بكل هدوء
|
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
التقاليد الغائبة
تونس – الصواب – 12- 09 – 2013
يجري حديث طويل عريض في تونس هذه الأيام، عن كبار المسؤولين الذين
عينتهم النهضة "في محاولة للسيطرة على مفاصل الدولة".
ويبدو أن ذلك صحيح إلى حد كبير، فمن بين 24 والي في البلاد ينتسب 19
إلى النهضة، فيما الخمسة
الباقون وفق مصادر مؤكدة، ينتسبون لشريكيها التكتل والمؤتمر، والأخير بالذات يضم
في صفوفه نهضويين تم تسليفهم لذلك الحزب، ولعل الطلب الملح من جهات في المعارضة،
لتعديل الكفة ومراجعة تلك التعيينات، وهو أمر وافقت عليه النهضة منذ شهر شباط
فبراير الماضي، ولم تتقدم خطواته قيد أنملة، مما يبرز صعوبة الأمر، ذلك أن النهضة أقدمت على
تعيين بين 5 وستة آلاف شخص، ابتداء من الوزراء والمستشارين وأعضاء الدواوين
الوزارية، والولاة والمعتمدين وحتى العمد، والمديرين العامين وحتى رؤساء المصالح.
وهي لا تعرف ماذا تفعل بهم اليوم إذا قدر ووقع الاستغناء عن خدماتهم
أو خدمات البعض منهم.
ولقد كان يمكن أن يكون مفهوما ، لو أقدمت النهضة على تعيينات بعدد
أقل، ووفق الحاجيات الفعلية، ولم تتخلص من موظفين سامين ودون ذلك يتميزون بالكفاءة
وطول التجربة، وغالبا ما يكون وقع تعيينهم سابقا وفق مقاييس علمية.
ولنتوقف عند الولاة والمعتمدين مثلا، دون غيرهم، ويجري حديث طويل عريض
عن ضرورة تعيين أشخاص مستقلين، ولكن هل لنا أن نمحص في معنى الإستقلالية ، وهل
هناك فعلا مستقلون، لا ينتمون إن لم يكن عضويا فعلى الأقل فكريا لهذا التوجه أو
ذاك، ولعل عبارة مستقل أصبحت تعني أن لا
يكون المرء نهضاويا، وهي كلمة تضع الجميع في سلة واحدة ما داموا ليسوا نهضويين أو
من أحزاب دينية.
ولو كانت النهضة أكثر ذكاء لما أغرقت الإدارة العمومية بسيل من
انصارها ومريديها، ولما أثار ذلك إشكالا، ولكنها استعجلت من جهة، واعتمدت أهل
الثقة ( بمعنى الولاء) على أهل الكفاءة.
ولقد رأينا من الولاة والمهتمدين من أمعنوا في إبراز بطاقتهم النهضوية،
سواء على جبينهم أو عبر لحييهم، إضافة إلى أنهم في غالبهم كانوا قليلي الخبرة
ومعدومي التجربة، وفي الغالب بدون كفاءة تذكر.
وكانت النتيجة أن النهضة، باتت متهمة في مجال ما كان لها أن تسقط فيه
بكل تلك البلاهة، فتثير ردود فعل ضدها قوية وأحيانا مبررة. وهي مطالبة ومسؤولة عن
المئات إن لم يكن أكثر ممن فتحت لهم ابواب الجنة وعليها اليوم ان تقفلها.
وإذا كان هناك قانون في تونس يحدد الكيفية التي يعين على أساسها
الولاة والمعتمدين، وسواء كان محترما أولا ، فإن النهضة خرقته في كال الأحوال ،
ولم تعين لا واليا ولا معتمدا وفق المقاييس المحددة.
وفي فرنسا مثلا التي نقلنا عنها تنظيم سلك الولاة، فإن الولاة جميعهم
(les préfets)
يتم تصعيدهم من سلك ما يشابه سلك المعتمدين
عندنا ، وهم بدورهم من خريجي مدرسة الإدارة الفرنسية الشهيرة ( إينارك)، ويقضي
المعتمد عندهم 15 إلى 20 سنة ليتشبع بروح الإدارة المحلية، قبل أن يتم تصعيده
لرتبة والي، وعادة ما يكون حاملا لاختصاص معين اقتصادي او قانوني او هندسي أو غيره.
ويشترط في المعتمد والوالي أن لا يكون له
انتماء سياسي معلن، و
أن يكون على نفس المسافة من الأحزاب أو زعماء
الأحزاب.
ومن المفروض أن يكون الوالي او المعتمد على أناقة
معقولة، ولا يمكن تصور والي بدون ربطة عنق، فكيف إذا كان رئيس الجمهورية عندنا لا
يحمل كرافاتة، بدعوى إنه لم يلبس في حياته ربطة عنق، بينما لي صور عديدة معه عندما
كنا معا في الهيئة المديرة لرابطة حقوق الإنسان وقد وضع ربطة عنق في رقبته.
كما إن الوالي في فرنسا عندما يظهر في
المناسبات الرسمية لا بد له من لباس زيه الرسمي الذي توفره له الدولة.
وللأسف فلقد رأينا ولاة من هؤلاء الجدد، في
اجتماعات رسمية، وقد رفعوا الكلفة إلى حد التشمير عن الساعدين بطي أكمام القميص،
إن هيبة الدولة تتبدى في المظهر، من جهة
والكفاءة، والحضور إلى حد ما الركحي من جهة أخرى.
أما إذا غاب الإثنان فأي أثر يكون للوالي أو
المعتمد، الذي لا يحترم الناس عندما يظهر في مظهر غير لائق، مضاف إليه قلة كفاءة
وقلة خبرة.
ويشترط في الوالي في فرنسا حتى قبل أن يصبح
معتمدا، أن يمر على امتحان نفسي، لتبرز شخصيته، بحيث لا يكون انفعاليا، ولا يكون
مترددا، ولا يكون من ذلك النوع الذي يسعى لفرض رأيه بقوة سلطته، بل بقدرته على
الإقناع، ولكن أين نحن من هذا مع الولاة والمعتدين الذين عينتهم النهضة، وغالبهم
بلا إشعاع ، ولا كاريزما ، ويتميزون بإعلان انتمائهم إلى النهضة، وكأنه شهادة يفتخرون بها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق