Citation

رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ومن جاء بأفضل من قولنا قبلناه. الإمام الشافعي

الخميس، 4 يوليو 2013

بكل هدوء

الموقف السياسي
يكتبه عبد اللطيف الفراتي
وماذا لو لم يصادق المجلس التأسيسي
 على الدستور المقترح؟
تونس/الصواب/22/06/2012
ما الذي دفع مصطفى بن جعفر لإصدار ما أسماه مشروع الدستور، بعد المسودات الثلاث التي سبقته، والتي نعتها البعض بأنها كانت سوداء، ما الذي جعله يضع اليد في اليد مع الحبيب خذر ، الذي جعله يبتلع من الثعابين ما لا قدرة له على هضمه.
العديد من المراقبين يرون  أن مصطفى بن جعفر يسعى لتلميع صورته مع النهضة، بعد أن فقد منصف المرزوقي كل أسهمه لديها، عله يكون مرشحها المقبل للرئاسة في ظل توزيع للسلطات بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة غير متوازن، وإذا كان كل من الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي وفؤاد المبزع ومنصف المرزوقي قد دخلوا التاريخ من بابه العريض أو الصغير كرؤساء للجمهورية، وإذا كان الباجي قائد السبسي قد فقد فرصته الموعودة في سنة 1911، أمام إصرار المرزوقي وتخلي حركة النهضة  عنه  بعد وعده، فإن أمل مصطفى بن جعفر اليوم أن يكون ساكن قصر قرطاج بعد انتهاء الفترة الانتقالية مهما كان عدد سنواتها.
هذا الرهان من طرفه يمكن أن يقف أمامه عائقان:
عائق أول، هو أن النهضة ربما يكون لها مرشحها للرئاسة، عندها تنعدم حظوظ بن جعفر.
عائق ثان يتمثل في احتمال ترشح الباجي قائد السبسي وهو احتمال ضعيف بسبب السن إن لم يكن بسبب قانون تحصين الثورة، ولأنه يبقى احتمالا قائما، فإن كل عمليات استطلاع الرأي تفيد بأنه الفائز في كل الأحوال لو تم قبول ترشيحه.
ومن هنا فإن احتراق أوراق المرزوقي  شعبيا ولدى النهضة، واحتمالات قيام المناورات السياسية ، تجعل منه   أي مصطفى بن جعفر مرشحا محتملا ، وإن كانت انتخابات الرئاسة المقبلة هي انتخابات بالاقتراع العام وحظوظه فيها تبدو ضعيفة.
ولكن مصطفى بن جعفر يبقى مؤمنا بحظوظه إذا أرضى النهضة، اللاعب الرئيسي أولا أو ثانيا في نتائج أي انتخابات مقبلة.
سؤال يبقى مطروحا، هل يمكن أن تجازيه النهضة على ولائه وإخلاصه، فترشحه على قائمتها الرئاسية، وتزهد في منصب، هو للوقت الحاضر حسب الدستور الجديد بدون كبير صلاحيات؟
كل شيء محتمل.
من هنا جاءت مواقفه الأخيرة المناقضة لتوجهاته بشأن النسخة الرابعة للدستور، التي رغم ما يقال من أن الجلسة العامة للمجلس ستناقشها، ويمكن أن تدخل عليها تغييرات كبرى، فإنها تبقى حاملة لفخاخ كبرى.
ورغم كثرة هذه الفخاخ، فإننا سنتوقف عند ثلاثة منها فقط، تبدو لنا الأكثر بروزا والأكثر تهديدا لمدنية الدولة ، وعدم الانزلاق بها نحو أخونة لا تبدو مرغوبة من جل التونسيين.
**
أولا : التوطئة
تنص الفقرة الثالثة من التوطئة على ما يلي:
".. وتأسيسا على تعاليم الإسلام، ومقاصده المتسمة بالتفتح والاعتدال، وعلى القيم الإنسانية ومبادئ حقوق الإنسان الكونية السامية، واستلهاما من رصيدنا الحضاري على تعاقب أحقاب تاريخنا، ومن حركاتنا الإصلاحية المستنيرة المستندة إلى مقومات هويتنا العربية الإسلامية وإلى الكسب الحضاري الإنساني، وتمسكا بما حققه شعبنا من المكاسب الوطنية".
ويخشى فقهاء القانون الدستوري  وكذلك عدد متزايد من النواب أن تكون هذه الفقرة مدخلا لفرض ما سمي بتعاليم الإسلام، ما يعني احتمالات تراجع القوانين عن مجلة الأحوال الشخصية ، أو بعض أجزائها، أو غيرها من القوانين المدنية، بسن قوانين جديدة لا يمكن الدفع بعدم دستوريتها حتى أمام محكمة دستورية ولو كانت محايدة، لا منتمية للنهضة إذا تمت الموافقة على الأحكام الانتقالية على صيغتها الحالية بعد أن كان الحبيب خذر هو الذي انفرد بصياغتها وقبل بها متغافلا مصطفى بن جعفر..وذلك باعتبار مهلة السنوات الثلاث من التعطل التي جاءت بها الأحكام الانتقالية لرفض لعبها دورا كان المفروض أن يكون ضروريا ، لوضع رقابة على السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية في ما تعمدان إليه من إصدار قوانين يمكن أن تكون مناقضة للدستور، وخلافا للمبدإ العام بأن لا أحد خارج المراقبة والمساءلة.
ويرى هؤلاء، يعاضدهم في ذلك عدد من النواب أن الفخ المنصوب هنا، يمكن أن يقيد الفصلين الأول والثاني من الدستور بنصيهما المواليين:
الفصل الأول:
تونس دولة حرة، مستقلة ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها.
الفصل الثاني:
تونس دولة مدنية، تقوم على المواطنة، و إرادة الشعب، وعلوية القانون.
وتأتي هذه الخشية خصوصا باستقراء فصلين من هذا الدستور في النص المقترح:
 الفصل 143:
توطئة هذا الدستور جزء لا يتجزأ منه .
الفصل 144:
تفسر أحكام هذا الدستور ويؤول بعضها البعض كوحدة منسجمة.
هذا ما يعني أن أحكام تلك التوطئة هي أحكام دستورية ملزمة، وليست مجرد ديباجة تحمل إشارات عامة، ثم إن الوحدة المنسجمة تجعل التأويل يمكن أن يعطي لتلك الفقرة من التوطئة  صبغة طاغية.
**
 ثانيا: الفصل 141 من المشروع الواقع تمريره على المجلس التأسيسي حاليا ، والذي يقدر سياسيون أنه هو الذي سيثير أكبر الإشكالات وأنه لا يحظى حتى بموافقة كتلة حزب المؤتمر، وما يتبعها من نواب انفصلوا عن الحزب-، وينص هذا الفصل على ما يلي:
لا يمكن لأي تعديل دستوري أن ينال من:
-         الإسلام باعتباره دين الدولة
-         -اللغة العربية باعتبارها اللغة الرسمية
-         النظام الجمهوري
-         الصفة المدنية للدولة
-         مكتسبات حقوق الإنسان وحرياته المضمونة في هذا الدستور
-         عدد الدورات الرئاسية ومددها بالزيادة
وبقطع النظر بأن أي مجلس نيابي إذا انتصب كمؤسس فرعي ، يكتسب السيادة المطلقة باعتبار ما يتمتع به من تفويض شعبي وبالتالي فإنه سيد نفسه، لا يمكن أن تقوم أمامه عوائق، فإن صيغة النقطة الأولى المتعلقة بإسلام الدولة  هي التي أسالت الكثير من الحبر ، وجففت الكثير من الريق في الأفواه.
اعتبارا إلى أن الدين وفقا للفصل الأول ورديفه الفصل الثاني ، يفترض أنه دين المجتمع، وإذا ثبتت هذه الصيغة فإن أي محكمة دستورية يمكن أن تذهب عند النظر في القوانين المعروضة عليها، أنها  تتناقض مع الإسلام اعتمادا على الفصل 141 وبالتالي يمكن أن تلغي تقنين الطلاق، أو تلغي الفصول المتعلقة بمنع تعدد الزوجات.
ولعل الحملة الأخيرة اعتمادا على إحصائيات ديوان التنظيم العائلي ، بشأن تعاظم عدد العازبات في سن الزواج، لا يعدو أن يكون مقدمة للمناداة بذلك التعدد "لامتصاص العزوبة الأنثوية"، غير أن المتمعن في تلك الإحصائيات، وهو ما لم تتم الإشارة إليه، هو أن العزوبة لدى الشبان هي في نفس الحجم والعدد.
**
ثالثا :على أن الفخ الأكبر من وجهة نظرنا هو ذلك المتمثل في الأحكام الانتقالية التي يجري التأكيد على أن الحبيب خذر، تولى صياغتها بمفرده دون مرور على لجنة معينة في المجلس التأسيسي.
وينص الفصل 146 فيما ينص عليه"تتولى الجلسة العامة للمحكمة الإدارية الصلاحيات الممنوحة للمحكمة الدستورية، عدا البت في الدفع بعدم الدستورية والبت في طلب إعفاء رئيس الجمهورية، ولا تدخل الأحكام المتعلقة بصلاحية مراقبة الدستورية عن طريق الدفع حيز التنفيذ إلا بعد ثلاث سنوات من مباشرة المحكمة الدستورية لمهامها الأخرى ، وتعتبر سائر المحاكم غير مخولة لمراقبة دستورية القوانين.
ما يعني أن القوانين الصادرة من المجلس التأسيسي  وحتى ما قبلها لا يمكن الدفع في شأنها إلا بعد ثلاث سنوات، ما يعني عمليا سحب قوانين معينة من التعرض لأحكام المحكمة الدستورية، والمقصود هنا وبالخصوص قانون "تحصين الثورة" هذا القانون الذي لو عرض على محكم دستورية، مهما كانت تركيبتها ، فإنها لا يمكن إلا أن تحكم بعدم دستوريته، لتعارضه مع المواثيق الدولية، ولاعتماده على عقوبة جماعية، وكذلك لمخالفته لمبدإ أساسي يتمثل في المساواة بين المواطنين، وفي مثل هذه الحال ، تصبح كل الانتخابات التي اعتمدت العزل السياسي الجماعي  والتي جرت في الأثناء ملغاة ، لأن ما قام على باطل فهو باطل، و هو ما يحدث فراغا دستوريا وسياسيا لم تقرأ له النصوص الدستورية الجديدة حسابا.
**
يختلف المتابعون للشأن السياسي بشأن مصير هذا الدستور الذي تعتبر جهات كثيرة أنه غير وفاقي وأنه يحمل شارة نهضوية واضحة، مثلما جاء في التوطئة أو الفصل 141.
وإذا وضعناه في الإطار  الحسابي ، وإذا أبقي كما هو ، فلعله لن يجد لا الأغلبية  البسيطة ( نصف عدد المصوتين مع صوت واحد) عند المصادقة عليه فصلا ، فصلا ولا الأغلبية المعززة عند التصويت عليه كوحدة واحدة أي في مجموعه( ثلثا عدد المصوتين مع واحد.
وفرضا وإذا حضر كال النواب عند التصويت على الفصول فينبغي أن ينال كل فصل من الفصول 109 من الأصوات وهو أمر مستحيل باعتماد الفصل 141 مثلا أو التوطئة أو الأحكام  الانتقالية.
أما إذا انتقلنا إلى التصويت على جملة النص فقد وجب حصوله على 148 أو 149 صوتا على فرض حضور كل النواب، وهو والدستور على صيغته الحالية ما يبدو صعبا جدا إذا لم تدخل على النص المقدم تغييرات في التوطئة وفي فصول كثيرة وفي الأحكام الانتقالية.
وهذا ما يدفع للتفكير في ما عساه أن يحصل لو لم يحرز مشروع الدستور المقدم على تلك الأغلبية بالثلثين.
أولا : إنه ووفقا للدستور الصغير فإنه ينبغي الذهاب إلى مجموع الجسم الانتخابي في استفتاء عام و، ينبغي أن تقع المصادقة عليه بحصوله على نصف الأصوات الصحيحة مع صوت واحد.
ثانيا: أن الاستفتاء ليس سوى عملية انتخابية، بكل إعدادات انتخابات سواء رئاسية أو تشريعية، باستعداداتها المادية وتكاليفها المالية، والوقت اللازم لإقامة قائمات الناخبين، كل ذلك في غياب قانون انتخابي حتى الآن.
ثالثا : إن الاستفتاء كما هو شأن الانتخابات ، يتطلب حملة انتخابية لمن يدعون لنعم ومن يدعون للتصويت السلبي.
رابعا: أن هذه العملية تحتاج إلى أقل تقدير إلى 6 أشهر إعدادا.
خامسا: إن ذلك يعني تأجيل الانتخابات الرئاسية والتشريعية لما بعد ظهور نتائج الاستفتاء، أي ربما لأواخر 2014 أو 2015، مع التأثيرات السلبية لذلك على أوجه الحياة وخاصة الحياة الاقتصادية على أساس الضبابية الكاملة
سادسا: تمديد الفترة الانتقالية إلى فترة انتقالية ثالثة، لا تقوم على أي شرعية أو مشروعية.
سابعا: ما الذي يحدث لو أن الاستفتاء رفض مشروع الدستور، هل يعود الأمر للمجلس التأسيسي المتخلي لكتابة دستور آخر،  ومن أين تأتيه الصلاحية إذا كان حكم على المشروع المقدم بالفشل.
ثامنا: هل يستمر المجلس الوطني التأسيسي بتركيبته الحالية في مواصلة قيادة البلاد، بنفس رئيس الدولة، وبنفس التركيبة الحكومية، الناتجة عن تحالف ثلاثي ظاهريا بين النهضة والمؤتمر والتكتل، تقوده النهضة وتسيطر عليه، أم ينبغي البحث عن شرعية أخرى توافقية مثلا.؟
تلك كلها أسئلة واردة ، وتبدو ملحة، وتحتاج إلى عشرات الأجوبة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق