الموقف السياسي
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
خبط عشواء
تونس /الصواب 10/07/2013
تقوم الدولة على الدقة في تعاملاتها، وعلى المعرفة بما يقال باسمها، وإذ
ذهب الفريق أول رشيد عمار للتقاعد من المنصب الذي تقلده في فترة حساسة وحاسمة من
تاريخ البلاد، وفرض عدم إطلاق النار على المتظاهرين، بما مكن من نجاح الثورة
التونسية، فإنه ومنذ شهر نيسان أبريل 2011 تمت ترقيته إلى رتبة فريق أول (جنرال
جسم الجيش مقابل جنرال كتيبة)، وأصبح أيضا رئيس الأركان العامة، وليس رئيس أركان
جيش البر، كما قيل ويتواصل القول من قبل الجهات الرسمية بما فيها رئاسة الجمهورية.
لنتفق أولا أن الفريق أول رشيد عمار كان رئيسا للأركان العامة وكان يجمع مع
ذلك صفة رئيس أركان جيش البر.
ولذلك فإن التعيين الأخير لسبب من الأسباب لم يتجه لتعيين رئيس للأركان
العامة، بل فقط رئيسا لأركان جيش البر، ما يعني أن منصب رئيس الأركان العامة بقي
شاغرا ولم يعين أحد لشغله، ووفقا لما قاله لنا عسكري قديم من الضباط السامين، فإن
رئيس الأركان العامة، يتمتع بمنصب يجعله مشرفا على رئاسة أركان حرب جيش البر، وعلى
رئاسة أركان حرب جيش الطيران، وعلى رئاسة أركان حرب جيش البحر.
ومن هنا نستنتج أن رئاسة الجمهورية التي بيدها الأمر في هذه الناحية، إما
أنها لم ترد أن تعوض رئيس الأركان العامة، أو وهذا مستبعد لم تتفطن للفرق.
وبذلك فلعل الجيش التونسي يعود إلى مربعه الأول، زمن الرئيس الأسبق بن علي،
أي الامتناع عن تعيين رئيس للأركان العامة، والتعامل مع الجيوش الثلاثة سياسيا كل
على حدة. وليس على أساس وحدة واحدة، وهو أمر فريد من نوعه في العالم، بدوله
المتقدمة ودوله الأقل تقدما.
الفريق أول رشيد عمار، لم ينبس بكلمة للتصحيح، واكتفى بتسليم علم الجيش
التونسي الذي كان يمثله كله كرئيس للأركان العامة إلى رئيس الجمهورية الذي سلمه
بدوره لرئيس أركان جيش البر أمير اللواء محمد الصالح الحامدي، الذي لم يصبح في
الموقع ذاته الذي كان فيه الفريق أول عمار.
والجنرال الحامدي وفقا لما قيل لنا
هو أول ضابط سام تونسي، يرقى إلى منصب رئيس أركان، من خريجي الأكاديمية العسكرية
التونسية بفندق الجديد، وإن كان تلقى تربصات مهمة في الخارج.
ولقد جاء في معلومات متعددة، أن الجنرال وصل في وقت من الأوقات لإدارة
الأكاديمية التي تخرج منها، قبل أن يعين ملحقا عسكريا في ليبيا ليبقى في ذلك
المنصب، حتى تعيينه في المنصب الجديد، ما هي الأسباب التي دفعت لتعيينه في الخارج
وهو في موقع كولونيل ماجور أو عميد؟
**
الموقف التصعيدي الذي اتخذه رئيس الجمهورية المؤقت، في علاقة مع ما يجري في
مصر، يرقى ولا شك إلى سلوك هواة، من غير المحترفين، وينفصل بالكامل عن مواقف رجال
الدولة، الذين ينبغي لهم، أن يصبغ موقفهم دوما بشيء من التحفظ.
ولن ندخل هنا في تفاصيل ما أعلن عنه، فهو معلوم، وقد لاكته الصحافة بكل
محاملها، إما للإعلام، أو لتسجيل موقف، أو لإبراز عدم توازن رئيس ، يتخذ مواقف
عاطفية سريعة.
ومما لا شك فيه أن حزبه، كما حزب النهضة وإلى حد ما التكتل، قد اتخذوا مواقف، ولكن الذين أعلنوا
تلك المواقف لا يتحملون مسؤوليات حكومية، يمكن أن تحسب على ظهر سلطة لا يمكن لها
أن تكون متقدمة في مواقفها حتى إن كانت مبدئية، ولكنها هذه المرة غير مبدئية، بل
إن ما حصل في مصر أصاب الحكام ومن يدور في فلكهم بصدمة قوية جدا، وأشعرهم بالخوف
من أن يكون مصيرهم كما كان الأمر في مصر.
والأستاذ راشد الغنوشي، كما رئيس الحكومة علي العريض الذين استشعرا هذا
الخوف، بادرا كل بطريقته للقول بأن تونس ليست مصر، وهذا صحيح، ولكن كل الاحتمالات
واردة، إذا لم تستوعب النهضة الدرس، ففي صلب الترويكا لم يبق من رقم فعلي وحقيقي
سوى حركة النهضة، والدرس واضح ومباشر، ويستدعي منها أن تسارع لتحليل ما وقع في
مصر، ولا تكون خاضعة للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين ، وهو في حقيقة الأمر مصري
أكثر منه دولي.
وبعد أكثر من أسبوع على التغيير الذي حصل في مصر، والذي انطلق بأكثر من
ثلاثين مليونا في الشارع وفقا لمصادر محايدة، منها واشنطن بوست،وس ن ن ، خلقوا
شرعية جديدة هي شرعية التمرد التي كان أول من جاء بها الثورة الفرنسية في سنة 1789
وتأكدت في الميثاق الصادر عنها سنة 1793، بعد أن كانت واردة عند فلاسفة الأنوار
وخاصة "هوبس" و"لوك" و"كانت"، بعد أكثر من أسبوع
وما يقارب الأسبوعين استقر الأمر للثائرين، فتواجد رئيس وقتي، وحكومة وقتية،
ودستور وقتي، تم التعبير عنه بأنه إعلان دستوري.
ويمكن للمرء أن يرجع إلى مقالنا تحت عنوان" الموقف السياسي ،، الحق في
التمرد حق من حقوق الإنسان" ( 1) ، كما يمكن أن يرجع هنا إلى ثلاثة نصوص
يجدها القارئ لاحقا ، تهم الميثاق العالمي
لحقوق الإنسان وفي ديباجته التي تعترف بحق التمرد، أو حكم صادر عن محكمة الاستئناف
الإدارية التي تعترف بحق التمرد كحق من حقوق الإنسان وفقا لديباجة الإعلان العالمي
لحقوق الإنسان، وأيضا الإعلان الدستوري الذي نسميه في تونس الدستور الصغير.
ولعله من الغريب أن يكون غاب عن الحقوقي منصف المرزوقي مثل هذه النصوص
المرجعية.
ولكن الحكم كثيرا ما لا يعمي الأبصار فقط ولكن البصائر، ولن يقول أحد بعد
اليوم أن منصف المرزوقي هو حقوقي، طالما إنه لا ينظر بعين مفتوحة لكل النصوص
المرجعية لحقوق الإنسان.
إن الحق حق والباطل باطل.
قبل 23 سنة حملتنا انتهازية معينة ، لتأييد صدام حسين في احتلاله للكويت،
وكانت تلك كارثة كبرى أن تقبل نخبة باحتلال دولة لدولة، وكنا من القلة التي وقفت
إلى جانب الشرعية الدولية، وقد رأينا عواقب تلك المغامرة المجنونة، في ما يعانيه
اليوم العراق، والذي لا يتحمل مسؤوليته سوى رجل وبطانته، وكل الذين أيدوه بطول
العالم العربي وعرضه ومنهم التنظيم الدولي للإخوان المسلمين.
واليوم تحملنا انتهازية أخرى
لتأييد تونس الرسمية لوضع سياسي فقد
شرعيته، أمام زحف شرعية الشارع، ويحاول البعض ،واهمين أو تحملهم أحلام يقظة، أن
يوهمنا باحتمال عودة حكم فقد شرعيته، أمام حكم جديد يحمل الشرعية الثورية،
ولعل الصدمة والخوف يقفان وراء تلك
المواقف ( طالعوا الصدمة(2))، ولكن مصر ليست العراق، وحصونها عالية وفق مقال لنا
نشرناه على هذه الأعمدة (3) يمكن للسادة الزائرين أن يطالعوه بالنقر على رسائل
أقدم في آخر هذه المدونة، وستجتاز مصر أزمتها، وتجربة السنة من حكم الإخوان أعطاها
تطعيما أو تلقيحا ضد هذا الحكم، وضد الديكتاتوريات الزاحفة.
ومهما يكن من أمر فإن فشل
السلطة القائمة في تونس ، ظهرت أكثر ما ظهرت في السياسة الخارجية المتبعة، فقد
بادرت السلطة ، وهذه المرة بقيادة منصف المرزوقي إلى التهافت على مواقف سريعة
ومرتجلة سريعا ما كانت تظهر أخطاؤها، مثل المبادرة بقطع العلاقات الدبلوماسية مع سوريا،
أو التصريحات ضد مصر التي تبدو فيها رائحة الدفاع عن النفس لا الاصطفاف إلى جانب مع المواقف
المبدئية.
فالمقارنة السريعة من قبل
المرزوقي مع مصر ونظامها، يخفي تعجلا وتسرعا ، ليس في محله باعتبار أن الأوضاع
متباينة، وأنه على فداحة أخطاء الترويكا ، فإنه لا يمكن المقارنة بينها وبين
الأخطاء القاتلة التي ارتكبها الإخوان في مصر ما دفع عشرات الملايين للخروج للشارع، وهذا ما جعل رئاسة الجمهورية
تقوم بمراجعات غير منتظمة وإلى حد ما غير كثيرة اللياقة، بالنظر للأخطاء الكبيرة
التي ارتكبتها.
(1)
الموقف السياسي -
الحق في التمرد حق من حقوق الإنسان-
الصواب بتاربخ 06/07/2013
(2)
سانحة – الصدمة –
الصواب بتاريخ 04/07/2013
(3)
بكل هدوء – مصر:
الحصون العالية – بتاريخ 03/07/2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق