Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الأربعاء، 3 يوليو 2013

بكل هدوء

بكل هدوء
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
مصر: الحصون العالية
تونس في 03/07/2013
خلال التسعينيات وبمناسبة تشكيل وكالة الاتصال الخارجي، تم تعيين الصديق عبدالله عمامي، على رأسها، وكان قد قام بمسار في بلاط صاحبة الجلالة جدير بالتنويه، اتسم دوما بأنه لم يكن يتردد في قول لا: للمسؤولين، وأنه يقدم ما يرى فيه المصلحة بعيدا عن التملق، وفي أول أو ثاني اجتماع لمجلس إدارة وكالة الإتصال الخارجي، التي استحدثت لترويض الصحافة التونسية، واستعمال الإعلان العمومي كوسيلة للسيطرة عليها وهلى مواقفها، وشراء ضمائر الصحفيين الأجانب بالمال والدعوات في أفخم الفنادق للترويج لسياسات السلطة القائمة، في ذلك الاجتماع قال عبد الله عمامي أن تلميع صورة تونس في الخارج يمر عبر لمعان السياسة الداخلية في البلاد، أي اتباع سياسات مقنعة لا تحتاج إلى دعاية.
في نفس اليوم انقلب عليه كرسيه الوثير وأقيل من منصبه الذي لم ينعم بالاسئتقرار فيه.
.بعد فترة بطالة، تم تعيين عبدالله عمامي ممثلا لوكالة الاتصال الخارجي في القاهرة، وخلال زياراته لتونس كنت ألتقي به لسابق صداقة معه منذ كنا نحن الاثنان مجرد صحفيين شابين ، وقد بقيت كذلك بينما ارتقى هو في السلم الوظيفي إلى أعلى درجاته، غير أنه لصراحته المفرطة، لم يستطع أن يحافظ على أي منصب من المناصب التي تقلدها، بما فيها الناطق الرسمي للجامعة العربية.
وأذكر أننا تحدثنا معا مرة عن صعود الاخوان المسلمين في مصر، وارتقائهم إلى البرلمان زمن الرئيس السابق حسني مبارك، وما إذا كان وجودهم يشكل خطرا على نمط المجتمع في مصر.
وقد تذاكرنا معا الخطوات المتقدمة التي قطعها المجتمع المصري منذ أكثر من قرنين، تذاكرنا حول محمد علي هذا الملك الأجنبي، الذي كان وراء نهضة مصر، وتحررها من ربقة الجهل والتخلف، ورافع رفاعة الطهطاوي الذي قال في كتابه "الإبريز في تلخيص باريز" ما معناه "ذهبت إلى بلاد غير المسلمين، فوجدت إسلاما، وعدت إلى بلاد المسلمين فلم أجد إسلاما "، ثم قاسم أمين المحرر الأول للمرأة العربية، والذي سبق الطاهر الحداد بحوالي نصف قرن ، والأفغاني ومحمد عبده ، وعبد الرازق، وطه حسين، إلى طلعت حرب ووصولا إلى جمال عبدالناصروغيرهم كثيرون من العلامات الدالة في تاريخ لا مصر وحدها بل الأمة العربية قاطبة، بكل روافدها  وخاصة التونسية  من المشير أحمد باي إلى خيرالدين إلى الجنرال حسين إلى أحمد قبادو إلى ابن أبي الضياف إلى بوحاجب، إلى البشير صفر ، إلى الأميرة المصرية نازلي، إلى عبدالعزيز الثعالبي، إلى الطاهر الحداد، والطاهر بن عاشور، والحبيب بورقيبة، وغيرهم كثيرون.
وإني وفي خضم التطورات الأخيرة في مصر، وسنة الحكم الإخواني الكارثية، التي كان همها الوحيد السيطرة على كامل مفاصل الدولة، وإخضاعها  إلى مسار متراجع بعد كل المكاسب التي حققها المجتع المصري على مدى قرنين، رغم الفقر المدقع للدولة بسبب 4 حروب خاضتها مصر نيابة عن الأمة العربية قدمت خلالها خيرة شبابها وعصارة ثروتها، إني لأذكر إذن ما قاله لي عبدالله عمامي، وأنا أزوره في بيته في المنزه حيث تقيم عائلته التي لم ترافقه لمصر أيامها.
لقد قال لي يومها ردا على مخاوفي من سقوط مصر، بين أيدي الإخوان، لا تخف على مصر، فإن لها حصون عالية، لا يقدر عليها أحد، وأضاف وقتها إن مصر وعلى مدى قرنين من الزمن استطاعت أن تبني مؤسسات يمكن حقا أن تسميها مؤسسات، هي الحامي الكبير لها، ورغم محاولات السياسيين من ملوك ومن رؤساء دولة، فإن مصر تتميز على كل بلدان المنطقة عربية وغير عربية، بأن لها مؤسسات  عتيدة راسخة، لا تتأثر بمن يأتي ومن يذهب، إن مصر تتمتع بجيش لا يمكن أن يخضعه حاكم، وقضاء مستقلا، لا يمكن أن تتدخل فيه سلطة مهما كانت السلطة سياسية أو مالية أو شعبية، ومحكمة دستورية كأشد ما تكون المحاكم الدستورية تشبثا بالنصوص وروحها، وصحافة منطلقة رغم محاولا الكبت، وذهب إلى أكثر من ذلك، قال لي عبدالله عمامي يومها، إن عبدالناصر عندما أراد أن يحاكم رجال ما أسمي بعد ثورة 1952 برجال العهد البائد، وجد صدا من القضاء العدلي، فاضطر لتشكيل ما أسماه محكمة الثورة وضعها تحت رئاسة واحد من أكثر الضباط الأحرار نزاهة ، وهو عبد اللطيف البغدادي. وبذلك لم يستطع أن يدجن القضاء العدلي، كما لم يستطع لا هو ولا من جاء قبله أو بعده تدجين القضاء الإداري، ولا القضاء الدستوي الذي حل كم مرة البرلمان بعد انتخابه .
من هنا يقوم الاستنتاج ، بأن ما يجري هذه الايام ليس سوى رجع صدى لتلك المقولة التي سبق للصحفي عبدالله عمامي قد ألقاها على مسامعي قبل حوالي 20 سنة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق