع قليلة، فقد تمت " شيطنة" السبسي وحزبه على مدى أشهر عديدة، واتهم بكل الاتهامات، ووصف بأقذع الأوصاف، ونعت حزبه بأنه يسعى لإعادة رسكلة التجمعيين.
2/ التخلي عن قانون تحصين الثورة.
3/ المرور بالتضحية بعلي العريض من خانة الخط الأحمر إلى خانة الخط الأخضر المطلوب.
4/ المرور بإسقاط الحكومة من خانة الخط الأحمر إلى الخط الأخضر المطلوب.
5/ وأخيرا وليس آخرا المرور بالمطلوب من حكومة انتخابات تشرف على الانتخابات إلى حكومة تكنوقراط، بكل صلاحيات الحكومة، ومنها ولا شك البت في التعيينات، واحتمالات حل روابط النهضة عفوا حماية الثورة.
وما "الفشل" المعلن للمسعى الرباعي، من وجهة نظرنا إلا جزء من الخطة بحد ذاتها، والعودة عائدة، والحل جاهز بعد أن قبلت النهضة بكل شيء، وموعد حل الحكومة متفق عليه، ولكن متى؟
**
 إن الخطوات المقطوعة من جهة النهضة كبيرة، ولا نريد أن نتحدث عن أتباعها فالنهضة تعرف وهم يعرفون أنهم لم يعودوا يمثلون شيئا لدى الناخبين، لا تكتلا ولا مؤتمرا ولا وفاء ولا تيارا،  ولا من هو لا في العير ولا في النفير مثل الطاهر هميلة.
بعضهم لن ينال حتى أصوات أفراد عائلته، أو أصوات معارفه.
إن هذه الخطوات تبدو شاسعة، ولكن القدرة على هضمها هي التي بدت في غاية الصعوبة والتعقيد.
من هنا ترك الأستاذ الغنوشي أمر التفاوض مع رباعية اتحاد الشغل/اتحاد الصناعة والتجارة/عمادة المحامين ورابطة حقوق الإنسان، للصف الثاني وربما الثالث، ليبرز أن الحل بيده في النهاية.
ومن هنا فسيكون هو الملجأ الأخير من جهة النهضة، ليتم تنفيذ صفقة باريس بينه وبين الزعيم الآخر أي الأستاذ قائد السبسي.
**
منذ تأسيس نداء تونس والباجي قائد السبسي يقول ويكرر، أن النهضة ضرورية للمشهد السياسي التونسي، ويوحي بأنه هو والنهضة القادران على الفعل في هذه البلاد، سكرة النصر هي التي ألهت النهضة عن إدراك حقيقة وضع متحرك على أرضية متحركة في ظل أوضاع لاحقة لثورة لا بد أن تكون صعبة، لأن أي ثورة ـ إذا كانت ثورة حقا ـ لا يمكن إلا أن تنتج فوضى لا يمكن السيطرة عليها، لا في شهر ولا في سنة، خصوصا مع مجموعة تنقصها الخبرة والمعرفة، وتستعجل اغتنام فرصة وصولها للحكم، وتعتقد أنها ستؤبد فيه، من هنا اعتمدت النهضة سياسة اقصائية أرادت أن تمارسها، كما تمت ممارستها ضدها، وككل سياسة اقصائية لا بد أن تدور عجلتها ضد من يمارسها.
المهم بعد زلزال استشهاد شكري بلعيد، ثم الحاج محمد البراهمي، بعد الفشل المدوي على كل الأصعدة أمنيا اقتصاديا اجتماعيا، رفضت النهضة أن تنظر للواقع كما هو، وجاء الخطاب الأول لرئيس الحكومة مليئا بالوعيد، مبرزا أنه لم يفهم، لا فقط حقيقة الوضع ولكن طبيعة التحرك السياسي الواجب، كما أحسن إدراكه سلفه حمادي الجبالي إن حقا أو تمويها.
كان ذلك هو الخطأ الأصلي، ولعل الأستاذ الغنوشي فهم طبيعة ما يجري عندما خرج 470 ألف تونس للشارع يوم 6 آب أغسطس، وحوالي 600 ألف يوم 13 آب أغسطس، وكان وهو الرجل المجرب والذي لا ينقصه الذكاء، قد يكون فهم ذلك مبكرا، ولكنه أخفى الأمر على مريديه، وقد يكون تفطن له لاحقا، فجاءت ـ بالنسبة للكثيرين من أنصاره ـ تراجيديا لقاء باريس، التي ما زالوا لم يستفيقوا منها ومن تبعاتها بعد، ولم يدركوا أبعادها.
ما استنتجه الأستاذ راشد الغنوشي، هو أن على النهضة، أن تدخل في الصفوف، وأن لا تغرد خارج السرب، ولعل تجربة ما حدث في مصر، أيقظته إلى دروس متعددة، فهو تطور كثيرا منذ السبعينات، سواء بإيمان أو بصورة انتهازية، وعلى الأقل في العلن فقد طلق فكر سيد قطب، الذي لم يستطع إخوان مصر أن يتجاوزوه، فجرى لهم ما جرى.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق