Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الأربعاء، 18 سبتمبر 2013

بكل هدووء - مسؤولون سياسيون بدون تبعات سياسية في بلد العجائب والغرائب التي هي تونس

بكل هدوء
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
التبعات السياسية،
للأخطاء
تونس الصواب /18/09/2013
في بداية العام 1980 ، كتب الديبلوماسي التونسي في دمشق، عدنان القرقوري، مراسلة خاصة وسرية، حول معلومات بلغته بشأن تحضيرات تجري بين بيروت وطرابلس الغرب، بشأن تحضير اعتداء ما على تونس.
وإذ لم تنشر المراسلة- قط، فإن ما تسرب بشأنها وقتها يفيد بأن كومندوس، من تونسيين قادم من ليبيا عبر الجزائر سيستقر في إحدى مناطق الجنوب، ليجعل منها قاعدة انطلاق للسيطرة على تونس.
يبدو أن لا أحد اهتم بتلك المراسلة-  ولم يتحسب لها أحد، إذ لم تمر إلا أيام حتى حصلت أحداث قفصة التي كان وراءها  من الجانب الليبي العقيد القذافي نفسه، ومن الجانب الجزائري الكولونيل هوفمان، الذي قد يكون تلقى الضوء الأخضر من الرئيس الراحل بومدين قبل وفاته.
وسواء صحت تلك المعلومات عمن تورط من الأشقاء في العملية أو لم تصح ، فأسرارها بقيت محاطة بغيوم داكنة، والحكومة التونسية التي لم تكن تريد أن تفتح على نفسها واجهتين اثنتين، فضلت أن تسكت عن التورط الجزائري.
عالجت الحكومة التونسية ما سمي أيامها بالعدوان، بالحزم اللازم، وتم استعراض قوات خارجية على مشارف المياه الاقليمية التونسية وفقا لمصادر لم يتم تأكيدها قط، و قررت مصر، وكانت العلاقات الديبلوماسية مقطوعة معها وضع قواتها على ذمة تونس، كما إن المغرب الأقصى لم يكتف بالتعبير عن التضامن، بل ذهب وفقا لأقوال متطابقة إلى أبعد من ذلك.
كان رئيس الدولة آنذاك يقضي فترة استجمام في مدينة نفطة، وكان من  عادته في الإنتقال بين فيلات له في الكاف والمنستير وصفاقس ونفطة،، للراحة كما يقول، وليكون قريبا من نبض الشعب في تلك المناطق وغيرها كما "يدعي".
نصحوا بورقيبة بالعودة إلى العاصمة لتأمين حياته، من احتمالات محتملة، فالصورة لم تكن قد اتضحت بعد، وحجم التمرد لم يكن قد بدت أبعاده الحقيقية، ونفطة لا تبعد سوى بضعة عشرة كيلومترات عن قفصة، ولكنه رفض مصرا على البقاء قريبا من مسرح الأحداث.
تم القضاء على الكومندوس، وجاءت ساعة المحاسبة لا للمشاركين في الأحداث فقط فجرت محاكمتهم وأعدم من أعدم، ولكن أيضا وخاصة لمن قصروا في التبليغ، وكان آخرهم وزير الخارجية آنذاك محمد الفيتوري، القريب من الهادي نويرة الوزير الأول الذي أصيب في الأثناء بالفالج ، فقد فقد منصبه بمجرد ما جاء محمد مزالي للوزارة الأولى بعد مرض سلفه.
**
سيقال إنها قصة طويلة فما هو محلها من الاعراب الآن.
ببساطة إن الفعل السياسي، هو فعل له تبعات في كل البلدان المتقدمة. التي لا يختلف حولها أحدا، المجازاة في هذا الاتجاه أو ذاك.
من يخطئ لا بد أن يدفع الثمن، وفي السياسة فإن الثمن هو المغادرة للمنصب إن طوعا بالاستقالة وهو الموقف الأكثر حفظا للكرامة لأن فيه اعتراف بفشل ما،، أو غصبا بالاقالة، وهو الموقف الأسوأ سياسيا.
نسوق هذا بمناسبة ما يجري هذه الأيام.
وعموما ، فإن الاستقالة تأتي لفشل، وقد تكون بسبب عدم اتفاق مع السياسات المتبعة أو طرق تنفيذها.
ورجل السياسة ينبغي له أن يكون مستعدا للمغادرة من أول يوم يدخل فيه منصبا سياسيا.
ولقد أحصيت استقالات كثيرة من قبل، ففي فترة الحكم البورقيبى كانت استقالة أحمد المستيري من منصبه كوزير دفاع  سنة 1968جاءت على خلفية عدم موافقته على سياسات التعاضد المتبعة، وفي سنة 1971 من وزارة الداخلية ( باالرغم من محاولة تغليفها كإقالة) على خلفية تعيين ولاة في غيابه دون استشارته وهو الوزير الذي تهمه في المقام الأول هذه التعيينات بوصفها من صلاحياته.
وفي الفترة البورقيبية أيضا وفي ديسمبر 1978 وعلى خلفية الإقالة المهينة للطاهر بلخوجة من وزارة الداخلية، واقتحام مكتبه، وأيضا على خلفية نية التصعيد ضد اتحاد الشغل والحبيب عاشور، استقال محمد الناصر وزير الشؤون الإجتماعية  والحبيب الشطي وزير الخارجية، ومنصف بالحاج عمر الكاتب العام للحكوة ووزير الوظيفة العمومية، والمنجي الكعلي، وأحمد بنور كاتب الدولة في وزارة الدفاع.
كان منهم ذلك عملا شجاعا، كان يمكن أن يؤدي بهم إلى السجن، تماما كما حصل في مصر في 15 أيار مايو 1971 على خلفية اعتبار السادات  استقالة رئيس الحكومة علي صبري ووزير الإعلام محمد فائق ووزير الدفاع محمد فوزي عملية مؤامرة تستهدفه هو شخصيا وتستهدف أمن البلاد، ولنلاحظ دائما التوازي بين ما يجري في مصر وما يجري في تونس، بلدان هما اللذان دشنا عهد " النهضة" أي الانفتاح في تونس ومصر.
وحتى زمن بن علي فإن هناك رجلان سياسيان، يتمتعان حقا بخصال لا فقط رجال السياسة بل رجال الدولة، استقالا من منصبيهما وإن تم تغليف الأمر باعتباره إقالة ، وكان ذلك في وقت متقارب، هما محمد الشرفي، ومصطفى كمال النابلي من وزارتي التعليم والتخطيط.
**
ولا نريد هنا أن نتحدث عن الفشل المدوي في غالب مجالات الحكم، لنقص في الخبرة وحتى الكفاءة، وللعزوف عن اعتماد الشخصيات ذات التجربة، والاكتفاء بتخيير تعيين  أهــــل الثقة ( بمعنى الولاء) على أهل الكفاءة، بل سنسعى لنشرح حالتين أو ثلاثة لوزراء يعترفون بدون مواربة بأن الأمر منفلت من أيديهم، ورغم ذلك فإنهم باقون في الكراسي، على غير ما كان متوقعا منهم باعتبار ماضيهم، والدرجة العليا من الأخلاق المشهود لهم بها.
وهم وزير التعليم، وهو أستاذ جامعي لا يضيف له المنصب الوزاري شيئا للرفع من قيمته، إنه مستقيل منذ أسابيع طويلة، ولكنه باق في منصبه( للتسيير العادي للأمور) بينما الأسباب التي استقال من أجلها متواصلة ، بل إنها تحتد أكثر فأكثر، فالتعيينات في وزارة التعليم  سندها الأساسي هو الكفاءة العلمية، وليس الأمر كذلك مع الوزير المستقيل الباقي، وقد  بلغت  التعيينات على ما يبدو حدودا لا تطاق، وهو ببقائه في المنصب إنما يقدم سندا للذين يتلاعبون بمستقبل الأجيال، وهو ليس سوى" أليبي " alibi  مطية للذين يسعون لتغيير نمط المجتمع، ويسعون لاستعمال المدرسة لذلك ضمن تحركات أخرى.
**
على أن من الخطير أيضا ، ما يجري في وزارة العدل فهذا الرجل تم تقديمه على  أنه مستقل، واعتقادي الشخصي أنه كذلك، وهو جامعي ناجح في أعلى المراتب العلمية.
وإذ استغرب الكثيرون غياب الوزير بن عمو من مسرح الأحداث تماما منذ تعيينه في منصبه، رغم  التطورات الجسام التي مر بها الوضع العدلي في البلاد، بعد أن كان مؤملا أن ترفع الإدارة الإدارية يدها عن القضاء جالسا أو واقفا،.
وجاء في بلاغ نشرته وزارة العدل، ولا يمكن لشخص خبر المسالك الإدارية بمختلف اختصاتها، أن يغيب عن ذهنه أن مثل هذه البلاغات لا يمكن إن لم تصدر عن الوزير نفسه فعلى الأقل بعد اطلاعه عليها.
جاء إذن في البلاغ "تبعا لما تداولته وسائل الإعلام في خصوص التتبعات القضائية المثارة ضد الإعلامي السيد زياد الهاني( لاحظوا السيد وهو ما لا يستعمل عادة) تذكر وزارة العدل أنه لا علاقة لها بمسألة إيقافه التي تمت بمقتضى قرار قضائي ولا علاقة لها بقرار الإفراج عنه الصادر بدوره عن جهة قضائية مختصة.
كما تؤكد الوزارة أن القرارات الناتجة عن التتبعات القضائية هي من اختصاص السلطات القضائية وحدها وأن علاقة وزارة العدل بالنيابة العمومية تنظمها أحكام مجلة الاجراءات الجزائية، وخاصة منها الواردة بالفصول 22 و23 و258 و278  والتي لا تخول لوزير العدل التدخل في مسار القضايا المنشورة ،،، إلى آخره إلى آخره من بلاغ لا يقنع أحدا، " وللأسف أن يكون صادرا عن.. رجل عرف بما عرف به من نزاهة لا يتطرق لها الشك ،في هذه الأوقات الصعبة والمحاطة بكل غموض، وهو ليس في حاجة إلى صفة وزارية ليفرض لنفسه الإحترام.
** لنقل أولا إن جملة قوانيننا مستمدة غالبا من القوانين الفرنسية، وأن دور النيابة كان في فرنسا مرتبطا بالوزارة وبالوزير، حتى تولى الحكم الرئيس الأسبق ميتران، وقامت وزيرته للعدل إليزابيت قيقو بفك الإرتباط بين الوزارة، والنيابة العمومية، وحتى في مصر فإن ما حصل منذ زمن أن النيابة لم تعد خاضعة للوزارة، ولقد حاول الرئيس السابق محمد مرسي إعادة الأمور إلى ما اعتبره نصابها، عندما استعاد إشراف الوزارة على النيابة، وعزل النائب العام، وعين مكانه نائبا عاما مواليا، وجاء ما يوازي محكمة التعقيب عندنا، فأبطل قراره.
**لنقل ثانيا إن وزير العدل إذا بدا له اختلال معين، له القدرة عن طريق التفقدية العامة وهي قضائية، أن تتثبت من الأمر، خصوصا وأن ما حصل لم يفاجئ أحدا، وأن النصوص المعتمدة في توجيه الاتهام  هذه الأيام ،هي نصوص بالية تجاوزها الزمن، بل وتم إلغاؤها منذ 40 سنة أو تكاد.
ولقد رأينا اختلالات معينة مثل تلك التي حصلت مع سامي الفهري والرمي عرض الحائط بقرارات محكمة التعقيب، أو مع  وزير الشؤون الدينية الأسبق ، أو كذلك ما جرى من سجن وزير أسبق وفرض دفع كفالة بعشرات آلاف الدينارات ،  على خلفية أموال دخلت خزينة الدولة بالكامل، وكل الحجج تثبت أنها لم تخرج يوما من مكانها الطبيعي.
** ولنقل ثالثا إن حقوق الانسان تقوم على عدد من المرتكزات، ولعل أهمها الحق في الحياة، ثم الحق في الحرية، ونحن نرى اليوم تسرع في إيقاف، من لا ينبغي إيقافه. والضرب عرض الحائط بحق المرء في حريته إذا لم يكن هناك خطر يتهدد الآخرين أو يتهدده إن بقي في حالة سراح.
وللمرء أن يتساءل ، لو كان المعني موظفا أو حتى وزيرا، وتعرض إلى ما تعرض له عشرات أو مئات الذين تم إيقافهم وحتى سجنهم ومنهم زياد الهاني ، مع ما يصحب ذلك من دمار نفسي للشخص وعائلته وأصحابه ومعارفه ، ثم أطلق سراحهم، ماذا يكون موقفه؟
**
ولن نطيل أكثر مع وزير الداخلية وهو رجل هو الآخر مشهور بنظافة اليد وعفة الضمير والنزاهة لا فقط المالية ، بل وخاصة السلوكية ،، ويقول الذين تولوا القيام بالتقصي في لجنة استقصاء الحقائق وكان قاضيا في القصرين، إنهم أعجبوا بحياده ومهنيته العالية، وبشخصيته المتوازنة وأدبه الجم وهدوئه المثالي..
ولعل تلك النزاهة تتبدى كأكثر ما تتبدى بالاعتراف بوجود الوثيقة ذات المصدر الأمريكي، المسلمة للجهات التونسية في 14 تموز يوليو الماضي حول احتمالات حصول عملية اغتيال من جهات سلفية مستهدفة الحاج محمد البراهمي، والذي سيتم اغتياله لاحقا فعلا يوم 25 تموز يوليو.
الوزير لم يقع إعلامه بالوثيقة إلا بعد ذلك بمدة وبعد أن حم القضاء وحصل المحذور.
وإذ لا نريد أن نشكك في مقولة الوزير، بأنه لم يكن على علم بهذه الوثيقة، فما هو دور الوزير ، إذا لم تكن مصالحه المقربة تضعه على علم بكل المحتمل وقوعه.
وأذكر هنا أن وزير داخلية أسبق قال لي مرة: إن الوزير عندما يستلم هذه الوزارة يكتشف أن جزء منها ربما تكون له موالاة لآخرين، ولكنه عليه بسرعة وخلال أسابيع قليلة جدا أن يسيطر على مصالحه.
ولا نريد هنا أن نحمل الشخص الذي تلقى المعلومة المسؤولية بمفرده، فهذا شأن تحقيق لا أحد مؤهل غير المصالح المتخصصة أو حتى القضاء أو حتى لجنة برلمانية للتحقيق فيه، ولكن لا يغيبنا أن نقول إن الوزير يتحمل مسؤولية سياسية كبرى، وللأسف فإن تونس اليوم لا تعرف معنى للمسؤولية ولا تبعاتها.
fouratiab@gmail.com


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق