قرأت لكم
كرامات الشيخ
بقلم
فيصل البعطوط
فيصل البعطوط
بترخيص من الكاتب ننشر في هذا التحيين بتاريخ 30/06/2013 مقالا له نشره في عدة مواقع صحفية في منطقة الخليج حيث يشتغل كمراسل صحفي لعدة وسائل إعلام وخاصة وكالة الأنباء الفرنسية.
faisalba2002@yahoo.co
faisalba2002@yahoo.co
بحسب الشيخ راشد الغنوشي زعيم حزب «النهضة» الحاكم في تونس, فإن حزبه سيربح الانتخابات القادمة والتي ستليها... ما دعا المعارض اليساري حمة الهمامي إلى إضافة كرامة أخرى إلى كرامات الشيخ بأنه «يعلم الغيب»!
ومع أن هناك مشكلا حقيقيا لدى التونسيين «المتدافعين» على الكراسي فلا مشكل للتونسيين «المتدافعين» من أجل لقمة العيش بأن تحكم «النهضة» حتى إلى ما بعد التاريخ.
قبل كل شيء لا بد من تهنئة «النهضة» بالذكرى 32 لتربع الشيخ الغنوشي على عرشها... وما دامت الأرقام بالأرقام تذكر, فلا بأس من التذكير بأن الدولة الحسينية استطابت الإقامة في تونس 252 سنة, وتداول على عرشها 19 بايا بالتمام والكمال, وإلى آخر باي فيهم كان جميعهم يعتقدون أنهم يعلمون الغيب, ولم يكن هناك من مشكل لدى التونسيين.
بعدها أقام الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة في قصر الرئاسة بقرطاج 31 سنة, وانتصر في مناسبتين انتخابيتين, ثم عنّ له أن يصبح عليما بالغيب فحول الثالثة إلى رئاسة مدى الحياة, وما من مشكل لدى التونسيين.
في أعقابه جاء الرئيس السابق زين العابدين بن علي, وأقام في نفس القصر الرئاسي لـ23 سنة, انتصر خلالها في ثلاث مناسبات انتخابية وأراد استكمال الرابعة لولا أن اتضح منذ الربع الأول لولايته الثالثة أن علمه بالغيب لم يكن يتجاوز حدود علم من سبقوه, ومع ذلك فقد كان شعار التونسيين: لا مشكل!
ولا أظن أن التونسيين تغيروا من الحسينيين إلى النهضويين مرورا بتونس بورقيبة وبن علي, فهم ما زالوا يعتقدون ألا مشكل لهم مع من يحكمهم حتى إن أطال المقام, لكني على يقين من أن مقولة «لا مشكل» تذوب مثل الزبد على صفيح حار عندما يصبح الحاكم مشكلا للدولة, وهو ما حدث لكل الحكام الذين تعاقبوا على تونس!
وفي واقع الحال لا يخفى على أحد أن مفهوم الدولة التاريخي بات مهددا من حكام الدولة أنفسهم إن لم يسارعوا بمعالجة بعض العلل التي تتلخص في (الهواية والغواية). أي عدم الاحترافية مع الولع الزائد بالسلطة.
أمر إلى بعض التفصيل في باب الهواية لأقول إن الدولة تكره التعامل معها بمنطق من شابت قرونهم في التعاطي مع المال السهل, فاحيوا مقولة «أعط (القريب والمريد) مئة ألف درهم من بيت المال».
الدولة تكره من تسكنه فكرة الانقلاب عليها, خصوصا بعد أن استظل بها, وبعد أن أنست له, وتحب من يطارحها الغرام في السر قبل العلن. وهي لا تحب من يشحن خطابه بالازدواجية ويلونه بالحربائية, ومن يتذاءب ويتربص بمفاصلها, لأن إصابتها بالرعاش معناه سقوط للمعبد فوق رؤوس الجميع.
وبالتبعية فإن الدولة تحب سلاسة التواصل وديمومة البناء على إنجازات السابقين مع الاتعاظ من أخطائهم. وتكره الأدعياء المبشرين ببعثها من الرماد ومن العدم, لأنها لم تكن كذلك أبدا, حتى ولو كان اسمها دولة الصومال.
أما في باب الغواية, فالدارج من القول إن السلطة مثل الخمرة تذهب بالعقول, وهنا يبرز دور البطانة أو ما يسمى «الحاشية والواشية» التي تزين للسلطان طريق الشيطان و»هل رأى الحب سكارى مثلنا»... فالابتعاد عن الأخلاق عند ممارسة السلطة كالتجرد من الملابس في القطب الشمالي. ويشتد التحذير لدى الذين يمارسون السياسة متلبسين بلبوس الدين, لأن جزاءهم عند ربهم سيكون مضاعفا في شدته مما هو عند الرعية.
ملخص القول إنه يحسن بـ «النهضة» التي تحتفل اليوم بإطفاء شمعتها الـ32 الكف عن الاعتقاد بأنها قطعة حبل جاء بها الوادي. أي المطلوب منها الانخراط فورا في سلسلة الحركة الوطنية التونسية إذا كانت تريد الاحتفاء بشموع قادمة بلا عد, كما يتعين عليها اتخاذ قرار التحول إلى حزب مدني بلا مواربة, حزب عاقل يعرف نتائج الخلط الذي يصل حد التناقض بين السياسي والدعوي... وكم أتمنى -صادقا- أن يصح كلام الشيخ الغنوشي بأن تونس في عهد «النهضة» ستكون نموذجا متفردا في العالم الإسلامي.
للتذكير فقط, ورئيس الوزراء التونسي علي العريض عائد لتوه من ألمانيا الأوفر سخاء والأكثر حدبا على عهد «النهضة», أن من بين مواطناتها من تمشي اليوم على ساق اصطناعية بسبب تفجير «حركة الاتجاه الإسلامي» لفندق تونسي في سنة 1987. وكأني بألمانيا تقول من وراء سخائها إن قيمة «التسامح» والتجاوز رسالة أولى لمن يعقل.
أما الثانية والأهم فتتلخص في أن الحزب الديمقراطي المسيحي الألماني الحاكم, والذي احتفى بشكل استثنائي بـ «تونس النهضة» يحتفل هذه السنة بشمعته الـ68, وهو ما زال متصدرا قائمة أنجح الأحزاب الأوروبية, فقط لأنه نجح في حل مشكلة العلاقة بين الدين والدولة يوم تبنى مبدأ «مسؤولية الفرد أمام الله». عدا توحيده بين البروتستان والكاثوليك على قاعدة الإيمان بالديمقراطية الحقيقية, وليس مخاتلتها.
وإذا كانت «النهضة» تريد ربح الانتخابات القادمة والتي تليها, وربما تلك التي ستطفئ فيها شمعتها الـ68 فلتقرا تاريخ الحزب الديمقراطي المسيحي الألماني مثلا, ولتنافسه في السماحة والنقاء وطول العمر في الصحة والعافية للجميع.
عندها.. فلا مشكل.·
ومع أن هناك مشكلا حقيقيا لدى التونسيين «المتدافعين» على الكراسي فلا مشكل للتونسيين «المتدافعين» من أجل لقمة العيش بأن تحكم «النهضة» حتى إلى ما بعد التاريخ.
قبل كل شيء لا بد من تهنئة «النهضة» بالذكرى 32 لتربع الشيخ الغنوشي على عرشها... وما دامت الأرقام بالأرقام تذكر, فلا بأس من التذكير بأن الدولة الحسينية استطابت الإقامة في تونس 252 سنة, وتداول على عرشها 19 بايا بالتمام والكمال, وإلى آخر باي فيهم كان جميعهم يعتقدون أنهم يعلمون الغيب, ولم يكن هناك من مشكل لدى التونسيين.
بعدها أقام الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة في قصر الرئاسة بقرطاج 31 سنة, وانتصر في مناسبتين انتخابيتين, ثم عنّ له أن يصبح عليما بالغيب فحول الثالثة إلى رئاسة مدى الحياة, وما من مشكل لدى التونسيين.
في أعقابه جاء الرئيس السابق زين العابدين بن علي, وأقام في نفس القصر الرئاسي لـ23 سنة, انتصر خلالها في ثلاث مناسبات انتخابية وأراد استكمال الرابعة لولا أن اتضح منذ الربع الأول لولايته الثالثة أن علمه بالغيب لم يكن يتجاوز حدود علم من سبقوه, ومع ذلك فقد كان شعار التونسيين: لا مشكل!
ولا أظن أن التونسيين تغيروا من الحسينيين إلى النهضويين مرورا بتونس بورقيبة وبن علي, فهم ما زالوا يعتقدون ألا مشكل لهم مع من يحكمهم حتى إن أطال المقام, لكني على يقين من أن مقولة «لا مشكل» تذوب مثل الزبد على صفيح حار عندما يصبح الحاكم مشكلا للدولة, وهو ما حدث لكل الحكام الذين تعاقبوا على تونس!
وفي واقع الحال لا يخفى على أحد أن مفهوم الدولة التاريخي بات مهددا من حكام الدولة أنفسهم إن لم يسارعوا بمعالجة بعض العلل التي تتلخص في (الهواية والغواية). أي عدم الاحترافية مع الولع الزائد بالسلطة.
أمر إلى بعض التفصيل في باب الهواية لأقول إن الدولة تكره التعامل معها بمنطق من شابت قرونهم في التعاطي مع المال السهل, فاحيوا مقولة «أعط (القريب والمريد) مئة ألف درهم من بيت المال».
الدولة تكره من تسكنه فكرة الانقلاب عليها, خصوصا بعد أن استظل بها, وبعد أن أنست له, وتحب من يطارحها الغرام في السر قبل العلن. وهي لا تحب من يشحن خطابه بالازدواجية ويلونه بالحربائية, ومن يتذاءب ويتربص بمفاصلها, لأن إصابتها بالرعاش معناه سقوط للمعبد فوق رؤوس الجميع.
وبالتبعية فإن الدولة تحب سلاسة التواصل وديمومة البناء على إنجازات السابقين مع الاتعاظ من أخطائهم. وتكره الأدعياء المبشرين ببعثها من الرماد ومن العدم, لأنها لم تكن كذلك أبدا, حتى ولو كان اسمها دولة الصومال.
أما في باب الغواية, فالدارج من القول إن السلطة مثل الخمرة تذهب بالعقول, وهنا يبرز دور البطانة أو ما يسمى «الحاشية والواشية» التي تزين للسلطان طريق الشيطان و»هل رأى الحب سكارى مثلنا»... فالابتعاد عن الأخلاق عند ممارسة السلطة كالتجرد من الملابس في القطب الشمالي. ويشتد التحذير لدى الذين يمارسون السياسة متلبسين بلبوس الدين, لأن جزاءهم عند ربهم سيكون مضاعفا في شدته مما هو عند الرعية.
ملخص القول إنه يحسن بـ «النهضة» التي تحتفل اليوم بإطفاء شمعتها الـ32 الكف عن الاعتقاد بأنها قطعة حبل جاء بها الوادي. أي المطلوب منها الانخراط فورا في سلسلة الحركة الوطنية التونسية إذا كانت تريد الاحتفاء بشموع قادمة بلا عد, كما يتعين عليها اتخاذ قرار التحول إلى حزب مدني بلا مواربة, حزب عاقل يعرف نتائج الخلط الذي يصل حد التناقض بين السياسي والدعوي... وكم أتمنى -صادقا- أن يصح كلام الشيخ الغنوشي بأن تونس في عهد «النهضة» ستكون نموذجا متفردا في العالم الإسلامي.
للتذكير فقط, ورئيس الوزراء التونسي علي العريض عائد لتوه من ألمانيا الأوفر سخاء والأكثر حدبا على عهد «النهضة», أن من بين مواطناتها من تمشي اليوم على ساق اصطناعية بسبب تفجير «حركة الاتجاه الإسلامي» لفندق تونسي في سنة 1987. وكأني بألمانيا تقول من وراء سخائها إن قيمة «التسامح» والتجاوز رسالة أولى لمن يعقل.
أما الثانية والأهم فتتلخص في أن الحزب الديمقراطي المسيحي الألماني الحاكم, والذي احتفى بشكل استثنائي بـ «تونس النهضة» يحتفل هذه السنة بشمعته الـ68, وهو ما زال متصدرا قائمة أنجح الأحزاب الأوروبية, فقط لأنه نجح في حل مشكلة العلاقة بين الدين والدولة يوم تبنى مبدأ «مسؤولية الفرد أمام الله». عدا توحيده بين البروتستان والكاثوليك على قاعدة الإيمان بالديمقراطية الحقيقية, وليس مخاتلتها.
وإذا كانت «النهضة» تريد ربح الانتخابات القادمة والتي تليها, وربما تلك التي ستطفئ فيها شمعتها الـ68 فلتقرا تاريخ الحزب الديمقراطي المسيحي الألماني مثلا, ولتنافسه في السماحة والنقاء وطول العمر في الصحة والعافية للجميع.
عندها.. فلا مشكل.·
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق