Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الخميس، 4 يوليو 2013

سانحة

سانحة
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
الصدمة
تونس/الصواب/04/07/2013
ما من شك في أن تصحيح مسار الثورة في مصر، كان له رجع صدى قوي ومزلزل في عدة عواصم عربية، وخاصة في تونس، وفي ما استبشر الكثير من الناس ببوادر التغيير وإعادة ثورة مصر إلى طريقها القويم  وهنأ الناس بعضهم البعض وغصت المقاهي بالمدعوين على قهوة أو ما هو أكثر من قهوة، كان آخرون خاصة من حركة النهضة ، والجهات المقربة منها، والذين التحقوا بها انتهازية، يتململون خشية وخوفا، خشية مما يخبئه المستقبل، وخوفا من الحساب العسير.
وفيما تحمست كل الصحف وبعض القنوات التلفزيونية والإذاعية، ساد خطاب إخواني بأن تونس ليست مصر، تماما مثلما قال حسني مبارك بعد انتصار ثورة تونس بأن مصر ليست تونس، خرجت صحيفة "الضمير" القريبة من النهضة ، بعناوين في صدر صفحتها الأولى تقول :"الانقلاب.. الجيش يتمرد على الثورة.  ثم "الشعب يبدأ التعبئة ضد حكم العسكر".
 ثم إن القياديين  في حركة النهضة  رياض الشعيبي وفتحي العيادي اعتبرا أن ما حصل في مصر هو انقلاب عسكري، وأن الشرعية تبقى للرئيس محمد مرسي العياط.
وفي هذه اللحظات القريبة من الحدث، فإن النهضة ما زالت لم تفق من الصدمة، ولذلك فإن ردود الفعل ما زالت انفعالية ، وستبقى كذلك لمدة قد تطول أو تقصر ، بحسب ما يجري في مصر، وبحسب مدى التفاعل مع الحدث،.
وكلما ابتعد زمنيا وقع الحدث ووقع الصدمة، كانت النهضة أكثر قدرة ، على التعاطي مع الزلزال الذي حصل في مصر، وكان عقلاؤها أكثر قدرة على التعامل السياسي مع التطورات.
وإذا استقر الوضع في مصر، أو ذهب إلى استقرار نسبي معقول، فإن النهضة وزعاماتها ستتصرف بمنطق الدولة ، لا منطق الحزب، أو حتى الجماعة.
والغالب على الظن أنه سيذهب إلى استقرار ، بقليل أو كثير من الجهد ومن التضحيات.
ولا بد أن يفهم الإخوان التونسيون ، أن الشرعية التي تمسك بها الرئيس السابق وأقول السابق لأن ذلك هو الوضع القانوني مهما اختلفنا في التقييم، انتفت عمليا بواقع أمرين اثنين:
أولهما: أن فترة حكم السنة، قد أنهت شرعية أصبحت في حالة هشاشة كاملة،فالإعلان الدستوري، ومحاولة السيطرة على القضاء، والمحاصرة المادية الفعلية للمحكمة الدستورية العليا، والقيام باستفتاء شهد مقاطعة كاملة، بحيث تم الاعتماد بنعم على "أغلبية" 19 في المائة من الجسم الانتخابي، فضلا على محاولة تغيير نمط المجتمع، وفرض نمط مجتمعي غريب على مصر، وانفتاحها العريق والتقليدي، وهو سبب مركزي من أسباب استرجاع مسار الثورة من الثورة المضادة التي حاول حزب العدل والتنمية أن يسرق بها ثورة الشعب.
ثانيهما: أنه وحتى في حالة ما سلم المرء بالشرعية الانتخابية  للرئيس السابق محمد مرسي، ولم يكن أفضل ولا أذكى من في الجماعة، فإن شرعية جديدة قد خلقتها الجماهير الشعبية، عندما خرج 33 مليونا من المصريين إلى الميادين والساحات في القاهرة والإسكندرية وكل المدن والقرى مطالبين برحيل الرئيس، كان ذلك تصويتا ثانيا سحب الثقة، وكان المذيع خيري في سي بي سي قد سأل محمد مرسي قبل ستة أشهر في لقاء خاص ، ماذا ستكون فاعلا لو خرج الشارع طالبا رحيلك فأجابه بدون تردد : أترك الرئاسة.
ولكن عندما جاءت التجربة الفعلية نكص عن وعده كما نكص عن كل وعوده الانتخابية التي سبق له بذلها.
وعندما يعود المرء إلى كتاب الجمهورية لأفلاطون قبل آلاف السنين سيجد ما معناه، أن الشعب عندما يخرج يكون ذلك هو الشرعية التي تتوفر للحكم.
أما الفرنسي روبيسبيير فيقول:" إن الثورة هي بالأساس غير شرعية، ولكنها تتمتع بالمشروعية لأنها فعل الشعب، الوحيد الماسك بالسيادة، وإذا كان الشعب قد فوض السيادة التي يمتلكها، فهو كفيل باسترجاعها في كل وقت عندما يتهدد الذين انتخبهم حقوقهم غير القابلة للتفريط ".
وسواء في مصر أو تونس أو تركيا أو غيرها، فإن الخروج غير المسبوق تاريخيا وفي كل العالم لثلاثة وثلاثين مليونا من الكتل البشرية، لا يمكن أن يفاجئ وكان ينبغي أن تقع قراءة دروسه، وهذه القراءة ينبغي أن يقرأها اليميني واليساري، العلماني والإسلامي، وأن يفهم هؤلاء عمق ما في هذه القراءة.
لست أدري ، كيف سيكون المستقبل في المنطقة، وما هو مستقبل الحركات الإسلامية في مصر ، في ليبيا ، في تونس، في الجزائر، في المغرب، في موريتانيا في السودان، ثم في الخلفية في إفريقيا ما وراء الصحراء، ولكن ما أعرف أن هذا العالم كله مترابط، وأن حلقة القوة فيه، وحلقة التأثير الكبرى تقع في مصر، وأن هناك تفاعلا تاريخيا ، بين عنصرين في هذه الحلقات أخذا وعطاء بين تونس ومصر، سواء في لحظات التنافس وحتى العداوة أو في لحظات العناق والصداقة.
الفتح الإسلامي جاء لتونس من مصر، ولحظات القوة في الزمن الفاطمي جاءت من المهدية لمصر، القاهرة كلها والأزهر وحتى باب زويلة  شاهد  على ذلك، والنهضة بمعناها الصحيح لا الحزب أو الحركة  دشنها الملك المصري محمد علي، وسريعا ما انتقلت إلى تونس عبر المشير أحمد باي، كان هناك أخذ وعطاء بين تونس ومصر أكثر من أي بلدين في العالم العربي، إذا استثنينا الشام الذي كان لسنوات يعتبر امتدادا لمصر.
جاءت "كفاية" منذ منتصف العشرية الأولى من القرن، إلى مصر لتبدأ إرهاصات الثورة ، ثم جاء الحوض المنجمي بأول ملامح الثورة في تونس، وسبقت تونس في إطلاق ثورتها الجارفة، في 17 كانون الأول ديسمبر2010 ونجحت في مسعاها في 14 كانون الثاني يناير 211، في 25 كانون الثاني يناير 2011 انطلقت الثورة في مصر بعد 18 يوما فرضت نفسها ، وتعانقت الثورتان.
لا يمكن استنتاج شيء من ذلك، ولا يمكن الاستقراء، فالوضع في مصر في العام الماضي، كان الأسوأ، والأخطاء التي ارتكبها الإخوان كانت فظيعة، سياسية ، من جهة ، اقتصادية اجتماعية من جهة أخرى، وفي نمط المجتمع وهذه أفاضت الكأس من جهة ثالثة ولعلها الأهم. لعل النهضة في تونس كانت أكثر عقلانية، لا يفهم من ذلك أنها تصرفت بعقلانية، ولكنها تصرفت بأفضل التفضيل، وليس هو الأفضل في المطلق.
سؤال، بعد كل ذلك هل ستستفيد "النهضة، أي "حركة النهضة" من الدرس؟
مستقبلها مرتبط بمعرفة جوابها..
والجواب عندها وإلا...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق