سانحة
يكتبها عبد اللطيف الفراتي
خيبة الأمل المرة
تونس/ الصواب/02/07/2013
تعرفت عليه منذ كان يتحرك في صفوف الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وهو سليل عائلة ضاربة لقدم راسخة في الوطنية وشاركت في الحركة التحريرية، عرفت منها وقدرت فيها كلا، من البشير بن جعفر والناصر بن جعفر، وكلاهما من أولئك الرجال الثابتين على المبدأ العاملين في صمت.
مصطفى ولست أدري ما هي صلة القرابة بينه وبينهما، ولكني أكبرت فيه منذ تعرفت عليه تلك الخصال المتمثلة في الاستقامة، والوفاء والإخلاص والثبات على المبدأ، كان داخل حركة الديمقراطيين الاشتراكيين بمثابة الضمير الحي، فيما كان آخرون يتذبذبون بين الداخل والخارج، وعندما اضطر الزعيم أحمد المستيري للمغادرة، بعد أن اتضح له أنه لا ديمقراطية ولا هم يحزنون في ظل بن علي، وجد مصطفى بن جعفر نفسه يغرد خارج السرب داخل حزبه، فانسحب في هدوء، ويقول إنهم "انسحبوه"، كنت أراه باستمرار أيامها في مكتبي بالجريدة ( جريدة الصباح وكنت رئيس تحريرها أيامها) لنشر بياناته حول ما آلت إليه الحركة، التي أعطاها من وقته وماله وجهده الكثير، وانحرفت انحرافا كبيرا.
ولقد مر بسنوات صعبة زمن الرئيس الأسبق بن علي، وإني لأذكر الجهد الكبير الذي بذله إسماعيل بولحية وكان آنذاك أمينا عاما للديمقراطيين الاشتراكيين، وأنا صديق قديم للرجلين، لحصول بن جعفر على ترخيص لحزبه، وأذكر أيضا مدى مبدئيته في التحرك المشترك قبيل انتخابات 1994 ، والذي تزعمه آنذاك العياشي الهمامي ومحمد الشرفي ومحمود بن رمضان ومصطفى بن جعفر وغيرهم، والذي انتهى بعد انسحاب الكثيرين بترشيح الدكتور محمد علي الحلواني هذا المخلص بين كبار المخلصين لهذا الوطن، للرئاسة والذي نال فيه أقل حجم أصوات ـ وياللغرابة ـ في مسقط رأسه.
أيامها انعقدت اجتماعات كثيرة بين مكتب حزب مصطفى بن جعفر، التكتل في شارع انقلترا، ومكتب حزب التجديد في شارع الحرية، ومكتب العياشي الهمامي للمحاماة الذي سيكون موقعا للمجموعة الشجاعة التي أعلنت إضراب جوع ناجح.
لذلك ورغم أني كنت عازفا دوما عن الانتماء الحزبي، وفي اعتقادي الجازم ـ وقد أكون مخطئا ـ أن الصحفي لا ينبغي له التحزب، فلعلي لم أتحرك مثلما تحركت في صيف وخريف 2011 ، للدعوة لمصطفى بن جعفر ولقائماته.
ولكن وبعد أن ظهرت نتائج الانتخابات، أحسست بصاعقة تزلزلني وأنا أراه، يدخل في ائتلاف مع النهضة، ذلك أني أعتبر أن المجتمعات ثلاثة ،، مدني، وعسكري ، وديني، ولن يستطيع أحد أن يقنعني بأن النهضة لا تعدو أن تكون حزبا دينيا، (لا مدنيا) يسعى لإقامة الدولة الدينية.
ولقد كنت عبرت عن ذلك يوم انتخابات أفريل 1989، ودعوت إلى عدم انتخاب القائمات البنفسجية، في افتتاحية في جريدة الصباح يومها، وكانت تلك مناسبة جاء بعدها بيوم الأستاذ راشد الغنوشي إلى مقر الجريدة، مرفوقا بالأستاذ عبد الفتاح مورو تعبيرا عن احتجاجهما لدى المرحوم الحبيب شيخ روحه.
وبالعودة لأصل الموضوع فلقد زلزلني أن شهدت مصطفى بن جعفر يقبل بأن يدخل في تحالف مع النهضة، لعل المنصب أغراه، أو لعله ظن نفسه أذكى من أن يستطيعوا أن يدجنونه.
والمهم ومنذ ذلك الوقت وهو يبتلع ثعابين وراء ثعابين على رأي المثل الفرنسي، ولعل الموقف الوحيد الذي أظهر فيه رجولة ، هو يوم قال "إن الشريعة في الدستور لن تمر إلا على جثتي"، طبعا عبارة الشريعة لم تضمن، ولكنها مرت فعلا، كما ربما لم يرها مصطفى بن جعفر نقصا في النظر، أو تنازلا في غير محله، في الفصل 141 من مشروع الدستور، كما وقعه لا كما ختمه مثلما قيل.
وهو على ذكائه الذي عرف به، لا يمكن أن يقنع أحدا بأنه لم يتفطن للأمر، كما لم يتفطن ـ ويا للغرابة للفخاخ الموضوعة في توطئة الدستورـ ، وخاصة تلك التي جاءت بها الأحكام الانتقالية.
وكل يوم يمر أسأل نفسي: هل هذا هو مصطفى بن جعفر الذي عرفته، كيف يمكن للمرء أن يتغير إلى هذا الحد، هل هو المنصب ، وكان يمكن أن يناله منذ السبعينيات زمن بورقيبة، لو لم يختر أن يكون متحررا بين اللبراليين، بزعامة أحمد المستيري؟
ليكن على يقين أنني لن أعيد انتخابه، لم أحزم أمري بعد لمن سأصوت، ولكن الأكيد أن رجلا متقلبا، يقبل بأي شيء من أجل المنصب، أي منصب لا يستحق أصوات المخلصين لبلدهم ولنمط مجتمع بلدهم.
وهو على كل حال ووفقا لعمليات سبر الآراء لم يفقد فقط روحه، ذلك أمر منتهي، ولكن أيضا أصوات ناخبيه.
فالتكتل أصبح شبحا لنفسه، وحتى المحكمة قررت وقف عقد مؤتمره غدا أو بعد غد، ذلك هو الثمن الذي سيدفعه مصطفى بن جعفر والذين ما زالوا باقين على العهد الجديد لمصطفى بن جعفر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق