سانحة
|
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
متى اغتيل محمد البراهمي؟
تونس/ الصواب/25/07/2013
رمزية عيد الجمهورية اختيرت لتكون موعدا للجريمة.. للإرهاب، هذا الاستنتاج الأول بعد اغتيال محمد البراهمي، المعارض الشديد، الذي يدفع ثمن معارضته.
محمد البراهمي الذي كان نائبا مؤسسا ليس عن سيدي بوزيد وحدها، ولكن عن الشعب التونسي كاملا.
ذهب محمد البراهمي ليس يوم 25 تموز يوليو 2013، ولكن يوم قتل لطفي نقض، وذهب دمه هدرا، وأسقط عن الفاعلين – دون من دبر جريمتهم ودفعهم – وصف الجريمة، إلى وصف الجنحة.
ذهب محمد البراهمي ليس يوم 23 تموز يوليو 2013، ولكن يوم تم قتل شكري بلعيد، وبقيت تلك الجريمة بدون ملاحقة، لا للذين تولوا التنفيذ ، الأيدي المأمورة فقط ، ولا للذين كانوا وراء تدبير القرار ، قرار اغتيال شكري بلعيد.
عدم الكشف عن القتلة ومن وقف وراءهم شجع على الإعادة.
لقد حولوا تونس الآمنة إلى مرتع للإرهاب، مرتع للقتل بدون ملاحقة، مرتعا للامبالاة إزاء تكرر الاغتيالات، أمام لا مبالاة حكومة لا تتحمل مسؤوليتها، في أدنى الاحتمالات .
لا بد من القول والحال هذه أن السلطة القائمة في تونس (كما في أي بلد آخر يحصل فيه ما حصل في تونس) مسؤولة في النهاية على ما يقع، عن ما حدث وحصل.
و من هنا فإن عليها بكل فروعها أن تستخلص العبرة، إن ما حصل يوم 6 شباط فبراير 2013 جعل ذلك اليوم فاصلا ، واضطر حمادي الجبالي دون غيره من عناصر الجهاز الحاكم، إلى القيام بالاستنتاج الواجب، ولكنه وحده انتهى إلى ما يجب أن ينتهي إليه أي رجل دولة يحترم نفسه، وما حصل يوم 25 تموز يوليو 2013 ، أخطر وأكبر وأوقع في النفس، لأنه يكرر مشهدا بغيضا ، مرفوضا، يحتاج من الجهاز الحاكم أن يستنتج ما يجب استنتاجه، وأن يكون في مستوى المسؤولية، إن كان قادرا على الارتفاع إلى مستوى المسؤولية.
أي أن يتخذ من القرارات، والقرارات الفورية ما يتناسب مع ضخامة حدث ، يجعل من البلاد الآمنة مرتعا لإرهاب منظم، لا يبدو أن هناك سعيا فعليا للكشف عن العقل المدبر وراءه، فضلا عن دور الكومبارس فيه.
إن رجل الدولة مهما كان موقعه إذ يتحمل مسؤوليته الكاملة ، لا بد له أن يكون في موقع القرار الصحيح،في اتساق مع تطورات الأحداث.
وحمادي الجبالي عرف كيف يكون رجل دولة، وكان وحيدا يومها بين القيادات القائمة الذي استنتج ما ينبغي استنتاجه، فكيف سيتصرف اليوم الجهاز الحاكم المسؤول أولا وأخيرا عن البلاد، من هم في السلطة سواء بصفة سافرة ووجه مكشوف، أو من يحركون الخيوط من وراء ستار، ويتحملون المسؤولية دون أن تكون لهم مسؤولية معلنة، تخضع للمحاسبة الشعبية.
مثل قتلة شكري بلعيد، ومن حرك خيوطهم، فإننا (وأستطيع أن أراهن على ذلك اليوم) ، لن نعرف قتلة محمد البراهمي تحت سلطة حكومة تبدو وكأنه لا سلطة لها، ليس من أطلق النار هو المجرم وحده، ولكن من استأجره ، من سلحه، من دفع له، ومن دفعه للقيام بالاغتيال.
ولن ينفع لا ما قاله منصف المرزوقي، ولا ما قاله مصطفى بن جعفر، ولا ما قاله علي العريض، ولا ما قاله المسؤول غير المسؤول الغنوشي، ما ينفع هو اتخاذ قرارات جريئة بترك الساحة لمن يستطيعون تأمين أمن وسلامة البلاد والعباد، ويستطيعون أيضا ملاحقة المجرمين ، مهما كان موقعهم، فلن يقتنع أحد بأن المجرمين تحركوا من ذاتهم.
بعيدا عن الفراغ السياسي وأسطورته الخرافية التخويفية ، لم يعد بالإمكان إلا قيام حكومة محايدة من كفاءات تعج بها تونس تستلم الأمانة لما بقي من الفترة الانتقالية، والكف عن اعتبار السلطة غنيمة كفيلة بوضع الفرصة للانقضاض على المناصب وإخضاع البلاد، لإرادة العجزة ، إن لم يكن لإرادة أخرى أسوأ من العجز.
المسؤولية تقتضي أمران اثنان عاجلان حتى لا تفلت الحالة من بين الأيدي ، وتدخل البلاد متاهة خطيرة العواقب:
الأول: استخلاص العبرة بتشكيل حكومة كفاءات وطنية تقطع مع حكومة المحاصصة الحزبية الخاضعة لجهة أبرزت إن لم يكن عجزها فقط، فقد أبرزت عدم حيادها أمام الأحداث إن لم يكن الأمر أخطر من ذلك. وذلك بتغيير الطاقم القيادي كاملا.
الثاني:الإسراع بالكشف عن المسؤولين عن الاغتيالات الثلاثة والأيدي والعقول المدبرة مهما كان مستواهم، والبدء بحل الميليشيات التي يتناقض وجودها مع وجود ما يمكن أن يسمى بالدولة العصرية الديمقراطية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق