Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الأربعاء، 25 سبتمبر 2013

اقتصاديات - على أبواب الكارثة

اقتصاديات
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
التقشف ومعانيه العميقة
تونس/ الصواب/25/09/2013
بمواربة وبدون إعلان ذلك صراحة، فإن السلطات التونسيةـ   تسرب أن سياسة تقشفية، ستتبع مستقبلا، باعتبار الأوضاع الاقتصادية المتدهورة.
ويستشف المرء ذلك سواء من تصريحات السيد الشاذلي العياري محافظ البنك المركزي، أو السيد إلياس الفخفاخ وزير المالية.
غير أن الوضع يبدو أكثر تعقيدا من بعده الاقتصادي الصرف، وهو مستعص على الحل لتداخل متشابك بين النواحي السياسية والنواحي الاقتصادية.
وإذا كان الوضع الاقتصادي في أشد مرتكزاته تدهورا: انخرام في التوازن المالي للميزانية العامة مدعو لمزيد  من التقهقر ليبلغ رسميا 7.4 في المائة وواقعا ليس أقل من 9 أو 10 في المائة(الوضع الطبيعي 3 في المائة)، انخرام في الميزان التجاري بصورة غير مسبوقة، تدهور مؤشرات توازنات ميزان المدفوعات، انهيار قيمة الدينار قياسا إلى أهم العملات التي تتعامل بها تونس ، انفجار نفقات الدعم، تجاوز حجم المديونية الحدود التي كانت تعتبر قصوى قبل ثلاث سنوات، إذا كان الوضع كذلك، فإن الأدوية المرة التي يمكن للأطباء الاقتصاديين صرفها باتت في غالبها غير مفيدة إلا إذا كانت صادمة  وغير ذات شعبية.
أولا: أن الأدوية المرة التي كان يمكن أن تكون ناجعة في بدايات 2012 وربما حتى في بدايات 2013 ، لم تعد ذات مفعول يذكر إلا على مدى طويل من جهة، وبتضحيات شعبية جسيمة من جهة أخرى، ليس مؤكدا أن يتقبلها المواطنون عن طيب خاطر.
ثانيا، إن الحكومة وهي عاجزة وتبدو غير ذات كفاءة ولا بصيرة، لا تريد أن تصارح الشعب بحقيقة وضع ، لا يمكن أن يزداد سوء إلا إذا وصلت البلاد للكارثة، وهي قاب قوسين أو أدنى منها.
ثالثا : أن الحكومة حتى إذا أخذت شجاعتها بكلتي يديها، ورغبت فعلا في هذه المصارحة المريرة، فإن هامش المناورة لديها يبقى محدودا إن لم يكن معدوما، باعتبار واقع الحال، من حيث انعدام الثقة، تجاهها بعد أن وصل وضع المواطنين ، فضلا عن وضع البلاد ، إلى ما وصل إليه من تردي، أصبح يشاهد بالعين المجردة.
ومن هنا فإن تونس تواجه نهاية سنتها الحالية ، بوضعية يتفق كل الخبراء على سوء حالها، ورغم ذلك فإنها  أي الحكومة مصممة على الذهاب إلى الأمام، في نكران حقيقة الواقع، ورفض التعامل معه بكل واقعية، بما في ذلك إيجاد أرضية للوفاق الوطني هي وحدها الكفيلة، بالخروج من المأزق. ولكن أنى للحكومة الحالية وقد فقد كل شرعية أو مشروعية أن تكون موقع وفاق.
أما بوادر العام المقبل فإنها تبدو أكثر سوء وسوادا، وستقود تونس، إلى ما لم تشهده من قبل منذ استقلالها من تدهور وضع، وإفلاس مؤسسات، وانتشار بطالة.
فانهيار الدينار وحده  بهذا الحجم والفجائية والسرعة يشكل كارثة، من حيث ما يؤدي إليه من ارتفاع كلف الإنتاج، وبالتالي مزيد تدهور القدرة على  الحفاظ على أسعار تصدير يمكن أن  تكون معقولة، فضلا عن ارتفاع لأثمان السلع المستوردة سواء كانت استهلاكية أو مندمجة في كلف الإنتاج. فضلا عن تراجع كبير في الطاقة الشرائية للمؤسسات والأفراد.
أما عجز الميزانية  العامة للدولة بهذه الأحجام التي لم نر لها مثيلا إلا في بلدان كاليونان وما شاكلها، فإنه ينذر بنذر تضخمية منفلتة، لعلها تذكر بتركيا في التسعينيات قبل أن يقف على تطبيبها وزير الاقتصاد الأسبق كمال درويش، الذي وضع أسس اقتصاد سليم للبلاد قبل قدوم أردوغان وحزبه للحكم.
وفي حال استمرار العجز المتفاقم للميزان التجاري ، وتواصل تراجع السياحة ومداخيل العمالة التونسية وغيرها من اللامرئيات ، فإن التوازنات كلها تصبح مهددة بكل الأخطار.
وأخيرا وليس آخرا فإن انفجار المديونية، ووصولها وفقا للأرقام الرسمية إلى 47 في المائة من الناتج(أرقام محايدة تصل بها إلى 50 في المائة) / واتجاهها لا لتمويل عملية التنمية بل الإنفاق الاستهلاكي المتمثل في تغطية عجز ميزانية الدولة وعجز الميزان التجاري وميزان المدفوعات، كل ذلك ينذر بأخطار وافدة ، ويتهدد الوضع العام بالويل والثبور.
ما تحتاجه البلاد للخروج من الورطة التي أدخلتها فيها حكومات بلا رؤية، ولا قدرة ولا كفاءة، هو حكومة قادرة على:
** مصارحة الناس بحقيقة وضع لا بد من القول بأنه أكثر من كارثي
** الشجاعة على اتخاذ قرارات غير شعبية ولكنها ضرورية كالدواء المر، وبعيدا عن أي حسابات انتخابية.
وطبعا فليست الحكومة القائمة هي القادرة على مصارحة الناس وهي المسؤولة عما وصل إليه الحال، ولا هي القادرة على اتخاذ القرارات الواجبة، والتي تتناقض بطبيعتها مع الحسابات الانتخابية، لعدم شعبيتها.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق