Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

السبت، 21 سبتمبر 2013

اقتصاديات -الاقتصاد في نفق مظلم

اقتصاديات
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
النفق المظلم
تونس/ الصواب/21/09/2013
نفق مظلم في آخر الطريق، وآفاق لا تبشر بخير، وإفلاس مطل، وفقر منتشر، تلك هي الإطلالة التي تطالعنا خلال أسابيع إن لم تكن قد أطلت بعد.
منذ سنتين والعارفون ينبهون إلى قدوم الكارثة، وقد حلت بعد، وأوقعت البلاد في مأزق خطير، ووصل الأمر إلى حد أن محافظ البنك المركزي، وهو عالم اقتصادي لا يشق له بنان، قد نبه إلى أن البلاد انتهت إلى ما لا ينبغي أن تنتهي له أي بلاد في العالم، وأن الوضع هو وضع لم تعرفه البلاد منذ أواخر الستينيات، أي في نهاية التجربة التعاضدية التي قادها أحمد بن صالح، وكبت بواسطتها البلاد كبوة لم تعرف لها تونس مثالا حتى في السنوات الصعبة في منتصف الثمانينيات،
من الطبيعي أن كل ثورة تنتهي، إلى اضطراب في المعادلات الاقتصادية، ومن الطبيعي أيضا، وفي بلد مثل تونس وصل معدل دخله الفردي إلى حدود 6 آلاف دينار في العام 2010 أن تعود إليه توازناته.
غير أن ذلك يحتاج إلى تقرير وتنفيذ سياسات اقتصادية، قائمة محوكمة ورشيدة، وذات نفاذ على المستقبل.
فقد كان مفترضا أن تأخذ الحكومة الانتقالية الثانية التي تشكلت في أواخر 2011 الثور من قرونه، وتتخذ القرارات المريرة التي يحتاجها وضع لا بد له من الحكمة، ولا بد له من الشجاعة.
من هنا كان اختيار الثنائي مصطفى كمال النابلي في البنك المركزي امتدادا للفترة التي قضاها في هذا المنصب سنة 2011، وحسين الديماسي في موقع وزير المالية في محله، لتصور سياسات اقتصادية ومالية ونقدية يحتاجها وضع خرج من ثورةK بكل ما يعني ذلك من اهتزازات، وما اقتضته من انخرام.
غير أن قصرا في النظر وأسباب سياسوية لا علاقة بالحكمة، أدت إلى الاستغناء عن محافظ البنك المركزي، الذي كان أشبه بكمال   درويش صانع المعجزة الاقتصادية التركية قبل وفود الإسلاميين للحكم والوافد هو الآخر من البنك الدولي تماما كمصطفى كمال النابلي، واستقالة حسين الديماسي الذي رفض تحمل تبعات سياسات كان يراها مؤدية للكارثة وتأكدت نظرته لاحقا، وتنعدم منها إرادة السياسية الاقتصادية المتسمة بالحكمة والمسؤولية.
ومنذ ذلك الحين أخذت الحكومة النهضوية، وبدون اختصاصيين حقا في الاقتصاد الكلي، تتخبط وترتجل اقتصاديا، كما في المجالات الأخرى السياسية والأمنية وغيرها، وبات همها مجانبة اتخاذ القرارات الواجبة والضرورية ، لأسباب انتخابية حتى لا تغضب الطبقات الشعبية، فإذا بها تسقط لعدم تقدير العواقب في الأسوأ، دون إدراك أو بقصد أنها تنزلق على منحدر حاد، وأن سياساتها ستؤدي بالبلاد إلى أوضاع أسوأ فأسوأ، فانطلقت مظاهر التضخم من عقالها، وانخرمت كل التوازنات الداخلية والخارجية وانهارت العملة الوطنية،وباتت كالخرقة مذكرة بوضع الليرة التركية قبل أن يأتي كمال درويش لإنقاذها ووضعها على سكة التقويم، فيما انفلتت مديونية استهلاكية غير منتجة للثروة، وستتحمل تبعاتها الأجيال المقبلة ، بداية من الأعوام الثلاثة المقبلة.
ورغم ذلك تواصلت المكابرة واستمرت، معلنة عن نجاحات دونشيكوتية ، لا وجود لها إلا في خيال أصحابها.
ثلاثة ملاحظات يجدر بالمرء أن يتوقف عندها:
أولها ما أقدم عليه محافظ البنك المركزي وهو رجل رصين عادة، من أن مسؤولية الوضع المتردي تقع على الطبقة السياسية جميعها، حكومة ومعارضة، وهو قول غريب لأن المسؤوليات تقع على الحكومات، لأن بيدها القرار.
ثانيها أن النهضة ونقول النهضة فقط لأن توابعها من المؤتمر والتكتل لا قرار لهما ولا قول لهما، وكلاهما لا يعدو أن يكون تابعا ذنبا لا غير.
ثالثها أن البلاد تسير على خطى ثابتة للأسوأ، وأن أي حكومة مقبلة سترث تركة ملغومة، إذا اتبعت سياسات رشيدة فإنها تحتاج إلى سنوات عديدة لإصلاح ما تم إفساده خلال العامين الأخير والمتمثل في دمار شديد.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق