Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الاثنين، 16 سبتمبر 2013

الموقف السياسي - أسبوع الحسم

الموقف السياسي                            
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
الأيام الحاسمة
تونس – الصواب – 16-09 -2013
وفقا لما جاء في الصحف المحلية والإذاعات الخاصة فإن خارطة طريق أعدها الفريق الراعي (الكرتات)(1) كما يحلو للبعض تسميته، مثلما درجت عبارة "الترويكا" بمعنى الثلاثي الحاكم قد قدمت لأطراف المعنية،  إذن ووفقا لما جاء فإن الأسبوع الحالي الذي انطلق اليوم الإثنين يعتبر أسبوعا حاسما، و يؤكد  أصحاب المبادرة أنها آخر فرصة، محملين فشل المبادرة الأولى ، ولو تلميحا إلى الترويكا الحاكمة وبالذات حركة النهضة.
غير أن الأطراف الأربعة لا تريد أن تعلن موضوع تهديدها وطبيعة أشكاله، فهي تؤمل أن يتم التوصل إلى حل، قبل اليوم (صفر)، أي اليوم الذي ينطلق فيه تنفيذ خارطة الطريق الجديدة المقترحة، المتراجعة إلى حد ما عن المبادرة المعلنة قبل أسابيع، وتعتبر الرباعية ، بالجدول الجديد أنها قدمت أكثر ما يمكن تقديمه من تنازلات.
غير أنه واستباقا لنشر الخارطة الجديدة كرر رئيس المكتب السياسي للنهضة عامر العريض، وهو شقيق رئيس الحكومة على العريض، الأقوال السابقة، والمتمثلة في رفض الحديث عن قيام حكومة جديدة قبل المصادقة على الدستور، ما يعني ضمنا التراجع عن التزامات سابقة من النهضة، أعلنها رئيس الحركة ذاته، وتراجعت عنها الحركة، في سابقة في هذا الحزب الذي يعتبر عموما شديد الطاعة والولاء لقيادته العليا.
وإن لم يظهر للعلن لا تصدع ولا تشقق، فما من شك أن هناك أشياء داخل الحزب الحاكم، تبرز أن الأمور ليست كما كانت دوما، وبعكس العادة والفوارق بين متصلبين وحمائم، فإنه يبدو أن الخلافات هذه المرة تمتد داخل صفوف الوافدين من الخارج الذين كانوا منفيين، والسجناء السابقين في الداخل، الذين كانوا يتهمون من نفذوا بجلدهم إلى العالم الخارجي، بأنهم تركوهم يواجهون مرارة السجون وسوء المعاملة، فيما المنفيين كانوا في  أرغد العيش في العواصم الأوروبية والخليجية.
ففي مقال منشور بعدد اليوم الإثنين من صحيفة الشروق بعنوان "خريف الغضب في النهضة" يقول الكاتب "الحبيب الميساوي":"المطلعون على خفايا الأمور داخل حركة النهضة، يعون جيدا أن هناك تململا في صلب قواعد الحزب، بلغ أوجه يوم 22 أوت الماضي (آب اغسطس) لما قبل رئيس الحركة بمبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل"
ويضيف الكاتب:"في ذلك اليوم صرح السيد راشد الغنوشي حرفيا ، قبلنا بمبادرة الاتحاد بشكل واضح، ليتراجع في المساء بعد موجة عارمة من الغضب انتابت قواعد حركة النهضة...."
وينهي الكاتب مقاله بعد الحديث عن" ائتلاف وطني لتحقيق أهداف الثورة ودعم الشرعية" بزعامة قيادات من النهضة وحوالي 200 جمعية من توابعها بالقول: " وكان أكثر من ملاحظ يعتقد أن ما يبدو ظاهريا خلافا بين قيادة حركة النهضة وقواعدها، هو في الحقيقة تبادل للإدوار لا غير، لكن الواقع داخل الحركة يقول العكس،فالجميع يعلم اليوم أن صراع الأجنحة، هو أكبر خطر يهدد مستقبل الحركة السياسي".
لكن الإخطر هو ما قاله الأستاذ عبد الفتاح مورو اليوم أيضا على صفحات التونسية:" النهضة ستضحي بالغنوشي ، وهو محاصر اليوم (داخل النهضة) وجرالو ما جرالي".
ويضيف الأستاذ مورو:"نعم سيضحون به،وهذا أمر مؤكد، هم الآن يبقون عليه كرمز، وفي تصوري أفقدوه سبب وجوده، وكيانه لأنه مفكر".
**
في هذه الأجواء المتسمة بانقسام حاد داخل الحزب الذي يبقى بيده العقد والحل، وتراجع دور "الوديعين" في صفوفه ، وتصاعد دور الصقور، الذين أمسكوا بيدهم مصير المفاوضات مع "الكارتات"، وأفشلوا مسارها قبل عشرة أيام، وما زالوا ومن ورائهم رئيس الحكومة الحريص على منصبه، والذي يراكم أسباب عدم الرغبة في التفريط فيه، بعد أن تكاثرت ضده عن حق أو باطل الاتهامات، بأنه وراء كل سيء من الأعمال، سواء في وزارة الداخلية ، أو في رئاسة الحكومة، في وقت لا يسيطر فيه لا هو ولا وزراؤه على شيء، في هذه الدولة العميقة كما وصفها يوما الرئيس المصري المعزول محمد مرسي،فرغم التسميات النهضاوية الكاسحة، فإنها لم تفد شيئا لاختراق إدارة بقيت وفية لتقاليدها.
وإذ ساد الأمل، وتعاظم الاحساس في وقت من الأوقات، بأن تفاهمات باريس بين الاستاذين الباجي قائد السبسي، وراشد الغنوشي أفضت إلى صفقة مرتبة، فإن الهزة التي شهدتها النهضة، كما رأينا وكما سنرى لاحقا، قد أسقطت إرادة الشيخين في الماء، وربما ذهب ما كانت تعتمده من بوارق الأمل.
وبدا الشخص الذي اعتبر قويا جدا، وحاكم تونس الفعلي أضعف مما كان يعتقد، فتم على ما يبدو تجاوزه إن لم يكن تحييده، وأوكلت مسألة التفاوض مع الرباعية، إلى شخصيات من الصف الثاني، التي بدا معها الأستاذ راشد الغنوشي وكأنه وضع على الرف.
وتناقضت تصريحات المكي وعامر العريض واللوز و شورو وعتيق وغيرهم ، مع مواقف زعيمهم، وجاء الحديث الخاص للأستاذ عبد الفتاح مورو  ليبرز رسميا الوضع الجديد لزعيم الحركة.
**
في هذا الوضع ماذا سيكون عليه مسعى "الكارتات" ، وما هي النتائج المنتظرة.؟
الواضح أن النهضة لن يكون لها في الوضع الجديد جوابا سياسيا على المقترح المقدم، بل جوابا تصعيديا، ربما لا يكون قابلا لخارطة الطريق المقدمة من الرباعي، ولا لمراحلها المحددة زمانا بكل وضوح.
وراء هذا الجواب عنصران أو ثلاثة.
أول العناصر، أن الموقف الجديد يغيب تماما المراجعات الحاصلة في النهضة، التي بدت وأنها على شعور بعمق ما يعتمل في أعماق المجتمع، بعد تكرر الاغتيالات السياسية، وبعد ما حدث في مصر، وبعد الاعتصامات والمسيرات الجماهيرية التي نبهت إلى أن رياح التغيير قد فرضت نفسها، وأن النهضة بدت وكأنها تلقت الرسالة واضحة، وأنها تفاعلت معها قبل أن تتراجع عنها.
وثاني هذه العناصر أن الصقور هم الذين أصبح بيدهم القرار.
وثالث هذه العناصر، هو أن النهضة التي نجحت ولو نسبيا في الانتخابات التي جرت في 2011، قد قررت الاستئثار بالحكم، والحفاظ عليه بكل ثمن، وبالتالي فهي مستعدة لكل شيء، وهي أو بعض قيادييها شاعرة بأن مغادرتها للسلطة يشكل بالنسبة إليها خطرا غير محسوب العواقب، فقد ذكر القيادي النهضاوي وليد البناني (2) " في هذا المستوى طلبنا منهم (أصحاب المبادرة)أكثر دقة في المعلومات حول ما حصل في المفاوضات، وخاصة حول ما صار يروج عن مخاوف موجودة لدى النهضة من أن ترك السلطة قد تدفع ثمنه غاليا أي تكرار السيناريو المصري ويحصل لهم ما حصل للإخوان المسلمين في مصر حيث تجاوز الأمر الانقلاب عليهم وإخراجهم من السياسة إلى قمعهم وإدخالهم إلى السجون ومحاكمتهم ".
ولعل تخوف الإسلاميين يبقى مشروعا، من احتمالات قد تكون بعيدة بالقياس إلى السياق التونسي، وأيضا لطبيعة سلوك النهضة خلال قرابة عامين من الحكم ، وكان مختلفا في نواحي عديدة، عن سلوك الإخوان المسلمين في مصر، إضافة للخلاف الفكري الجذري على الأقل حتى المراحل الأخيرة.
لكن تخوف النهضاويين غير المبرر – إلا للذين قد يكونون تجاوزوا القانون مثل غيرهم من التونسيين سواء بسواء – لا يمكن أن يكون عذرا كافيا، فهو محتمل في كل الأحوال في حالة ما إذا جاءت الانتخابات بأغلبية مخالفة، إلا إذا لم يكن في النية لا الوصول إلى الانتخابات، أو تركها تجري سليمة.
ولعل الهدف من خارطة الطريق الجديدة للرباعي هي الضمان المطلق للانتخابات المقبلة، وهو ما قد تخشاه النهضة التي حاولت وتحاول يوميا السيطرة على مفاصل الدولة.
فقد ذكرت صحيفة لابريس الحكومية (3) تحت عنوان "الاتفاق السري" لا يخفى على المراقبين المطلعين على كيفية تسيير أجهزة الدولة على الأصعدة المركزية والجهوية والمحلية التساؤل  حول المشكل الشائك   المتمثل منذ الأيام الأولى لمغادرة السلطة عن المصير الذي ينتظر47 وزيرا مستشارا و200 مكلف بمأمورية في مختلف الوزارات، تم انتدابهم بدون أن تكون لهم قبلا مناصب وظيفية و236 معتمدا نهضاويا من بين 264 معتمدا في الجملة و19 واليا   منتميا للنهضة من بين 24 و1500 إطارا ساميا تم إنزالهم بمظلة في مختلف الوزارات والإدارات.
هذا دون الحديث عن المئات الذين تم تعيينهم في الأيام الأخيرة بمؤهلات تتلخص في الانتماء للنهضة، لم تتحدث عنهم جريدة لابريس.
والسؤال المطروح لماذا هذا الجيش كله من الموظفين ، هل لإحكام السيطرة على الدولة حاليا، أو لوضع قاعدة موالية للمستقبل، فيما تعتبر الإدارة التونسية بخمسمائة ألف موظف ويزيدون، غير متوازنة بالقياس إلى المقاييس الدولية للتصرف السليم، وكان يمكن أن تشتغل بإنتاجية أفضل بنصف هذا العدد وفقا لدراسات دولية موثوقة.
**
من هنا يبدو الأسبوع المقبل حاسما، وهو يبدأ مع نبرة متشائمة أكثر من متفائلة ، حول نتائج إيجابية غير محتملة.





(1)المجموعة الراعية للحوار والتي تصف نفسها بصاحبة مبادرة ولا طرف وساطة وتضم
- الاتحاد العام التونسي للشغل
-الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة
- عمادة المحامين
- الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان
(2) الصريح الاثنين 9 أيلول سبتمبر صفحة 10
(3)  عدد الاثنين 9 أيلول سبتمبر صفحة 1 و5



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق